07/02/2017 - 15:33

جوقة ماذا ولماذا وهل

يجب أن يوحدنا علم واحد، علم شعبنا الفلسطيني وليس أعلام طوائف شعبنا، ولكن الواقع مختلف، نعم نريد تغييره ولكن هذا التغيير لا يأتي إلا على المدى البعيد. هناك أناس ما زال العامل الديني يشكل لديهم هويتهم أكثر من كونهم فلسطينيين أو حتى عربا

جوقة ماذا ولماذا وهل

تعيش بين ظهرانينا مجموعة كبيرة لها تأثيرها، أسميها هنا جوقة ماذا ولماذا وهل، هؤلاء لا يعجبهم العجب، مهما رأوا أو سمعوا وأحسّوا، فإن ردّهم الذي صار تقليديا ومتوقعا هو ماذا ولماذا وهل!

إذا تظاهر الناس في قلنسوة احتجاجا على الهدم، قالوا أين هم أهل قلنسوة نفسها، لماذا لم يشاركوا جميعهم وأين هي جماهير المثلث؟ ثم يتساءلون باستنكار 'وما نفع المظاهرة ومن سيدري بها داخل قلنسوة؟ ثم لماذا بنى الناس بيوتهم من دون ترخيص؟ ولماذا لا يستقيل رئيس البلدية؟'، فاذا استقال قالوا هذا هروب من المسؤولية فماذا استفدنا من استقالته؟ فإذا دعا أحد لاستقالة أعضاء الكنيست العرب قالوا ما فائدة الاستقالة؟ ولكنهم لا يلبثوا أن يتساءلوا ما فائدة وجودنا في الكنيست؟   

وإذا جرت مظاهرة أضخم في عارة وأغلق الشبان شارع وادي عارة، قالوا حسنا ها قد أغلقتم الشارع فماذا استفدتم من هذا؟ وهل هذا سيحل مشاكلنا أم سيؤزمّها ويثير الرأي العام اليهودي ضدنا فيهرب منا حتى الذي يناصر قضايانا؟ وإذا تظاهر الناس بهدوء بدون مواجهة تساءلوا من دري بكم؟ وإذا قيل لهم تعالوا إلى القدس للتظاهر قالوا وماذا يوجد في القدس؟ من سيستقبلنا هناك؟ وإذا استقبلونا فهل سيسمعون منا؟ وإذا سمعوا فهل سيفعلون شيئا أم سيتعاملون معنا فقط من باب حسن التخلص!؟

في المغار خرج الناس مستبقين نية هدم منزل فأغلقوا الشوارع بالسيارات وبمظاهرة جبارة ضمت جميع أهل المغار، فخرج البعض مستنكرين، لماذا رفع البعض علم الدروز والبعض أعلاما خضراء ورفع آخرون أعلام الفاتيكان؟

مبدئيا أتفق معهم، يجب أن يوحدنا علم واحد، علم شعبنا الفلسطيني وليس أعلام طوائف شعبنا، ولكن الواقع مختلف، نعم نريد تغييره ولكن هذا التغيير لا يأتي إلا على المدى البعيد. هناك أناس ما زال العامل الديني يشكل لديهم هويتهم أكثر من كونهم فلسطينيين أو حتى عربا لأسباب لا مجال لتفصيلها، هذا نجده لدى الجميع ولكن بنسب متفاوتة، ولكن جميع هؤلاء ضد الهدم ومستعدون للوقوف بقوة مع بقية مركبات أبناء شعبهم.

لا يوجد نضال طهراني متكامل، منذ لحظة انطلاقه حتى بلوغ أهدافه، في الطريق إلى الهدف الكبير تتشكل تحالفات وتختفي تحالفات، بل وقد يتحول بعضهم إلى خصوم، منها تحالفات آنية وحول قضايا عينية مثل الهدم أو الميزانيات، ومنها ما هو أبعد ويشمل الخدمة العسكرية، ومنها ما هو مستقبلي وأوسع وأشمل وهو صراع هوية المكان ودستور البلاد ونوعية الحكم، وهذا يعني أن في العمل السياسي لا يوجد تصنيف طهراني للجمهور.

 هذا الجمهور يحتاج إلى بعضه البعض، قد يتسع في قضية عينية ما وقد يضيق في قضية أخرى، نعم نريدها وحدة شاملة في كل القضايا من أصغر وظيفة إلى كامل حقوقنا القومية، ولكن هذا الهدف ينمو وتصقله التجارب خلال عملية النضال الطويلة، فما المانع بأن يعبر كل واحد كما يرى ما دام أن الهدف يلتقي في مواجهة مشروع الهدم الخطير الذي يشمل الجميع، نحن لسنا في معركة واحدة نهائية، ما زلنا نطالب بحقوق أساسية مثل المسكن واللغة، وقد يستمر هذا النضال قرنا آخر قبل الوصول إلى الحالة النهائية التي نأملها وهي دولة جميع المواطنين.

إذن لماذا البحث عن ما يفرق وليس عن ما يوحّد، لماذا النبش عن النواقص كأن البحث هو الهدف، بدلا من البحث عن الإيجابيات وإبرازها في كل مرحلة وأخرى، لماذا البحث الدائم عن ما لم نحققه بدلا من أن نرى ما تحقق في موقف ما. الانتقاد مطلوب لتحسين الأداء، ولكن عندما يتحول النضال كله إلى نقد يصبح عامل إحباط يستغله خصمنا الماهر بتفريقنا.

الكمال في العمل النضالي قد نجده في الروايات الرومانسية، أما على أرض الواقع فيجب الترحيب بكل شذرة مقاومة مهما بدت صغيرة، وتنمية هذه الشذرة الصغيرة لتصبح كبيرة، قضايانا كثيرة أهمها والأكثر إلحاحا في هذه المرحلة هو سيف الهدم وقضية المسكن.

إلى جانب هذا علينا أن نفتح صدرونا لليهود الديمقراطيين الذين يعارضون سياسة الهدم من منطلقات سياسية وقد تكون منطلقات إنسانية بحتة، في مظاهرة عارة كان منهم أعداد لا بأس بها، علينا استيعابهم في هذه النشاطات وإشعارهم بأنه مرغوب فيهم مهما كانوا قلائل.

جوقة ماذا ولماذا وهل دائما تجد ما تهاجمه وهذا ليس صعبا، تارة تتراجع إلى الخلف كأنها تدعونا للتنازل عن النضال من أصله وانتظار الفرج من المجهول، وتارة تندفع ركضا أمام الجميع بحماس كبير فلا تجد حولها إلا نفسها، بينما المطلوب هو أن نكون معا صفا واحدا كالبنيان المرصوص، نعمل ونشجع وننتقد ولا نُحبط.

التعليقات