16/12/2016 - 09:25

الفقر والمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل

تقرير الفقر لسنة 2015 الذي نشرته مؤسسة التأمين الوطني تدل نتائجه على ارتفاع بنسبة الفقر بين العائلات من نسبة 18.8% في سنة 2014 إلى 19.1% في 2015

الفقر والمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل

تقرير الفقر لسنة 2015 الذي نشرته مؤسسة التأمين الوطني تدل نتائجه على ارتفاع بنسبة الفقر بين العائلات من نسبة 18.8% في سنة 2014 إلى 19.1% في 2015، فيما انخفضت نسبة الفقر بين الأطفال والمسنين، وحصل أيضا انخفاض في نسبة مقياس عدم المساواة، ويعود ذلك بحسب التقرير لارتفاع نسبة العاملين وخصوصا النساء العربيات والرجال المتدينين اليهود.

من النتائج المهمة والمقلقة في التقرير ارتفاع في مقاييس لعمق الفقر وخطورته، إذ أصبح الفقراء في سنة ا2015 أشد فقرا مقارنة بسنوات سابقة. بما يخص المجتمع العربي، تدل النتائج على ارتفاع بنسبة الفقر من 52.6% في 2014 إلى 53.3% في 2015، المسببات الأساسية لذلك هي انخفاض في مدخول العائلات وبالأخص لدى المستقلين في عملهم.

نسبة العائلات التي تعيش في فقر متواصل في البلاد عامة ارتفع من 58% إلى 60% والارتفاع الأكبر كان لدى العائلات العربية (مقارنة بالعائلات اليهودية المتدينة والمهاجرين الجدد) من 52% في 2014 إلى 61% في 2015.

إضافة لهذه المعطيات هنالك أيضا تقرير الفقر البديل الذي اصدرته منظمة 'لاتيت' لسنة 2016 ويدل على خطورة وضع السكان عامة في البلاد بما يخص الفقر. إذ دلت النتائج على أن 31.9% من سكان البلاد يعيشون في فقر، من بينهم 35% أطفال، أي ما يقارب 2.6 مليون نسمة تعيش في فقر من بينهم ما يقارب المليون طفل. تناول التقرير أيضا النواقص التي يعاني منها السكان في خمسة مجالات مركزية وهي: السكن، التعليم، الصحة، الغذاء وغلاء المعيشة (جودة الحياة). هذه المعطيات وإن كانت تدل على تفاقم ظاهرة الفقر في البلاد والضائقة الاقتصادية التي يعاني منها السكان مقارنة بدول OECD.

العديد من الأبحاث العلمية التي تناولت موضوع الفقر،  وجرى تطوير جسم معرفي واسع أو ما يسمى 'بحث الفقر'. التوجهات المركزية في بحث الفقر يمكن تلخيصها بتوجهين مركزيين؛ الأول، التوجه المحافظ، المنسوب للنظريات التي طورت في أعقاب الباحث أوسكار لويس الذي طرح مصطلح 'ثقافة الفقر'، يعرف الفقر على أنه فقر اقتصادي الذي له تأثير على المستوى الشخصي والثقافي، ويبرز ذلك في صفات الأشخاص، مميزات العائلات ونوعية العلاقة بين الجماعة والمجتمع. النقد الكبير الذي وجهه لهذه النظريات بأنها تضع كامل المسؤولية على عاتق الاشخاص الذين يتواجدون في الفقر وبأنها تتمركز في صفاتهم السلبية التي هي نتيجة الثقافة الدونية التي طوروها ويعيشون بها. التوجه الثاني، النظرية الهيكلية – البنائية، تعرف الفقر على أنه نتيجة سياسة تمييز وعدم مساواة في مؤسسات الدولة الاجتماعية، عدم المساواة والتمييز موجهه لمجموعات أقلية مهمشه، وذلك يبرز في مجالات: العمل، التعليم، السكن والرفاه الاجتماعي. 

في السنوات الأخيرة هناك توجه جديد الذي يعرف الفقر على أنه المساس في كرامة الإنسان وحقه في العيش الكريم. هذا التوجه يوسع تعريف الفقر من فقر مادي إلى فقر معنوي ورمزي.

إذا نظرنا إلى الفقر في المجتمع العربي في البلاد نرى النتائج المقلقة والخطرة التي نشرت في تقرير الفقر الأخير لعام 2015  الذي أصدرته مؤسسة 'التأمين الوطني'، والتي دلت على تدهور في وضع المواطنين العرب والضائقة الاقتصادية التي يعانون منها، إذ ما يقارب 53% من الأشخاص الذي يعيشون في الفقر في البلاد هم من العرب.

في تقرير سابق نشرته منظمة OECD   في العام 2010، تناول ثلاثة أسباب مركزية للفقر في المجتمع العربي في إسرائيل: الأول، التمييز في توزيع أو تخصيص الميزانيات والموارد بين البلدات اليهودية والعربية. على سبيل المثال في تقرير رصد لمركز مدى الكرمل (2016) بيّن أن أحد جوانب التمييز ضد العرب ما يسمى 'الموازنات المشروطة'، وهي فرض شروط تحويل أموال الميزانيات للسلطات المحلية في حالة تنفيذ سياسة هدم منازل غير مرخص بها. الثاني، جهاز تربية وتعليم لا يلائم احتياجات المجتمع، وكوادر تعليم بحاجه لتطوير وتأهيل. الثالث، انعدام الثقة وفجوة بين السكان العرب ومؤسسات الدولة نتيجة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. بالإضافة لأسباب أخرى تم طرحها ومن أهمها النسبة المنخفضة للنساء العربيات في سوق العمل، فقد دلت الأبحاث على أهمية رفع نسبة النساء العربيات في سوق العمل لمواجهة الفقر، لكن هناك العديد من العوائق التي تتعلق في المجتمع والدولة تحول دون ذلك.

إذا حاولنا إيجاد حلول لمشكلة الفقر يمكننا اشتقاقها من مسببات الفقر والعمل عليها، لكن نرى بأن توجه الدولة والحكومة مغاير، وأن الأهداف والأولويات تختلف وعلى حساب ضمان العيش الكريم للمواطنين عامة وللعرب خاصة.

تصريحات الحكومة الاسرائيلية اليمينية مأخوذة من النظريات المحافظة في معالجة الفقر في المجتمع العربي، أي أن الفقر المنتشر في المجتمع العربي هو نتيجة ثقافة دونية، متحفظة غير منظمة وغير مبادرة للخروج من دائرة الفقر، وهذا بحد ذاته غير صحيح، فالمجتمع العربي بحاجه لميزانيات ولخطط إصلاح في مجالات التعليم، السكن والصحة، بالإضافة إلى أهمية رفع نسبة النساء العربيات في سوق العمل مع التشديد على منحهن الشروط الاجتماعية التي تضمن لهن العيش الكريم.

من غير المنطقي التوقع بأن ينهض المجتمع ويواجه الفقر من دون تدخل من المؤسسات الرسمية والحكومة. المجتمعات تحاول دائما إيجاد طرق تعامل وبدائل لمواجهة الأزمات، لكن المسؤولية تقع على عاتق الدولة لإخراج مواطنيها من دائرة الفقر.

* طالبة دكتوراه في جامعة بار إيلان

التعليقات