"نكبة وبقاء" يثير جدلا بين المؤرخين الإسرائيليين

ما زال كتاب د. عادل مناع، " نكبة وبقاء"، الذي صدر مؤخرا عن معهد فان لير (باللغة العبرية)، يثير جدلا واسعا على المستويين الجماهيري والأكاديمي

ما زال كتاب د. عادل مناع، " نكبة وبقاء"، الذي صدر مؤخرا عن معهد فان لير (باللغة العبرية)، يثير جدلا واسعا على المستويين الجماهيري والأكاديمي، فبعد النقاش الذي أثاره في ساحتنا بما يتعلق بالحقائق التي كشفها، او أكدها، حول موقف ودور الشيوعيين في الـ48، وبموازاته أثار جدلا بين الأكاديميين والمؤرخين الإسرائيليين، خاصة بما يتعلق بتأكيد سياسة التهجير التي مارستها العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني خلال أحداث نكبة عام 1948، والتي شكلت أهم تجليات النكبة.

وبعكس المؤرخ الإسرائيلي المعروف، بيني موريس، الذي عارض وانتقد استنتاج مناع المتعلق باتباع الصهيونية لسياسة تهجير ضد الشعب الفلسطيني، أيد المؤرخ دانييل بلطمان، وجهة نظر مناع، وأثنى على جهوده، فيما اعتبر مقال موريس "لم تكن سياسة تهجير" الذي نشر بتاريخ 21 تموز/ يوليو الماضي في صحيفة "هآرتس"، حلقة في محاولاته المتواصلة منذ 15 عاما لإنكار ما ادعاه سابقا، بأن الصهيونية مارست سياسة تطهير عرقي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى عام 1948.

وكما هو معروف، فإن موريس، الذي كان يعتبر من أوائل وأهم "المؤرخين الجدد"، قد تراجع وارتد عن مواقفه بعد أن انتقل إلى يمين الخارطة السياسية الإسرائيلية، إلا أن مؤلفاته، التي نشرت في تلك الفترة، خاصة كتابه الشهير "نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين"، الذي صدر باللغة الإنجليزية عن جامعة كامبردج، ما زالت تعتبر من أهم المراجع التي صاغت الرواية البديلة للرواية الصهيونية حول أحداث 48، وما أسفرت عنه من نكبة أصابت الشعب الفلسطيني.

ويقتبس دانييل بلطمان أقوالا لموريس، وردت خلال مقابلة أجرتها معه "هآرتس" عام 1994، يشير فيها إلى مجموعة حقائق كشفتها الأرشيفات الصهيونية، التي أفرج عنها في ذلك الوقت، وشكلت أساسا اعتمد عليها في كتابه "نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين"، والتي تكشف تفاصيل جرى إخفائها سابقا، تتعلق بارتكاب مجازر، طرد وتهجير، قامت بها العصابات الصهيونية عام 1948 وفي السنوات التي تلتها، ... وصولا إلى قوله، إن للصهيونية كان أهدافا أخرى أيضا، الاستيلاء على "أرض إسرائيل" من البحر إلى النهر، ووراثة الفلسطينيين الذين سكنوا بها، وإبعادهم عن البلاد... في ساعات الحسم عبرت القوات الصهيونية عن رغبة القوة والتوسع الذي شكل أحد ركائز الأيديلوجية الصهيونية، واهتمت، من خلال التسبب بالهرب والتهجير أو بمنع اللاجئين من العودة، بدفع غالبية العرب الذين عاشوا في المناطق التي تشكلت منها دولة إسرائيل لاحقا إلى خارج حدود الدولة، وكذلك توسيع حدود الدولة إلى أبعد من الحدود التي أقرت في قرار التقسيم الذي صدر عام 1947.

ويقول بالطمان، إن موريس قد صاغ عام 1994 بشكل أفضل ما قرره مناع في كتابه، إلا أنه يحاول في السنوات الأخيرة "إصلاح خطأ" وإثبات أن كل ما استنتجه في أبحاثه بما يتعلق بطرد الفلسطينيين غير صحيح، والأنكى من ذلك أن موريس ينتقد بصورة شريرة كل بحث بصورة متوازنة ونقدية التعاطي مع النكبة ونتائجها من زاوية لا تتفق مع الرواية الصهيونية، وهي الرواية التي هاجمها موريس بشدة في الماضي بسبب جنوحها الأيديولوجي.

على انتقاد موريس لاعتماد الكتاب على المقابلات الشفوية للناجين من النكبة كمرجع أساسي، يورد بالطمان ما كتبه موريس نفسه في ملحق "هآرتس" عام 1993، الذي انتقد موسوعة أصدرها معهد الدراسات الفلسطينية حول القرى التي محيت عن الخارطة عام 1948، حيث استغرب موريس عدم إجراء مقابلات مع لاجئين من الذين عايشوا الحقبة المذكورة قائلا، بعد سنوات لن نجد هؤلاء الناس.

وفي السياق ذاته يقول بالطمان، إنه لو كان باحثو "المحرقة" قد اعتمدوا على الأرشيف الألماني فقط، لما عرفنا شيئا عن حياة ونجاة اليهود في سنوات مأساتهم الكبيرة، مثلما نعرف اليوم بفضل شهادات الناجين الكثيرة.

وعن ادعاء موريس بعدم وجود سياسة تهجير رسمية، يقول بالطمان، وهل يمكن التفكير أن العثمانيين عندما قرروا تهجير الأرمن عام 1915 قد نشروا ذلك في الصحافة الرسمية؟ أو أن رادكو ملديتش قد أعلن على الملأ عن نيته تنفيذ مجزرة بـ7000 من الرجال والفتيان المسلمين البوسنيين في سربنيتسه عام 1995، مشيرا إلى أن القرارات والتوجيهات التي تتعلق بتنفيذ جرائم من هذا النوع تصدر شفويا وفي محادثات مغلقة وبلغة الإشارة وبلغة تفهم على الوجهين.

وفي النهاية يسخر بلطمان من الإثبات" الذي يسوقه موريس ضد ادعاء مناع حول التهجير، والمتمثل ببقاء 160 ألف فلسطيني داخل إسرائيل، وهو ادعاء يذكره بالذين ينكرون ما يسمى بـ"الحل النهائي"، بسبب بقاء مئات الآلاف من اليهود في الكثير من البلدان الأوروبية وملايين في الاتحاد السوفييتي السابق.

 

التعليقات