14/12/2016 - 09:51

دولة الخطوات: من أوسلو إلى أين؟

"دولة الخطوات" هذه، إذا ما أُقيمت، فلن تكون دولة حقيقية، مستقلة وذات سيادة وعلى أراضي متواصلة، بل أتوقع أن تكون مجموعة كنتونات متفرقة وغير متواصلة جغرافيا.

دولة الخطوات: من أوسلو إلى أين؟

وقعت حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن على اتفاق أوسلو، المعروف رسميا باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، يوم الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر 1993. لم يكن اتفاق أوسلو معاهدة سلام، بل كان وسيلةً لوضع ترتيبات الحكم المؤقتة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإطاراً لعقد مفاوضات لاحقة بين الجانبين للتوصل إلى معاهدة سلام نهائية، بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و338، في أواخر عام 1999. أما القضايا التي من المفروض أن تتناولها المفاوضات فهي 'القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين ومسائل أخرى ذات اهتمام مشترك' .

ينص اتفاق أوسلو على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل و'بحقها في العيش بسلام وأمن' مقابل اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني. كما ينص الاتفاق على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالية فلسطينية (أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية)، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات.

أيدت حركة 'فتح' وأغلب الفصائل الأخرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو، على أمل أنه سيؤدي في النهاية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. أما الفصائل السياسية غير التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، مثل 'حماس' و'الجهاد الإسلامي'، وحتى بعض فصائل المنظمة، مثل 'الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين'، فقد عارضت هذا الاتفاق باعتبار أن هذا الحل (أي حل الدولتين) سيقضي على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم التي هُجِّروا منها خلال نكبة عام 1948.

أيّد معظم الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع اتفاق أوسلو عند توقيعه. ففي مسح أجريتُه عام 1997 في الضفة الغربية وقطاع غزة، على عينة ممثلة للسكان البالغين تكونت من 1500 شخص، وردا على سؤال حول مدى تأييدهم لاتفاق أوسلو حين توقيعه في شهر أيلول/ سبتمبر عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل ، ذكر 63% من أفراد العينة أنهم أيدوا (أو أيدوا بشدة) اتفاق أوسلو عند توقيعه. وبعد مرور بضع سنوات فقط على اتفاق أوسلو، تراجعت نسبة التأييد. فردا على سؤال في نفس المسح حول مدى تأييد أفراد العينة اليوم (أي عند إجراء المسح عام 1997) لاتفاق أوسلو، أجاب 43% فقط أنهم يؤيدون (أو يؤيدون بشدة) هذا الاتفاق. وتراجعت أكثر بعد ذلك نسبة مؤيدي اتفاق أوسلو في الجمهور الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 1967. ففي مسح شاركتُ قبل بضعة أشهر في إجرائه في الضفة الغربية وقطاع غزة على عينة ممثلة للسكان البالغين تكونت من 1200 شخص، تبيّن أن 37% فقط من أفراد العينة يؤيدون (أو يؤيدون بشدة) اتفاق أوسلو، وأن أغلبية أفراد العينة اليوم (63%) لا يؤيدون (أو لا يؤيدون مطلقا) هذا الاتفاق.

يعود تراجع تأييد الجمهور الفلسطيني في الضفة والقطاع لاتفاق أوسلو إلى أن إسرائيل وحدها هي التي استفادت من هذا الاتفاق. فقد واصلت إسرائيل بناء المستوطنات على أراضي الضفة الغربية المحتلة، حيت تضاعف بضع مرات عدد المستوطنات وعدد المستوطنين اليهود فيها. وتحررت إسرائيل من عبء 'الإدارة المدنية' وتقديم الخدمات الضرورية للسكان، وخصوصًا التعليمية والصحية، وأوكلت ذلك إلى السلطة الفلسطينية. في المقابل، لم يحصل أي تقدم يُذكر، من خلال المفاوضات على 'عملية السلام'. فالدولة الفلسطينية لم تقم، وحتى القضايا الجوهرية، وخصوصًا قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود، تم تأجيلها ولم يتم بحثها حتى الآن. ولم يبقَ من اتفاق أوسلو سوى التنسيق الأمني بين الطرفين، والذي هو بالأساس لمصلحة إسرائيل، حيث تستطيع من خلاله الكشف عن خلايا مقاومة واعتقال مطلوبين. وقد اعترف الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه الأخير، في مؤتمر حركة 'فتح' السابع في رام الله بتاريخ 30/11/2016، أن 'كل ما فعلناه من خلال أوسلو هو أننا مهدنا لعودة القيادة إلى أرض الوطن'، مضيفا أن عدم تحقيق أي تقدم بعد اتفاق أوسلو ليس ذنبنا؟!

واضح أن اتفاق أوسلو قد فشل. وواضح أن اليمين الإسرائيلي في تصاعد، وأن إسرائيل، بقيادة الليكود أو حتى حزب العمل، لن توافق على إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة في حدود عام 1967. فالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، مليئة بالمستوطنات الإسرائيلية، وجدار الفصل العنصري ابتلع جزء كبيرا منها. وواضح أن العرب في واد والقضية الفلسطينية في واد آخر، فهم يهرولون نحو إسرائيل مجانا. وواضح أيضا أن الولايات المتحدة الأميركية ستبقى منحازة إلى إسرائيل، وربما سيزيد انحيازها في عهد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. ويبدو أن القيادة الفلسطينية تدرك أن الاستقلال الحقيقي ليس ممكنا في هذه الظروف، ولذلك تحدّث الرئيس الفلسطيني أبو مازن في مؤتمر 'فتح' المذكور أن 'الوصول إلى الاستقلال يتمّ بتراكم الخطوات... خطوة خطوة ...  وهو ما نفعله'.

'دولة الخطوات' هذه، إذا ما أُقيمت، فلن تكون دولة حقيقية، مستقلة وذات سيادة وعلى أراضي متواصلة، بل أتوقع أن تكون مجموعة كنتونات متفرقة وغير متواصلة جغرافيا. وأخيرًا أتساءل: في ضوء استبعاد إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967، ألم يحِن الوقت للتخلي عن 'حل الدولتين في فلسطين'، والتفكير بحلول بديلة وربما العودة إلى رفع شعار 'الدولة الواحدة في كل فلسطين' (دولة علمانية ديمقراطية أو دولة ثنائية القومية)؟

* بروفيسور في علم الاجتماع - فلسطين

التعليقات