25/03/2017 - 11:07

وماذا بعدما شكرنا ريما خلف؟

إذا كانت سرعة الصعود والخفوت أمراً طبيعياً في دورة الأخبار والاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي، فمن الغريب أن يحدث ذلك في عالم السياسة الواقعية أيضاً. بمجرد أن قدّمت الأمينة العامة التنفيذية في "الإسكوا"، ريما خلف، استقالتها احتجاجاً

 وماذا بعدما شكرنا ريما خلف؟

إذا كانت سرعة الصعود والخفوت أمراً طبيعياً في دورة الأخبار والاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي، فمن الغريب أن يحدث ذلك في عالم السياسة الواقعية أيضاً. بمجرد أن قدّمت الأمينة العامة التنفيذية في 'الإسكوا'، ريما خلف، استقالتها احتجاجاً على سحب الأمم المتحدة تقريراً يدين إسرائيل بالفصل العنصري، امتلأت المواقع بعواصف الغضب ورسائل الشكر، لكن هذا استمر يوماً أو يومين فقط، قبل أن يختفي الاهتمام، ليس فقط من شاشات أجهزة النشطاء، بل أيضاً من أذهان السياسيين العرب، وكأن وزارات خارجية ودواوين وهيئات دبلوماسية وحكومية بأسماء مهيبة كلها قد نسيت أو تناست.

ما حدث كان سابقةً عالميةً لم تحدث في تاريخ المنظمة العريقة، وكان يُمكن أن يبنى عليه للفت النظر لمحتوى التقرير الذي جاء بناء على طلب 18 دولة أعضاء في 'الإسكوا'، وتم بإشراف أستاذين في جامعتي برينستون وجنوب إيلينوي، وحتى الآن لم يقدم أي طرف أي رد علمي على أسانيده الموثقة على الإطلاق.

كتبت ريما، في نص الاستقالة، تشكو من تسلط حكومات ضغطت على الأمين العام ضد التقرير، فلماذا لم تضغط حكومات أخرى لصالحه؟
لماذا لم تشكّل الدول العربية والدول المؤيدة لها كتلةً تهدد بالاستقالة من الأمم المتحدة؟ لماذا لم تلوّح الدول الخليجية بكارت حصة مساهماتها بتمويل المنظمة؟ بل أقل وأبسط من ذلك: لدينا 22 دولة عربية ضمن 56 دولة في منظمة المؤتمر الإسلامي، هذه الأعداد، بالإضافة إلى تحالفاتها، كافية لإرسال التقرير إلى جلسة في الجمعية العامة والاجتهاد لتمريره.

بل أقل وأقل: لماذا لم تصدر عن أغلب الدول العربية حتى المواقف الخطابية المعتادة التي كنا نتذمر منها في الماضي؟ لا أحد يدين أو يشجب أو يندد (هذه الكلمات التي كنا نشعر بالملل من تكرارها، ثم أصبحنا نفتقدها!)، فلا أكثر من مكالمة شكر من الرئيس الفلسطيني الذي قرّر تكريم ريما خلف بوسام، بينما الصمت الرسمي سيد الموقف.

من المنطقي أن يتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية في ظل المأساة السورية وغيرها، لكن من غير المنطقي أن يتلاشى ذلك.

من المنطقي أن ينخفض سقف الطموح للقضية الفلسطينية، بحكم الهزيمة التاريخية، وبحكم الموجة العالمية اليمينية الحالية، وأيضاً بحكم تقادم الزمن وولادة أجيال جديدة وتغيير كامل بالواقع. لكن من غير المنطقي أن يصبح الحديث عن القضية الفلسطينية أٌقرب إلى التخلف في بعض الأوساط، وربطه الفوري بخلفيات إسلامية أو يسارية.

من الغريب أن نذكّر ببديهية أن الموقف الدولي الراسخ يقول بوضوح إن إسرائيل دولة احتلال لأراضي 67، وأن مبدأ مقاومة المحتل ليس جريمة، كيف يبدو هذا أعلى كثيراً من سقف مسؤولين عرب؟

#شكراً_ريما_خلف، ليس من جيلنا فقط، بل من أجيال قادمة، كان موقفك جزءاً من تراكم حفظ الحق لها. إذا كنا الآن أعجز من القيام بعمل مؤثر، فعلى الأقل لنحفظ الأساس النظري والرواية الحقيقية لقادمين قد يكونوا أقل عجزاً.

وإذا كنا الأضعف في ميادين السلاح والعلم، فلا يمكن أن نكون الأضعف في مياديننا، كالخطابة والمناظرات وسواها.

ستحكي أجيال قادمة عما فعلته ريما، الموظفة المثالية التي استقالت قبل أسبوعين فقط من موعد إحالتها إلى التقاعد، لتخسر مبلغاً طائلاً، كان ينتظرها بالتأكيد مكافأة نهاية خدمة، ولتخسر أيضاً كما لا يُحصى من فرص العمل، سخية الرواتب والنفوذ في مؤسسات دولية أخرى. لكلمة 'لا' ثمن دائماً.
كما ستحكي أجيال قادمة عما فعله (أو لم يفعله) آخرون، كانت بيدهم أدوات السلطة والمال، ولم يستخدموها في فرصةٍ سانحة.

تقول ريما في استقالتها للأمين العام: 'ليس بصفتي موظفة دولية، بل بصفتي إنسانا سويا فحسب، أؤمن بالقيم والمبادئ الإنسانية السامية التي طالما شكلت قوى الخير في التاريخ، والتي أسست عليها منظمتنا هذه... وأؤمن مثلك أيضا بأن التمييز ضد أي إنسان على أساس الدين أو لون البشرة أو الجنس أو العرق أمر غير مقبول، ولا يمكن أن يصبح مقبولا بفعل الحسابات السياسية أو سلطان القوة. وأؤمن أن قول كلمة الحق في وجه جائر متسلط، ليس حقا للناس فحسب، بل هو واجب عليهم'.

(العربي الجديد)

التعليقات