22/06/2017 - 12:45

حول المشاركة في مؤتمرات البحث الصهيونية

في وضع عادي، أي عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تشكل مرجعية وطنية عليا للشعب الفلسطيني، كان سيقال عن مشاركة مسؤول العلاقات الدولية في حركة فتح د. نبيل شعث، في مؤتمر هرتسليا، قطعت جهيزة قول كل خطيب، وتضع هذه المشاركة حدا للنقاش الذي دار في الأيام الأخيرة حول موضوع مشاركة أكاديميين من الداخل الفلسطيني في مؤتمر "100 عام على وعد بلفور".

حول المشاركة في مؤتمرات البحث الصهيونية

" 100 عام على وعد بلفور و70 عاما على إقامة دولة إسرائيل"، هي يافطات تعقد تحتها في هذه الأيام مؤتمرات سياسية أكاديمية بمبادرة مؤسسات صهيونية تختص بالأبحاث الإستراتيجية تنشط في إسرائيل وفي الولايات المتحدة الأميركية.

ويدور الحديث أساسا عن مؤتمر تعقده "جمعية الدراسات الإسرائيلية" في جامعة برانديس في بوسطن الأميركية و"مؤتمر المناعة القومية" الذي يعقد بمبادرة "المركز متعدد المجالات" و"مؤسسة الدبلوماسية والدراسات الإستراتيجية" المعروف اختصارا بمؤتمر هرتسليا. وما يهمنا في هذه المؤتمرات إضافة إلى مواضيعها وأبحاثها وتوصياتها، هو المشاركة الفلسطينية والعربية المتزايدة في جلساتها والتي ما زالت تثير نقاشات غير منتهية في الساحة الوطنية كونها محط خلاف بين أطرافها.

في وضع عادي، أي عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تشكل مرجعية وطنية عليا للشعب الفلسطيني، كان سيقال عن مشاركة مسؤول العلاقات الدولية في حركة فتح د. نبيل شعث، في مؤتمر هرتسليا، قطعت جهيزة قول كل خطيب، وتضع هذه المشاركة حدا للنقاش الذي دار في الأيام الأخيرة حول موضوع مشاركة أكاديميين من الداخل الفلسطيني في مؤتمر "100 عام على وعد بلفور"، ولكن بعدما أجهز من أجهز على "جهيزة" وجعلها جاهزة للمشاركة في أي جنازة أو جوازة إسرائيلية من جنازة بيرس الى بيت عزاء ضابط الإدارة المدنية في الجيش الاسرائيلي، فقدت هذه المرجعية موقعها كبوصلة وطنية وضاعت الاتجاهات.

ولأن كفاح شعبنا وانتفاضاته وثوراته الوطنية لم يخلق مع منظمة التحرير الفلسطينية بل سبقتها بعقود، فإن طلائعه الوطنية من سياسيين وأكاديميين ما زالوا يرسمون معالم طريق المستقبل، من خلال تجاوز عثرات الماضي والنهوض من سقطات الحاضر وسقوطه الذي هوى بممثل منظمة التحرير الفلسطينية إلى حضيض طاولة مؤتمر هرتسليا، ليحول القضية الفلسطينية إلى مجرد ملف من الملفات الأمنية التي تواجه إسرائيل، بل إلى قضية إسرائيلية داخلية بعد تحويل السلطة ومنظمة التحرير إلى وكيل إسرائيلي.

طبعا، هذا الانهيار غير المسبوق في الموقف الفلسطيني العام، يحولنا في الداخل الفلسطيني إلى "مزاودين" و"متطرفين" لمجرد أننا نسعى للتمسك بمكاسبنا ومواقفنا النضالية التاريخية التي رسخناها عبر سنوات طويلة من التضحيات المعمدة بدماء الشهداء، فتصبح عدم المشاركة في جنازة شمعون بيرس خطأ يجب الاعتذار عنه، لأن أبو مازن "بجلالة قدره" شارك وألقى تحية الوداع على "الراحل الكبير"، ويضحي الامتناع عن استنكار العمليات الفدائية "مزاودة" لأن السلطة الفلسطينية تستنكرها وتعتبر صواريخ حماس مواسير حديدية والعمليات نوع من المس بالأمن الوطني وهي تنسق أمنيا مع إسرائيل لمنعها وإلقاء القبض على منفذيها، وعندما يصل الأمر إلى المشاركة في بيوت عزاء ضباط الاحتلال، كيف لنا أن ننتقد نائب عربي في الكنيست الإسرائيلي وهو يجلس إلى جانب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وممثل الرئيس محمود عباس.

ليس أن الانهيار المذكور وفر غطاء للتيار الوطني المهادن بيننا، بل هو يسعى لجره إلى المزيد من الارتماء في أحضان وعلى عتبات السلطة ورجالاتها ومحافلها، بل ويشجع التيارات السلطوية والعميلة أحيانا ويسبغ عليها الشرعية في محاولة لخلق أرضية مشتركة لتحالف يخدم سياسة التهافت الفلسطينية.

وإن كان النقاش حول مشاركة أكاديميين من الداخل الفلسطيني في مؤتمر "جمعية الدراسات الإسرائيلية" الذي عقد في أميركا يستند إلى معايير ومحاذير نابعة من خصوصيتنا كفلسطينيين تحت المواطنة الإسرائيلية، إلا أن هذه المشاركة تخضع أيضا للشروط الفلسطينية العامة، بصفتنا فلسطينيين تنبع مشاركتنا، أو إشراكنا في هكذا مؤتمرات أصلا، من هذه الصفة، ولذلك، يفترض أن تخضع موافقتنا على المشاركة أو عدمها من جدارتنا موضوعيا وذاتيا على تمثيل الفلسطيني كقضية وكيان سياسي.

فلا يصح مثلا الموافقة على/ والمساهمة في اختزال قضية فلسطينيي الداخل إلى قضية مدنية مقطوعة عن البعد الوطني للقضية الفلسطينية وجذورها التاريخية، واستحضار ثلة من الأكاديميين في الداخل لمعالجة أبعادها من خلال سلسلة مداخلات على غرار "أزمة البلديات" و"الانصهار والاغتراب" و"المؤسسات السياسية" المحلية، وذلك في مؤتمر يعالج الجذور التاريخية لقضية الصراع الفلسطيني العربي - الإسرائيلي ويعقد تحت يافطة "100 عام على وعد بلفور".

نتفهم الإشكالية التي يعيشها الأكاديميون الفلسطينيون العاملين في الجامعات الإسرائيلية، ولا نحملهم فوق طاقتهم ولكن نطالبهم بأن يكونوا على قدر المسؤولية الوطنية، بأن يرفضوا التحول إلى ختم مطاطي وشهاد زور على تزييف التاريخ، نطالبهم بالخروج من هامش التهميش وعقلية "عرب إسرائيل" وأن لا يرضوا إلا أن يكونون ندا، خاصة عندما يتعلق الموضوع بالقضية الفلسطينية، لأن تهميشهم هو تهميش للقضية وشعبها وتزوير للتاريخ وإضفاء شرعية على المشروع الكولونيالي الصهيوني.

 

التعليقات