26/07/2017 - 13:47

بين الديني والمقدس في القدس

القدس والأقصى مقدسان ليس بسبب مكانتهما الدينية فحسب، وإنما بما يمثلان من رأسمال رمزي وطني وسيادي وسردية رمزية في صلب الهوية الوطنية

بين الديني والمقدس في القدس

يميل الناس، عادة، إلى الخلط غير المقصود بين الديني والمقدس في حياة البشر، وأخيرا كما ظهر في هبة القدس، إذ يجري التعامل مع الهبة على أنها هبة دفاع عن موقع ديني مقدس للمسلمين، والتحذير من تحول الصراع القومي إلى صراع ديني. لكن في ذلك خطأ كبير وخلط أكبر. لأن قداسة الأقصى ومدينة القدس ليست قداسة دينية صرفة بل قداسة المكان لما يجسده من إرث وسيادة ومواجهة وكرامة، والأهم ما يشكله من سردية رمزية، أي أن قداسته تتجاوز أهميته ورمزيته الدينية إلى تشكل سردية في صلب الهوية الوطنية الفلسطينية. والديني هو فردي ويأخذ شكلا جماعيا في الشعائر، فيما المقدس هو جماعي لكنه وجداني ليس بالضرورة أن يكون شعائريا.

والقداسة ليست بالضرورة دينية، فالحداثة والعلمانية والديمقراطية تأسست على القداسة، بدءًا بتقديس الملك، مرورا بتقديس الوطن والقومية والشعب، وصولا إلى تقديس الإنسان وتأليهه إلى حد "السوبرمان"، ونزع أي مسحة روحانية عنه، وتحويله إلى عبد للعقل الإجرائي الأداتي الذي يرفض الدين ليس كطقوس وسحر، وإنما القداسة الدينية أيضا، لكنه يسبدلها بقداسة جديدة هي قداسة العقل والشعب والأمة، والطريق إلى النازية والفاشية كانت ممهدة.

والإنسان بلا مقدسات هو بلا روح وبلا وجدان، وهذا لا يجعله الغاية النهائية للفعل الإنساني بل بُرغيا في "مشروع إنساني خلاصي" أكبر، يأخذ تارة شكل النازية، وتارة الشيوعية أو الفاشية.

والإنسان الروحي صاحب المقدسات بلا إطار حديث ينظم علاقات المجتمع سواء كان دولة أو غيرها، فإنه يعيش في مملكة الخوف على المقدس، ما يعني الحرب المفتوحة أو يبحث عن الخلاص الفردي كما يتجسد ذلك في الغنوصية والصوفية، وهما فلسفتان يبحث فيهما الفرد عن الخلاص والتواصل مع المجهول من خلال الأدوات المعرفية كما في الغنوصية أو الروحية الذاتية كما في الصوفية.

ولا يمكن تقديس الإنسان من دون زمان ومكان وسياق وسردية، وإلا صار فردا عبثيا همه الخلاص الذاتي ولا يقل تشددا على رجال الدين من خلال تقديسه لفردانيته وعلمنياته و"حيزه الخاص" و"مزاجيته" و"نمط حياته"، وهذه كلها هروب من المقدس بما هو ديني إلى مقدس لا يقل تعصبا، وهو تقديس الفرد كفرد والعلمانية كعلمانية وإلخ.

والحفاظ على قداسة الإنسان غير ممكن دون أن يأخذ شكلا في الحفاظ على سيادة الوطن والأماكن الدينية والكرامة القومية وحقوق الإنسان.

لذا، القدس والأقصى مقدسان ليس بسبب مكانتهما الدينية فحسب، وإنما بما يمثلان من رأسمال رمزي وطني وسيادي وسردية رمزية في صلب الهوية الوطنية. وقدسية الإنسان تدفعنا لتقديس هذين المكانين والتضحية من أجلهما لتحريريهما من محاولة السطو عليهما دينيا من الاحتلال، وتحميلهما قيمة دينية إسلامية قد تختصر في ممارسة شعائرية فردية دون سيادة وطنية أو قومية.

وقدسية الإنسان لا تعني عبثية حب الحياة، فكم من أساطير وقصص حقيقية لبطولات فدى فيها الإنسان نفسه من أجل استمرار حياة الآخرين. قدسية الحياة من أجل الحياة هي حالة شبه دينية.

نعم، قضية الأقصى ذات أبعاد دينية واضحة، ولكن الدين بما هو هوية وسيادة وتحد ورأسمال رمزي، وليس بما هو طقوس وشعائر فردية. نعم الأقصى والقدس مقدسان لكل عربي وفلسطيني إن كان مؤمنا أو ملحدا.

اقرأ/ي أيضًا | يسار 3% أم معسكر وطني؟

التعليقات