25/04/2017 - 17:03

كفر مندا صورتنا البشعة...

اشتهرت كفر مندا في منتوجاتها الزراعية وخصوصًا بطيخ البطوف، وغيرها من القثائيات، إلى جانب طيبة أهلها وبساطتهم ومحافظتهم.

كفر مندا صورتنا البشعة...

اشتهرت كفر مندا في منتوجاتها الزراعية وخصوصًا بطيخ البطوف، وغيرها من القثائيات، إلى جانب طيبة أهلها وبساطتهم ومحافظتهم.     

عُرفت كفر مندا في تاريخ الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل، كأول قرية خاضت نضالا جماهيريًا جديًا وصداميًا ومنظمًا بعد النكبة في مواجهة مصادرة الأراضي وقوات القمع السلطوية.

كان هذا في العام 1954، عندما حاولت السلطات إقناع الأهالي ببيع أراضيهم أو التنازل عنها لإقامة مَجْمعِ مياهٍ على أراضيهم في سهل البطوف، ولكن الأهالي رفضوا بيع أراضيهم أو التنازل عنها، وفي المقابل لم تتراجع السلطات عن مشروعها وهدفها بمصادرة الأرض، وما لبث أن جاء عمال المشروع بعتادهم إلى الأرض وبدأوا العمل بحراسة قوات كبيرة من الشرطة.

تشاور المنداويون ما العمل في مواجهة وحش المصادرة والقمع الذي بدأ ينهش أرضهم مستهترًا بموقفهم. تنادوا وأخذتهم الحمية، فذهبوا إلى مكان العمل، وحاولوا وقف العمال عن الاعتداء على أراضيهم، وما لبثوا أن اشتبكوا مع شرطة الحراسة، فتطور الأمر إلى اشتباك لساعات بين كر وفر، رجموا خلالها الشرطة بالحجارة، وردّت عليهم بهجوم معزز بقوات كبيرة ثم لاحقت الأهالي إلى بيوتهم داخل القرية وعاثت فيها فسادًا ودخلت المسجد حيث لاذ بعض الشبان واعتقلت العشرات.

في ذلك اليوم اعتقلت الشرطة حوالي حوالي أربعين شابًا ورجلا، ووضعت الأغلال في أيديهم ثم ساقتهم مشيًا على الأقدام مسافة اثني عشر كيلو مترًا من كفر مندا حتى قلعة ظاهر العمر في شفاعمرو، وهناك ألقت بهم داخل إسطبل للخيول والبهائم.

يذكر الدكتور المؤرخ عادل مناع في كتابه 'نكبة وبقاء' أن سبعة وثلاثين منهم قدموا إلى محاكمات عسكرية بتهمة مهاجمة رجال الشرطة وتعطيل عملها وغُرّموا بغرامات باهظة وسجن بعضهم.

كان هذا أول عمل ونشاط جماهيري منظم في الدفاع عن الأرض العربية في مواجهة المصادرة والعربدة السلطوية بعد قيام دولة إسرائيل وبعد النكبة. ولكن كان له صداه على كل الجماهير حيث صدرت بيانات استنكار وتضامن من الناصرة لتنتشر بعدها إلى كثير من القرى والمدن  العربية.

هذه الحادثة الكفاحية الشهيرة عُرفت في تاريخ كفر مندا بـ'يوم أوري'،  وهو اسم ضابط الشرطة الذي قاد الحملة ونفذ الاعتقالات، وبلا شك أن كل منداوي يفخر بذكرى هذا اليوم الكفاحي مثلما يفخر بأيام  نضالية كثيرة تلتها، مثل يوم الأرض وانتفاضة الأقصى التي سقط فيها الشهيد رامز بشناق، ثم  الشهيد أحمد محمود خطيب في القدس عام 2007.

من المعروف أن لكل قرية صفة تميز أهلها، لم أسمع ولا مرة كلمة سوء بما يخص أهل كفرمندا، لم أسمع إلا أنهم أناس طيبون وطنيون تغلب عليهم البساطة والطابع المحافظ غير المتعصب. في كفر مندا يوجد شخصيات وطنية مرموقة وفيها شخصيات تشارك في الصلحات العشائرية في طول البلاد وعرضها وتفتح بيوتها لنشاطات وأعمال الخير. إذن ما هذا المشهد المثير للغضب والخجل الذي تعرضه كفر مندا بين فينة وأخرى!

هل أصبح المجلس المحلي والوجاهة هدفًا يجب الوصول إليه بكل ثمن، هل يستحق المجلس المحلي التضحية والمغامرة بمصائر الناس وسمعة البلد وبزرع الكراهية بين أبناء الجيل الصاعد! هل هذه هي مشاكلكم الحقيقية أم أنها صراعات على زعامة ووجاهة وكبرياء ليس في موضعه ومكانه! هل هكذا تحل مشاكل السكن والبيوت غير المرخصة وخطر المصادرات الذي ما زال يتهدد مندا وكل وجودنا في وطننا! هل حصلتم بهذا على رخص للأبنية ووسعتم مسطح البناء! هل خففتم بهذا نسبة البطالة العالية والفقر! هل ستحترمكم المؤسسات الرسمية بهذه الصورة! هل انتعش اقتصاد متاجر كفر مندا! وهل أضافت هذه 'الطوشات' شرفًا وكرامة لأي طرف كان منكم، لرجل أو شاب أو لإمرأة! هل هذا هو النموذج المنداوي للإنسان الطيب والذي يعيش من عرق جبينه والمتسامح والكريم!

هل هذا هو النموذج المنداوي الطلائعي في النضال ضد مصادرة الأراضي! لحسن الحظ أن طوشة الأيام الأخيرة لم تسفر عن ضحايا، ولكن ما شاهدناه هو جزء بسيط من الواقع وهو يشعل الضوء الأحمر أمام أهالي مندا وخصوصًا المسؤولين والوجهاء فيها ونسألهم  باسم مئات الآلاف من القلقين إلى أين أنتم ذاهبون؟ هل تنتظرون وقوع جريمة وأن يتحول هذا الصراع الذي مبرر إلى عداوات وانتقامات وخسائر مادية ومعنوية بالأرواح لعقود طويلة؟ هل تنتظرون وقوع الكارثة لا سمح الله حتى تغلّبوا العقل على العواطف والنزعات العدوانية لدى بعض الموتورين! ألا ترون ما يدور من حولكم في القرى والمدن العربية التي ابتليت بالعنف! ألا ترون أن السلطات لا يهمها من أمركم شيئًا ولا تحلم بخير لا لكم ولغيركم من كفر مندا إلى أم الحيران!

كيف تشعرون والشرطة التي ساقت أهلكم إلى قلعة ظاهر العمر في شفاعمرو مشيًا على الأقدام وحبستهم في حظيرة للخيل تتدخل لفصل والقوات بينكم! أين مشاعر العزة والكبرياء والقومية والوطنية والتقوى الحقة من مشاعر التعاسة والخجل والإحباط! أليس فقراؤكم ومؤسساتكم أولى بأثمان هذه المفرقعات التي باتت تخجل كل عربي! ألا تقدمون بهذا نموذجًا مصغرًا لما يحدث في الوطن العربي كله من صراعات على الزعامة والكراسي السلطوية!

كفر مندا بأزمتها الأخلاقية تعكس أزمة أخلاقية لدى جماهيرنا كلها، كفر مندا هي نحن، هذه صورتنا التي تبنّت العنف والتكبر واللهاث وراء الوجاهة والمظاهر حتى ولو بالدوس على القيم الأصيلة والجميلة، هكذا أصبحنا، هذه هي حقيقتنا البشعة، فهل نستدرك أمرنا يا كفرمندا قبل فوات الأوان لتحمي نفسك وأولادك ولتعودي كما كنت نموذجًا في التواضع والوطنية والعطاء والكبرياء...

التعليقات