"يهودية الدولة" في مركز تقرير الـ"إسكوا" الذي وصف إسرائيل بالأبرتهايد

نجحت الضغوطات الإسرائيلية الأميركية، بليّ ذراع الأمم المتحدة، وإرغامها على سحب تقرير منظمة الـ"إسكوا" التابعة لها، والذي أدان إسرائيل بتطبيق نظام أبرتهايد ضد الشعب الفلسطيني. واستقبل سحب التقرير، بصمت عربي مطبق، خلا من أي صرخة احتجاج

"يهودية الدولة" في مركز تقرير الـ"إسكوا" الذي وصف إسرائيل بالأبرتهايد

نجحت الضغوطات الإسرائيلية الأميركية، بليّ ذراع الأمم المتحدة، وإرغامها على سحب تقرير منظمة الـ'إسكوا' التابعة لها، والذي أدان إسرائيل بتطبيق نظام أبرتهايد ضد الشعب الفلسطيني. واستقبل سحب التقرير، بصمت عربي مطبق، خلا من أي صرخة احتجاج، إلا صرخة يتيمة تمثلت باستقالة المديرة العامة لمنظمة الـ'إسكوا'، الدكتورة ريما خلف، التي سجلت بلسان أحد الكتاب العرب موقفا شجاعا في زمن الجبناء.

وتقف مسألة 'يهودية الدولة' وترجماتها في القوانين والمؤسسات الإسرائيلية، في مركز تقرير منظمة الـ'إسكوا' التابعة للأمم المتحدة، التي اتهمت إسرائيل بتأسيس نظام فصل عنصري 'أبرتهايد' وطالب دول العالم بمقاطعتها ومحاكمتها.

تجاوز التقرير التعامل مع مسألة الأبرتهايد على أنها أعمال وممارسات منفصلة (مثل جدار الفصل العنصري)، أو ظاهرة تولدها ظروف بنيوية مُغفلة كالرأسمالية (أبارتهايد اقتصادي)، أو سلوك اجتماعي خاص من جانب بعض الجماعات العرقية تجاه جماعات عرقية أخرى (عنصرية اجتماعية)، وتمسك بتعريف الأبارتهايد كما يرد في القانون الدولي، مسترشدا بالاتفاقية الدولية لمناهضة الأبارتهايد، التي تنص على أن جريمة الأبارتهايد تتكوّن من أفعال لا إنسانية منفصلة، لكن هذه الأفعال لا تكتسب صفة جرائم ضد الإنسانية، إلا إذا تعمدت خدمة غرض الهيمنة العرقية، وكذلك باتفاقية 'رومالتي' التي تتحدث عن  ضرورة وجود “نظام مؤسسي” يخدم “مقصد” الهيمنة العرقية.

ويستند التقرير إلى مبدأ الدولة اليهودية، كما يعبر عنه القانون الإسرائيلي، وتصميم مؤسسات الدولة الإسرائيلية، ليثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، وجود الغرض والمقصد.

ويجد التقرير النظام الإسرائيلي مصمماً على هذا الغرض بشكل جليّ، في مجموعة القوانين الإسرائيلية. ويأخذ مثال سياسة الأراضي، كما تتجسد في القوانين الإسرائيلية، حيث يورد أن القانون الأساسي الإسرائيلي، ينص على أنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال، نقل الأراضي التي تحتفظ بها دولة إسرائيل أو هيئة التطوير الإسرائيلية أو الصندوق القومي اليهودي، ما يضع إدارة هذه الأراضي تحت سلطة هذه المؤسسات بصورة دائمة.

ويسر التقرير إلى أن قانون ممتلكات الدولة لعام 1951، الذي ينص على أن الحق المستقبلي في الممتلكات (بما في ذلك الأراضي)، يعود إلى الدولة في أي منطقة ينطبق عليها قانون دولة إسرائيل، منوها إلى أن 'سلطة أراضي إسرائيل' تدير أراضي الدولة، التي تمثل 93 في المائة من الأراضي ضمن حدود إسرائيل المعترف بها دوليا، والتي يحرم قانونا استعمالها، أو تطويرها أو امتلاكها على غير اليهود.

 ويرى التقرير بهذه القوانين، تجسيدا لمفهوم 'الغرض العام'، كما يرد في القانون الأساسي الإسرائيلي، ويعتقد للوهلة الأولى أن هناك إمكانية لتغيير تلك القوانين، بالتصويت في الكنيست. لكن 'القانون الأساسي: الكنيست'، يحظر على أي حزب سياسي الطعن في ذلك 'الغرض العام'، الأمر الذي يجعل معارضة الهيمنة العرقية غير قانونية ايضا.

 مجال آخر يتعرض له التقرير، ويندرج ضمن مبدأ 'يهودية الدولة'، المصممة في القوانين الإسرائيلية، هو ما يسميه بـ'الهندسة الديموغرافية'، التي تخدم سياسات غرض الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية. ويشير إلى أن أشهر قانون في هذا الصدد، هو قانون العودة الذي يمنح اليهود، أياً يكن بلدهم الأصلي في جميع أنحاء العالم، حق دخول إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية، بصرف النظر عما إذا كان بوسعهم تبيان صلاتهم بالأرض، في حين يُحجب عن الفلسطينيين أي حق مماثل، بما في ذلك من في حوزتهم وثائق تثبت وجود منازل عائلاتهم التي تعود لأجيال في البلاد.

 ويخول القانون الإسرائيلي في هذا الصدد، المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية، بتيسير الهجرة إلى إسرائيل، وخدمة مصالح المواطنين اليهود بشكل تفضيلي في مجالات شتى، كاستخدام الأراضي والتخطيط العمراني العام، وغيرها من المجالات التي تعد حيوية للدولة اليهودية.

ويشير التقرير إلى استخدام لغة مبطنة في بعض قوانين الهندسة الديموغرافية، والتي تتيح للمجالس البلدية اليهودية رفض طلبات الإقامة لمواطنين فلسطينيين، ويسمح القانون الإسرائيلي عادة لأزواج المواطنين الإسرائيليين بالانتقال إلى إسرائيل، ولكنه يستثني الفلسطينيين من الأرض المحتلة أو خارجها، من هذا الإجراء.

ويؤكد التقرير على أنّ إسرائيل تعتمد على نطاق أوسع، سياسة رفض عودة أي فلسطيني من اللاجئين والمنفيين قسراً (ومجموعهم حوالي ستة ملايين) إلى أراضٍ تقع تحت السيطرة الإسرائيلية.

ويخلص التقرير إلى نتيجة مفادها، أنّ إسرائيل تستخدم 'سياسة التفتيت'، مثل الحروب والضم الرسمي والتقسيم، لتثبيت نظام الهيمنة العنصرية، وإضعاف إرادة الشعب الفلسطيني وقدرته على مقاومة موحدة وفعالة، كما أنها تستخدم أساليب مختلفة تبعا لمكان العيش، وذلك لتسهيل فرض نظام الأبرتهايد.

ويشير التقرير، إلى أن هناك نحو 1.7 مليون فلسطيني داخل إسرائيل يتعرضون للاضطهاد، لأنهم ليسوا يهودا، ونحو 300 ألف فلسطينياً في القدس الشرقية، يتعرضون لأنواع أخرى من القوانين العنصرية، بما فيها الطرد وهدم المنازل، ويصنفون على أنهم مقيمون دائمون، بينما تختلف معاملة الفلسطينيين في الضفة الغربية، الذين يخضعون للاحتلال المباشر، ومن جهة أخرى، يعيش سكان غزة حالة حصار متواصل. أما ملايين الفلسطينيين من اللاجئين، فيعيشون قسرا في الدول المجاورة، ويحرمون من حق العودة إلى ديارهم بحجج عنصرية أيضا، مثل 'التهديد الديموغرافي والقضاء على يهودية الدولة'.

ويدين التقرير إسرائيل بارتكاب جريمة الأبرتهايد المطبق على الفلسطينيين، وهو نظام في حد ذاته يعتبر جريمة ضد الإنسانية. كما دعا التقرير، الأمم المتحدة، إلى تقديم هذه النتائج لأي محكمة دولية، لحسمها كي تصبح قانونا ساري المفعول.

ويوصي التقرير المجتمع الدولي، بعدم الاعتراف بشرعية نظام الأبرتهايد، أو التعامل معه أو تقديم المساعدة له. ويدعو دول العالم إلى التعاون للقضاء على هذا النظام البغيض. كما يدعو لإعادة تفعيل قرارات مناهضة الأبرتهايد، وإحياء الآليات التي كانت تستخدم أيام نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا. ويحث جميع الدول على العمل ضمن الإمكانيات المتاحة أمامها، لاتخاذ الإجراءات المناسبة لمناهضة نظام الأبرتهايد الإسرائيلي، ويدعو المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية إلى دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل.

التعليقات