18/04/2017 - 11:36

انتصار جديد لبشّار...

أخذتهم نشوة النصر وراحوا يهاجمون اقتراح التعديلات الدستورية التي تدعو لنظام رئاسي في تركيا، وفجأة فطن أحد المحللين المساكين بأن النظام في سورية رئاسي فأخذته حالة من الذعر والفزع خشية أن يُفهم بأنه ضد النظام الرئاسي في سورية.

انتصار جديد لبشّار...

عبّر إعلام النظام وأبواقه إياها، عن ارتياح شديد لحصول إردوغان على نسبة أقل مما توقعت استطلاعات الرأي في استفتاء تعديل الدستور، واستطاع محللو النظام أن يبرهنوا حسابيًا بأن 51.5% هي أقل من 48%، كذلك أمسكوا نظام إردوغان متلبسًا بجرائم حرب ضد الإنسانية عندما تبين أن الملايين قالوا (لا) في ست مدن كبيرة.

المحللون توصّلوا إلى أن نتيجة الاستفتاء في تركيا هي نصر لسورية، وذلك لأن من قالوا (لا) لتعديل الدستور كأنما قالوا (لا) لسياسة إردوغان، وفي لغة الجبر إذا قلت (لا) لإردوغان فأنت قلت (نعم) لبشار، وبما أن سورية هي بشار وبشار هو سورية فهذا نصر آخر لسورية وواحد من انتصاراتها المتلاحقة وهدية للشعب السوري في الذكرى السبعين ليوم الجلاء.

المهم، أخذتهم نشوة النصر وراحوا يهاجمون اقتراح التعديلات الدستورية التي تدعو لنظام رئاسي في تركيا، وفجأة فطن أحد المحللين المساكين بأن النظام في سورية رئاسي فأخذته حالة من الذعر والفزع خشية أن يُفهم بأنه ضد النظام الرئاسي في سورية برئاسة السيد الرئيس بشار الأسد لا سمح الله واستغفر الله، فراح يبربر بفزع ويفسر موقفه ويعبر بيديه وصراخه خشية أن يفهم بأنه معارض للسيد الرئيس، لأنه حينئذ سيجد نفسه في غياهب الحرية ولن يظهر بعدها على الشاشة أبدًا ولن تعرف زوجته المسكينة هل هي زوجة سجين عليها أن تنتظره أم صارت أرملة من حيث لا تدري، المسكين لحق حاله في اللحظة الأخيرة وقبل فوات الأوان وراح يكيل المدائح للنظام الرئاسي، ولكن ومرة أخرى كي لا يتورط ويُفهم كأنه مع التعديلات الدستورية في تركيا، فقد اشترط أن يكون النظام الرئاسي نسخة عن النظام الرئاسي في سورية وإلا فلا فائدة ترجى منه، ولكن استغفر الله العظيم فمن الذي  يستطيع أن يكون مثل السيد الرئيس ممسكًا بكل طرائق الحكم؟ فالسيد الرئيس رئاسي وبرلماني وملكي وجمهوري وديمقراطي ودكتاتوري وعسكري ومدني في الآن ذاته.

ما يبرهن على نصر السيد الرئيس في هذه المعركة أيضًا، هو أن إردوغان سبق وطالب السيد الرئيس قبل سنوات قليلة بالانتقال للعمل بالنظام البرلماني مثل تركيا، الرئيس طبعا ليس بحاجة لنصائح من أحد ورفض هذه النصيحة، وها هو إردوغان يتراجع ويعترف أن النظام الرئاسي أفضل، وهذا اعتراف ضمني على عبقرية السيد الرئيس ورؤيته الإستراتيجية الثاقبة.

"تمركز أكثر الصلاحيات بيد شخص واحد هي مشكلة، إلا إذا كان بقدرة الديمقراطية حماية نفسها بنفسها من خلال القضاء"

بعد تحليلات أشبه بغرائب الخيال العلمي، نستخلص بأن المهم ليس نوع النظام، فقد يكون النظام رئاسيًا وسيئًا إذا لم يكن الرئيس هو بشار، وقد يكون برلمانيًا وسيئًا إذا كان مثل البرلمان التركي! فالعبرة إذن ليست بتسمية النظام ولا بدستور البلاد بل من هو القائد الذي يعرف كيف يعامل الشعب بخلطة فلسفية محسوبة، تؤدي في النهاية إلى حرية وسعادة وصمود كما رأينا ونرى في سورية.

وبمناسبة هذا النصر الجديد رأى أحد المحللين أن يمتدح مجلس الشعب السوري، ولكن بتردد شديد وعلى حياء كي تبقى الأضواء مسلطة على عبقرية السيد الرئيس.

فجأة فطن محلل آخر، مصبوغ الشوارب، وقال مستبشرًا "يا أخي حتى ميركل وأوروبا حذّروا إردوغان من ضيق مساحة الديمقراطية في تركيا، وهذه شهادة من الأوروبيين أنفسهم بأنه غير ديمقراطي"! ولكنه فطن بأن شهادتهم سلبية أيضا بديمقراطية السيد الرئيس، فأسرع لتنظيف الفكرة مما علق بها من شكوك وعدّلها فأصبحت شهادة أوروبا جيدة ومهمة ضد إردوغان وتآمرية ضد السيد الرئيس.

وأهم من هذا كله هي فرحة المحللين لعدم وجود حرية صحافة في تركيا، فأبرزوا خبر تصنيف تركيا كواحدة من الدول التي تحتل مواقع متأخرة في حرية الصحافة، وتراجع هذه الحرية القليلة أصلا بعد المحاولة الانقلابية التي قمعها السلطان إردوغان بوحشية، وهنا توقعتُ أن يقارن المحلل بين حرية الصحافة في تركيا ومثيلتها في سورية، ولكنه "غَرش" وفضل عدم الخوض من أصله، كما يبدو لثقته بأن حرية الصحافة في سورية لا تحتاج لبراهين، ولا لمن يدافع عنها، فكل طفل في كوريا الشمالية يعرف شعار "الله سورية صحافة وبس".

شخصيًا، لو كنت مواطنًا تركيا، لصوّت ضد التعديلات الدستورية التي اقترحها إردوغان، رغم أن الدستور الجديد فيه حسنات كثيرة، وأهمها أن الرئيس يمنع من مزاولة الرئاسة لأكثر من دورتين، كذلك ممكن للبرلمان محاسبة الرئيس وتقديمه للقضاء، وكذلك يمنع وجود نظام عسكري.

أحب أن تكون صلاحيات البرلمان أوسع من صلاحيات الرئيس رغم الإشكاليات التي تصنعها الائتلافات البرلمانية وقوة البرلمان التي تحد من قوة الرئيس، فتمركز أكثر الصلاحيات بيد شخص واحد هي مشكلة، إلا إذا كان بقدرة الديمقراطية حماية نفسها بنفسها من خلال كون القضاء صاحب اليد العليا كما هو الأمر في القضاء الإمبريالي الأميركي، الذي رفض قرارات ترامب وجعله يدرك بأنه ليس مطلق الصلاحيات، وأن هناك مرجعيات دستورية وقضائية وهيكلية ديمقراطية راسخة لا يستطيع زحزحتها بجرة قلم، ومراقب دولة يستطيع محاسبة الرئيس على التبذير في البراميل الباهظة الثمن التي يرميها على أبناء شعبه، الذين لم يتح لهم أن يقولوا (لا) إلا بثمن أرواحهم.

 

التعليقات