18/07/2017 - 12:46

"وصلني": مبادرة شبابية للتغلب على غلاء أسعار الوقود بمصر

أطلق شباب مصريون مبادرة جديدة عبر تطبيق المراسلات الفورية "واتسآب" لاستخدام سياراتهم الخاصة، لمواجهة الموجة الجديدة من غلاء أسعار الوقود، وذلك عملا بالمثل الشعبي الشهير "الحاجة أم الاختراع".

(أ ف ب)

أطلق شباب مصريون مبادرة جديدة عبر تطبيق المراسلات الفورية "واتسآب" لاستخدام سياراتهم الخاصة، لمواجهة الموجة الجديدة من غلاء أسعار الوقود، وذلك عملا بالمثل الشعبي الشهير "الحاجة أم الاختراع".

وتقوم المبادرة على توصيل زملاء العمل والجيران على أن يتشارك الجميع في تكاليف الرحلة بعد ارتفاع أسعار الوقود.

ويعمل صاحب المبادرة، عبد القادر محمد، موظفا بمطار القاهرة، شرقي العاصمة، يقول إنه يقطع بسيارته يوميا حوالي 70 كيلو مترًا ما بين سكنه بمنطقة "مدينتي" (شرق القاهرة) وعمله (ذهاب وعودة)، وهو ما كان يكلفه حوالي 200 جنيه (12 دولارًا أميركيا) أسبوعيا بمتوسط 7 لترات "بنزين" يوميا.

وكانت الأمور تسير بشكلها الطبيعي مع محمد، حتى الخميس 29 حزيران/ يونيو الماضي، ليجد نفسه مطالبًا بتحمل ما يقرب من 300 جنيه (17 دولارًا)، أسبوعيًا لكي يستطيع التحرك بسيارته من وإلى العمل، نتيجة لرفع الحكومة المصرية لأسعار الوقود ما بين 42 و100% موزعة على المشتقات البترولية، لتبدأ من هنا فكرة المبادرة.

محمد، الذي يبلغ من العمر 34 عامًا، يقول إن الهدف من الفكرة مساعدة أبناء منطقته، وتخفيف الأعباء الاقتصادية خاصة مع موجة الغلاء التي اجتاحت كافة السلع والخدمات.

وتعيش مصر أزمة اقتصادية طبقت على إثرها برنامجًا إصلاحيًا، بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، يشمل رفع الدعم تدريجيا، ما تسبب في موجة غلاء، تضررت منها الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل.

ما أن أنشأ محمد مجموعته عبر تطبيق "واتسآب" حتى استقبل أكثر من 500 طلب من سكان "مدينتي"، شرقي القاهرة، وبعض الأحياء المجاورة لها يرغبون في تطبيق الفكرة، على حد قوله.

ويضيف: بعد دخول الناس للمجموعة بدأ كل منهم ينسق مع زميله، الذي تتناسب ظروفه معه، يبدأ الأمر بأن ينشر أحدهم مواعيد خروجه من منزله ومكان عمله ثم عودته، ليبادر من يناسبه ذلك في التنسيق معه ويتبادلون أرقام الهواتف.

العمل داخل مجموعة "وصلني" قائم على المشاركة، فمن يمتلكون سيارات كل منهم يستخدم عربته يومًا واحدًا في الأسبوع، وإذا تواجد في المجموعة من لا يمتلك سيارة يقتسم مع صاحبها تكاليف الوقود المستخدم.

الفكرة ليست مقتصرة على مواعيد العمل الصباحية أو المسائية، فيمكن أيضا، بحسب منسق المبادرة، التوافق فيما بين أعضاء المجموعة، للخروج للنزهة أو شراء مستلزمات المنزل.

"بعد تجربة الناس للفكرة بدأ كل منهم يعلن عن خط سيره قبل خروجه من منزله ويبحث عن شريك رحلته"، يوضح محمد ما آلت إليه الأمور بعد أيام من تطبيق الفكرة.

وعن التكاليف يقول إن الرحلة العادية تكلف أي فرد من المجموعة نحو 70 جنيها (4 دولارات تقريبا) لو أراد الانتقال من مصر الجديدة (شرقي القاهرة) للدقي، (غرب) عبر سيارة أجرة " تاكسي" ويحتاج لنفس المبلغ في العودة، إلا أنه لو تشارك مع أحد أفراد المبادرة سيدفع حوالي 30 جنيها فقط (أقل من دولارين).

لا تقتصر مبادرة "وصلني" على الرجال فقط، فيوجد نساء ضمن المجموعة، التي وصلت حاليا إلى 700 فرد، ولا يمانعن في تواجد رجال معهن بسياراتهن.

ويشير إلى أن غالبية المشاركين بالمبادرة من سكان شرق القاهرة، وآخرون بدأوا مؤخرًا تطبيق نفس الفكرة بمناطق أخرى كالمعادي (جنوبي العاصمة).

شروط "وصلني"

التواجد النسائي مميز داخل مجموعة "وصلني"، فكما يحكي محمد، يوجد سيدة تنتقل من مصر الجديدة إلى الدقي يوميا وتنقل معها من يتوافقون مع خط سيرها نظير المشاركة في الوقود.

السيدة نفسها هي وبعض المشاركين يضعون شروطا على من يشاركونهم سياراتهم، منها عدم التدخين أو تشغيل موسيقى مزعجة، وبعض الركاب يكون لهم شروط أيضا بأن يطلبوا تشغيل مكيف الهواء.

للدخول في مجموعة "وصلني" هناك شروط أيضا يجب اتباعها، أولها أن يرسل الراغب في الاشتراك صورة من بطاقة الرقم القومي الخاصة به، وصورة لرخصة القيادة، حسبما قرر القائمون على المبادرة.

محمد يقول إن مبادراتهم ليس لها أي طموح ربحي، فالهدف الأساسي منها هو مساعدة بعضهم البعض.

لا يتوقف نشاط مبادرة "وصلني" على اصطحاب الناس لوجهاتهم فقط، فبعض الأسر كونت علاقات قوية مع بعضهم من خلال الحديث في الطرق وبدأوا يتبادلون الزيارات، وتنظيم أوقات للرفاهية معا، وآخرون استغلوا الطريق في تعليم بعضهم لمهارات جديدة.

المبادرة، التي انتشرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، تقول عنها أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، هبة زكريا، إنها امتداد لميراث تعاوني موجود منذ القدم.

وتضيف، أن المصريين معروفون بالتعاون فيما بينهم، وهذه إحدى الصفات التي أثبتتها الأبحاث الاجتماعية، كما أنهم نظموا كثيرًا من أشكال التكافل الاجتماعي عبر تاريخهم.

وتوضح أن الكثير من الشعوب واجهوا ظاهرة غلاء الأسعار بشكل فردي، كأن يحضر المتضرر من الأسعار دراجة لتوصيله لمقر عمله، لكن فكرة استخدام سيارة واحدة لأكثر من شخص لا توجد في كثير من المجتمعات.

الناحية الاقتصادية لا تغيب عن أشكال التعاون بين المصريين، فيشيد الخبير الاقتصادي المصري، أبو بكر الديب، بالمبادرة، مؤكدا أن لها فائدتين كبيرتين وهما الادخار وتقليل مشكلة الزحام التي يعاني منها المصريون.

ويقول إن المصريين يخسرون قرابة 15 مليار جنيه (882 مليون دولار تقريبا) سنويا نتيجة الزحام المروري، يتمثل في تأخيرات عن العمل وتعطيل للمصالح، بسبب تأخر الموظفين والعمال عن مواعيد أعمالهم.

ويطالب الديب مراكز الأبحاث ومجلس النواب (البرلمان) بضرورة تكريس جهودهم في البحث عن فرص قانونية وتشريعية لتقنين مثل هذه المبادرات التي تقلل من واردات مصر البترولية، التي تقترب من 10 مليارات دولار.

التعليقات