12/05/2017 - 08:54

مساهمة في مناقشة سبل التصدي لقانون القومية

قانون أساس القومية، أو الدستور، المقترح لم يأت نتيجة مفاوضات بين المؤسسة، الدولة وكافة المواطنين، بل تعمد أن يخدم فئة من السكان (اليهود) حيث اقترح من قبل ممثلي غالبيتهم في البرلمان، بهدف إيقاع الضرر واستثناء حقوق ومواقف فئة سكانية أخرى.

مساهمة في مناقشة سبل التصدي لقانون القومية

قانون أساس "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي"، أو ما يعرف بقانون القومية الذي أقرته اللجنة الوزارية للتشريع قبل أيام، قد يكون من أخطر القوانين التي سنت منذ إقامة دولة إسرائيل، حتى لو أدخلت عليه تعديلات مخففة في مراحل التشريع في الكنيست. فهو أخطر من قانون "العودة" وقوانين مصادرة الأراضي العربية، ومن قانون منع الأذان أو منع إحياء النكبة، وكافة التعديلات على بند 7أ في قانون أساس الكنيست، أو قوانين لجان القبول، أو قانون منع لم شمل الأسر الفلسطينية، والعشرات من القوانين العنصرية الأخرى التي سنت في العقدين الأخيرين.

 صحيح أن غالبية بنود القانون المقترح معمول بها حاليا، إما بواسطة قوانين عادية أو بواسطة السياسيات والممارسات، لكن الجديد أن اقتراح قانون القومية يضعها كافة في قانون أساس واحد يشكل، بمعان عديدة، بديلا لمبدأ العقد الاجتماعي الذي يُعرّف أهداف وطبيعة الدول، ويؤسس للعلاقة بين الدولة والمواطنين. وهو –أي العقد الاجتماعي- يشكل الأرضية لدساتير الدول إن لم يكن هو ذاته الدستور. أي أن قانون الأساس هذا بمثابة دستور غير معلن لدولة إسرائيل يعرف أهدافها وطبيعتها، بل يؤثر أيضا، بصيغته الحالية، على أي حل مستقبلي لإنهاء الاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، خاصة القدس والمستوطنات، ويطال أيضا جوانب من السياسات الخارجية لدولة إسرائيل بحيث يقر التدخل لحماية اليهود وقت الحاجة وأينما تواجدوا، وبناء علاقات خاصة مع "الجاليات" اليهودية والحفاظ على ثقافتهم في كل بقاع الأرض.

قانون أساس القومية، أو الدستور، المقترح لم يأت نتيجة مفاوضات بين المؤسسة، الدولة وكافة المواطنين، بل تعمد أن يخدم فئة من السكان (اليهود) حيث اقترح من قبل ممثلي غالبيتهم في البرلمان، بهدف إيقاع الضرر واستثناء حقوق ومواقف فئة سكانية أخرى تشكل قرابة 20% (الفلسطينيون)، في سياق استهداف عنصري واضح وراء هذا القانون. وإذا ما التزمنا بنص اقتراح القانون، وكونه يسري بطريقة غير مباشرة على المناطق الفلسطينية المحتلة عام 67، نرى أنه يستهدف سلبا قرابة 50% من السكان الخاضعين لسيطرة دولة إسرائيل. فبالإضافة إلى تثبيت الطبيعة الاستعمارية لدولة إسرائيل، وتحصين وترسيخ الطابع اليهودي بواسطة قانون أساس، وشرعنة العنصرية والتمييز والغبن التاريخي الحاصل تجاه الفلسطينيين أينما تواجدوا، قد يكون هذا القانون حركة استباقية إسرائيلية لمنع أي مطالبة بتغيير النظام وطبيعة دولة إسرائيل في حال تغير الميزان الديموغرافي نتيجة لضم أراضي فلسطينية محتلة من مناطق ج إلى إسرائيل، وفقا لبعض التحليلات الإسرائيلية. وأنا أعتقد، بالإضافة إلى قبول التفسيرات القائمة، بان اقتراح القانون يعكس، وعلى الرغم من مرور قرابة 70 عاما على إقامة دولة إسرائيل، عدم ثقة وحاجة إسرائيلية إلى انتزاع شرعيتها كدولة "للشعب" اليهودي من أصحاب البلاد بالقوة، أي بواسطة قانون، بعد أن فشلت محاولات انتزاع الشرعية بأدوات الردع والاحتواء التي عُمِل بها منذ إقامة دولة إسرائيل.     

قانون القومية المقترح يضع تحديا جديا أمام المجتمع الفلسطيني في الداخل وأمام الأحزاب العربية كافة، بل وأمام المشروع الوطني الفلسطيني عامة. هذا القانون يوضح أننا جميعا نعمل تحت إطار سياسي استعماري استيطاني يرى في المجتمع العربي عائقا أمام تحقيق طموحاته القومية، ومقتنع تماما، وأقنع شعبه، أنهم هم فقط أصحاب البلاد، ولهم الحق الحصري في تقرير المصير في هذا الوطن. هذا المشروع الاستعماري لم يحسم بعد (لم يتمكن من إبادة الشعب الفلسطيني كما حصل مع السكان الأصليين في أميركا الشمالية وينتصر. ولم يُهزم، كما حصل للمشروع الفرنسي في الجزائر)، ولهذا يستعمل كافة الأدوات المتاحة لمنع أي تغيير مستقبلي في طبيعة النظام، وتحويله إلى نظام ديموقراطي طبيعي يحتمل ويتسع لكافة المواطنين الذين يعيشون على تراب هذا الوطن، ويسعى إلى تحصين الوضع القائم، العنصري والعدائي تجاه الفلسطينيين أينما تواجدوا.

السؤال الملح في هذه المرحلة هو: هل وكيف يمكننا التصدي لهذا القانون وأهدافه؟ وما أدعيه هنا أننا كشعب نستطيع أن نتصدى لهذا القانون وإجهاض أهدافه الخطيرة، إذا توفرت الإرادة الجماعية وطورنا أدوات النضال السياسي الجماعي، ليكون لها نتائج حقيقية وملموسة في مواجهة البطش والعنصرية والعداء الإسرائيلي. وهنا أجدني أقترح عددا من الأدوات التي تستوجب منا قرارات جماعية ليست سهلة، وتبنيّا لأدوات نضالية إضافية، منها ما يمكن تنفيذه في المدى القريب ومنها المعد للمدى البعيد. أهمها حسب رأيي:

  • اجتهاد جماعي لكافة التيارات السياسية لوضع تعريف مشترك لطبيعة المشروع الصهيوني وإسقاطاته على المجتمع الفلسطيني.
  • وضع مشروع سياسي جماعي، تتفق عليه الأحزاب العربية والتيارات السياسية الفاعلة، الممثلة وغير الممثلة في الكنيست، يشكل أرضية لعقد اجتماعي ديموقراطي نقيض للمشروع الاستعماري الصهيوني، ويتسع لكافة المواطنين الواقعين تحت سيطرة النظام الإسرائيلي، ويضمن الحقوق الجماعية لكافة المجموعات.
  • تنظيم منسق لحملة عالمية واسعة النطاق، للتعريف بالطبيعة العنصرية لدولة إسرائيل، ولفضح ممارساتها وقياداتها بوصفها دولة فصل عنصري ناجز.
  • عرض المشروع الجماعي على المجتمع الإسرائيلي، والعمل على إشراك أكبر عدد ممكن من المجتمع الإسرائيلي فيه. أي تجنيد دعم من قبل المواطنين اليهود للمشروع الذي نعرضه نحن، لا أن ندعم مشاريع تعرضها علينا تيارات سياسية إسرائيلية تسعى لفرض سقف المطالب السياسية. 
  • تعزيز العمل البرلماني الوحدوي وتقوية القائمة المشتركة. وهو مورد جديد لم نستغله إلا منذ العام 2015. فعلى مدار العقود الأخيرة كانت معدلات التصويت قرابة الـ55% فقط، أي أن نصف المجتمع العربي يقاطع الانتخابات البرلمانية لأسباب متعددة، منها الموقف الأيديولوجي ومنها الكسل السياسي، دون أن يكون لهذه المقاطعة مردود سياسي ملموس، لا على الساحة السياسية المحلية ولا العالمية. وما لم نجربه لغاية الآن، وأتوقع أن يكون له مردود سياسي إيجابي حقيقي، هو رفع نسبة التصويت مثلا إلى 70% في ظل وجود قائمة مشتركة.
  • تعزيز ورفع التمثيل العربي في الكنيست عن طريق رفع معدلات التصويت إلى أقصى حد ممكن، سيسهم أيضا بتثبيت المقولة، على أرض الواقع، أن إسرائيل لا يمكن أن تكون دولة قومية حصرية لليهود.
  • مأسسة لجنة المتابعة العليا لقضايا الجماهير العربية في الداخل، وتحويلها إلى جسم أكثر فعالية وتأثيرًا في المشهد السياسي والعمل الجماعي.
  • ترتيب وتوضيح العلاقة مع المشروع الوطني الفلسطيني العام، ليكون مدخلا لإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني. 
  • العمل على تغيير ثقافة الفردانية والاستهلاك المفرطة لدى شرائح واسعة من المجتمع العربي في الداخل، وإشراك أوسع قدر ممكن في إطار المشروع الوطني.

طبعا هذه اقتراحات أولية تحتاج إلى نقاش صريح وتوضيح بين التيارات السياسية الفاعلة، وإلى إشراك أكبر قدر ممكن من الأكاديميين والأخصائيين والنشطاء وعامة الناس في بلورتها. وهذا ليس مستحيلا إذا ما استعدنا تجربة وضع وثائق الرؤية المستقبلية التي نشرت قبل عشر سنوات. البدء في هذه الخطوات يمكن أن يشكل اللبنة الأولى باتجاه التغيير المنشود، والتصدي الفعال للسياسات العنصرية وقانون القومية. وأنا على قناعة أننا كشعب وقيادات سياسية، أحزاب ومجتمع مدني، قادرون على صنع هذا التغيير حفاظا على هويتنا وانتمائنا، ورغبة منا في تثبيت وتقوية حضورنا الوطني الكريم في وطننا، ورسم طريق واضح لمستقبل نصنعه بإرادتنا.

 

التعليقات