04/09/2023 - 13:06

ضدّ الخرائط: تفكيك المقياس، واستعادة البداهة (2/2)

ضدّ الخرائط: تفكيك المقياس، واستعادة البداهة (2/2)

خريطة لمدينة البندقيّة الإيطاليّة تعود إلى العصور الوسطى | Getty.

 

في الجزء الثاني من مقالة «ضدّ الخرائط: في مواجهة المقياس»، يستكمل الكاتب، عبد الله البيّاري، بحثه في الخرائط والخرائط المضادّة، مفاهيميًّا ومعرفيًّا وسياسيًّا، مقدّمًا طرحًا يمكّن من تجاوز التمثيل ’المناسب‘ للخرائط التقليديّة، واحتكارها التاريخيّ والجغرافيّ معًا، لأجسادنا ومدننا وأحيازنا. 

 

مقدّمة

يُرجع بعض الدارسين التخلّي التدريجيّ عن عبارات مثل ’بلدان متخلّفة‘، و‘بلدان متقدّمة‘، و’بلدان نامية‘، و’بلدان متطوّرة‘، وغيرها، لمصلحة الثنائيّ: شمال وجنوب، إلى عام 1980، مع صدور «تقرير برانت» (Brandt)؛ وهو ما يعني أنّ هذا التحوّل كان متزامنًا واستخدام كلمة ’عولمة‘، على نطاق واسع. «تقرير برانت» هو التقرير الّذي كتبته اللجنة المستقلّة الّتي ترأّسها لأوّل مرّة ويلي برانت في عام 1980. وتأسّست اللجنة للاهتمام بقضايا التنمية الدوليّة في عام 1977؛ بهدف مراجعة قضايا التنمية الدوليّة، مع ترشيح المستشار الألمانيّ السابق رئيسًا من قِبَل روبرت ماكنمارا، رئيس البنك الدوليّ آنذاك. قدّمت نتيجة هذا التقرير فهمًا للاختلافات الجذريّة في التنمية الاقتصاديّة لشمال الكرة الأرضيّة وجنوبها.

إنّ هذا الوعي الجديد بالعالم، ووجوده، إنّما هو وعي زمنيّ/ جغرافيّ أيضًا؛ فالفروقات بين الشمال والجنوب كمصطلحات لها علاقة بالجهات، إنّما تحضر بمضامين ومحمولات متخيّلة أيضًا. إنّ التنقّل في الفضاء، بين شمال وجنوب، إنّما هو تنقّل زمنيّ، وبالتالي تاريخيّ. يخبرنا جان ماري ديغراندو "أنّ الرحّالة الفيلسوف الّذي يبحر إلى أطراف الأرض إنّما يخترق في الواقع سلسلة من العصور؛ فهو يسافر في الماضي، وتمثّل كل خطوة يخطوها قرنًا من الزمن".

إنّ دلائل الاستكشافات الّتي كان يستعين بها الرحّالة والمستكشفون، كرّست بعنف فكرة أنّ أوروبّا كانت في ’مرحلة متقدّمة‘ بينما كان الآخرون في ’مرحلة متأخّرة‘ زمنيًّا؛ لأنّهم كانوا أكثر بُعْدًا، في المكان/ الجغرافيا والزمان/ التاريخ. وتحديدًا أنّ تنظيم قياس الزمن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان بالاعتماد على الجغرافيا الفلكيّة الّتي قامت بالأساس على تمييز «خطّ غرينتش» بصفته مركز العالم الفعليّ آنذاك. عليه؛ فإنّ رؤية المجتمعات جرت باعتبار ثنائيّة مركز – أطراف. جدير بالذكر أنّ الاستشراق أدّى هنا دورًا أساسيًّا من حيث كونه مرحلة انتقال أدائيّ من الطرف إلى المركز، لتلك المجتمعات الّتي لا يمكن اعتبار أفرادها متوحّشين حقيقيّين، أو متحضّرين صميمين، فكان هذا الانتقال ضرورة رمزيّة، وأدائيّة للعالم غير الأوروبّيّ؛ لضمان إدراجه الخاضع ضمن مخيال غربيّ أوروبّيّ مركزيّ النزعة.

يخبرنا فوكو أنّ التاريخ كان هو الهوس المركزيّ للقرن التاسع عشر، وعليه؛ فإنّ الخرائط في تلك الفترة خضعت للسرديّة التاريخيّة، بكلّ مباني السلطة والهيمنة فيها...

من هنا، أتت أهمّيّة القراءة الجغرافيّة للتاريخ، الّتي تَنَبَّه إليها آنذاك إدوارد سعيد في كتابه «الثقافة والإمبرياليّة» (1993)، وهي القراءة الّتي يمكن من خلالها تفكيك المركزيّة والهيمنة الغربيّة – الأوروبّيّة على مناهج كلا التخصّصين (الجغرافيا والتاريخ) ومباحثهما، ونادرًا ما نرى أيّ ربط بينهما في التعليم الأساسيّ والجامعيّ في الدول الّتي وقعت تحت الهيمنة الاستعماريّة الكولونياليّة، حيث قامت المنظومة الكولونياليّة بالأساس على الطمس أو الطرد والإحلال في الزمان/ التاريخ والمكان/ الجغرافيا. عليه؛ فإنّ الأمر يحتاج إلى مقاربات نازعة للكولونياليّة (De-Colonial)، ومضادّة لها  (Anti-Colonial)، في آن، وهو ما يغيب بشكل كامل في مشاريع الأرشفة والتوثيق والبحث العربيّة، باعتبارها - أو هكذا يجب أن تكون - معارف تحرّريّة، لا كما هي الآن، تمثّل استمرارًا للعنف الإبستيميّ (Epistemic Violence) الحداثيّ والدولانيّ.

يخبرنا فوكو أنّ التاريخ كان هو الهوس المركزيّ للقرن التاسع عشر، وعليه؛ فإنّ الخرائط في تلك الفترة خضعت للسرديّة التاريخيّة، بكلّ مباني السلطة والهيمنة فيها. ويكمل فوكو بالإشارة إلى بداية عهد الفضاء (Space) دراسة، وما يستتبعه هذا من تفكيك القرب والبعد، والمجاورة، والحدود، باعتبارها جميعًا تداخلات بين الزمانيّ/ التاريخيّ والمكانيّ/ الجغرافيّ. لعلّ هذا ما يمكّننا من تقدير أهمّيّة أرشيف خرائط لهذه المنطقة من العالم، وفهمه، والّتي لا تزال تخضع لسرديّات القوى المهيمنة منذ القرن التاسع عشر، على الأقلّ على مستوى المعرفة والمخيال.

 

قراءة تفكّك بنية المقياس

بدأت الحداثة من خلال السيطرة على الزمان والمكان، ولأنّ الحداثة بما هي مركزيّة العقل، كانت في حاجة إلى العين لتكون أداة ضبط كلّ شيء عقليًّا، لذا؛ باتت العين أداة عقلانيّة/ معقلنة، امتدّت حتّى الاستعارات اللغويّة. ولعلّ تتبّعنا لبعض النماذج مثل: عقلنة الغيب تكون من خلال عقلنة اللغة، وعقلنة الجغرافيا والمكان تكون من خلال الخرائط، وعقلنة الفضاء تكون من خلال العمارة والفنون. يشير هيراقليطس إلى العين فيقول: "العين أقوى مِنَ الأذن"، ووصف أفلاطون العين بأنّها "أعظم الملكات البشريّة"، وتطوّرت تلك النظرة إلى أن باتت ’الأليغوريا‘ الأدبيّة سعيًا حثيثًا إلى مركزيّة قياسيّة بصريّة في عصرنا الحاليّ، حيث سياسات التمثيل أنتجت نصوصًا بصريّة نسعى إليها. والخريطة نموذج بصريّ للعالم، يقدّمه من خلال ’عين الطائر‘ أو ما يسمّيه دو سارتو ’العين الإلهيّة‘.

وكانت المفارقة الأساسيّة في تعامل الثقافات المختلفة مع مفهوم العين، وتحوّل الكيانات من التعابير اللغويّة والسمعيّة إلى البصريّة المباشرة. فكما كان انتقال نصّ سمعيّ مثل القرآن إلى بصريّته مكتوبًا في عصر الخليفة عثمان، عتبة اختلاف وانطلاقة صراعات بين مخيالات مختلفة عمّن يحقّ له امتلاك النصّ مرئيًّا، بينما هو مسموع للجميع.

 يُذْكَر في تاريخ الورق ودخوله إلى الثقافة الإسلاميّة العربيّة، أنّ رحّالة غربيًّا، آرثر أبهام بوب، سأل شيخ البنّائين الأصفهانيّين، وأستاذهم، عن التفصيلات المتعلّقة ببناء عقد من الآجر، فبدا الشيخ الأستاذ مرتبكًا متلعثمًا، فأعطيته ورقة وقلم رصاص، فحمل الشيخ الأستاذ الورقة على طول ذراعه. ثمّ ما لبثت دلائل اليأس التامّ أن ظهرت على وجهه... لم يكن أمّيًّا فحسب، بل كان يجهل أيضًا الكيفيّة الّتي يرسم بها مخطّطًا لشكل ثلاثيّ الأبعاد، على سطح ذي بُعدين اثنين. وأخيرًا، نحّى الشيخ الأستاذ القلم الرصاص جانبًا، ثمّ طوى الورقة بطريقة معقّدة لإنشاء مجسّم للعقد، وبدأ الحديث عنها.

يقول ريتشارد موير: "إنّ للحدود الدوليّة الموافقة لخطوط التقاء أراضي الدول المتجاورة أهمّيّة خاصّة في تقرير حدود السلطة ذات السيادة، وتحديد الحيّز المكانيّ الّذي تحتلّه المناطق التابعة سياسيًّا لكلّ دولة... الحدود... تقع حيث تقطع خطوط الالتقاء الشاقوليّة بين الدول ذات السيادة على سطح الأرض... وبوصفها خطوطًا شاقوليّة، فإنّه ليس لها حدود مدًى أفقيّ". الخطّ هنا هو أداة السيطرة البصريّة الحداثيّة، الّتي تقوم على ثنائيّات حداثيّة بيّنة وحادّة وقويّة، في التعامل مع الظواهر الاجتماعيّة للمكان، الّتي هي متجاوزة بحال من الأحوال للثنائيّات. يخبرنا كريستيان غراتالو أنّ خرائط العالم ليست ثابتة، وأنّ "تمثيل الحضارات في الخرائط (...) هو على الدوام عمل عنيف، وإسقاط على الماضي لتقسيم قائم في الحاضر، ومجموعة من المفارقات".

 

ما الخريطة المضادّة؟

تُفْهَم الخرائط المضادّة على أنّها خرائط تَقْطَعُ مع التقاليد العلميّة المعقلنة للخرائطيّة، من حيث أنّها لطالما ارتبطت عضويًّا بالتاريخ والتجربة الاستعماريّة والإمبرياليّة الغربيّة، إلّا أنّ الخرائط المضادّة تستفيد من المستوى التقنيّ أو الوضعيّة الأساسيّة للعالم في تلك الخرائط الأوّليّة. يكشف هذا النوع من التجاوزات مع الخرائط الجيوسياسيّة الرسميّة عن علاقات الهيمنة على الأراضي واستغلالها، بالإضافة إلى الكشف عن شبكات القوّة المخفيّة. لذا؛ فإنّ أحد أهداف الخرائط المضادّة هو جعل القوى الغامضة والراسخة أكثر وضوحًا من أجل مواجهتها. يمكن استخدام الخرائط المضادّة بطريقة تكتيكيّة على مدار فترة العمل، وبطريقة إستراتيجيّة لتحليل الشبكات والمجالات الجيو-تاريخيّة؛ من أجل إحداث تغيير اجتماعيّ من الأسفل.

مهمّة أخرى هي تفكيك المنطق السياسيّ والاقتصاديّ للآليّات والتسلسلات الهرميّة الاجتماعيّة؛ للكشف عن تناقضاتها. هذا النوع من التجارب يجعل الفنون سياسيّة أيضًا، ليس فقط بسبب مقاربة ’قضيّة سياسيّة‘، ولكن لأنّ تعبيرها الحسّاس والحدسيّ قادر على كشف طبقات العنف والإسكات والصمت والإظهار، الّتي تمرّ من خلال الخرائط.

تُفْهَم الخرائط المضادّة على أنّها خرائط تَقْطَعُ مع التقاليد العلميّة المعقلنة للخرائطيّة، من حيث أنّها لطالما ارتبطت عضويًّا بالتاريخ والتجربة الاستعماريّة والإمبرياليّة الغربيّة...

أثناء رسم الخرائط التاريخيّة الرسميّة، تُسْكَتُ المجتمعات المحلّيّة والسكّان الأصلانيّون، بينما من خلال مقاربات الخرائط المضادّة، تصعد تقنيّات الخرائط، من أسفل إلى أعلى. وفي هذه العمليّة يتوسّط الفنّانون والباحثون في عمليّة مستمرّة ومركّبة، يكون فيها إنشاء فعل الاستماع والاستقراء، وإعادة تنظيم وترتيب البيانات، وكذلك القرارات المتعلّقة بوسائل صنع الخرائط والتفاوض عليها. من خلال رسم الخرائط الجماعيّة، يُعاد اختراع اللغة والأدوات والتقنيّات لرسم الخرائط الّتي كانت تقتصر في السابق على ’المتخصّصين‘. يجري تقاسمها بحرّيّة؛ وبالتالي تُنْقَل إلى استخدامات غير تقليديّة؛ أي جعلها طوبوغرافيّة – اجتماعيّة.

ولأجل هذا الأمر؛ نتوسّم العناصر التالية في بناء براديغم الخريطة المضادّة: (1) المَأْلَفَة، أي بناء الألفة المكانيّة، (2) الأقلمة للدولة (السلطة) – ما الإقليم الدولانيّ في مقابل المجال الاجتماعيّ؟ (3) التَّفْضِيَة، أي الفضاء، (3) الجَسْدَنَة، أي جسد المكان وأجسادنا المادّيّة المباشرة، وهنا نشير إلى مدركات كليهما المادّيّة (البداية والنهاية والامتداد) والحسّيّة (الحواسّ الخمس)، (4) الرمزيّة، أي الاستعاريّة وقدرة المكان على إنتاج رمزيّة مضادّة أو مغايرة، (5) الحدّيّة، أي حدود المكان ومتغيّراته، (6) الجغرافيا السرديّة مقابل الجغرافيا المادّيّة، (7) مجاليّة الحركة، أي أشكال الحركة الّتي يتضمّنها المكان والإقليم والمجال.

ساعد الاقتحام الفنّيّ ذو النزوع النضاليّ المسيَّس، لممارسات رسم الخرائط الرسميّة/ التقليديّة، في العقود الأخيرة، على تحويل رسم الخرائط إلى أداة للنقد والقوّة المضادّة، وذلك من خلال تعضيد العناصر السابقة ودمجها. والنموذج الحاضر بقوّة هو ’الجغرافيا السوداء‘، الّتي، كحركة، باتت قادرة على طرح مقارباتها الإبستيميّة في منابر الأكاديميّة الغربيّة البيضاء، في أمريكا وكندا؛ في محاولة للإعلاء من أصوات السكّان الأصلانيّين، وتعرية التاريخ الاستعماريّ المكانيّ. ومع ذلك، فإنّنا نعيش في عصر محدّد تمامًا تُسَجَّل فيه توقّعاتنا وإيماءاتنا ومساراتنا طوال الوقت، سواء كان ذلك أثناء التنقّل في الشوارع، أو تبادل الرسائل والوثائق عبر الإنترنت، أو عبور الحدود المادّيّة أو الرمزيّة. لماذا، إذن، إنتاج المزيد من الخرائط في عالم مرسوم، تتمركز فيه العين؟

 

خرائط القمع لا المُضطهَدين

ينطلق تساؤلنا أعلاه من موقع مقولة المكان بما هي مجاز أساسيّ لفهم كيفيّة عمل الحداثة الغربيّة، باستدعاء تحليليّ لنظريّات الفيلسوف الفرنسيّ ميشيل فوكو عن مؤسّسة حداثيّة كاللغة والمعرفة. وكذلك، في طبقة تالية، موقع الذوات المستعمَرة (بمعنى الموقَعَة (Positionality) والوقوع/ السقوط، والتقاطعيّة (Intersectionality) أيضًا) في مركز ذلك المخيال الحداثيّ ومكانيّته.

نذهب هنا إلى تأسيس التساؤل الأساسيّ بشأن كيفيّة مراكمة ممارسة تفكيكيّة، تنتج معرفة تحرّريّة على المستوى التاريخيّ والجغرافيّ، لهذه المنطقة من العالم، بالاستناد إلى ممارسات مكانيّة وحيزيّة ومجاليّة وعمرانيّة ومدينيّة مضادّة، باتت تأخذ زخمها من ملامح ضعف بدأت تنتاب السرديّات الكبرى، والدولة الحديثة.

بالانفصال عن تاريخ الخرائط أدواتٍ للهيمنة، يمكن أيضًا تحوير الخرائط، وبالتالي استخدامها مِنْ قِبَل أولئك الواقعين تحت سلطتها؛ لمقاومة أنماط الهيمنة والسيطرة الّتي فُرِضَت من خلالها. يصبح هذا التحوّل ممكنًا بسبب حقيقة أنّ رسم الخرائط - نظامًا لإنشاء الخرائط، وكذلك دراسةَ دورها السياسيّ والاجتماعيّ وانعكاسه – قد مرّ بتغيير جوهريّ في القرن العشرين، إذ كان ولا يزال، على نطاق واسع، مادّة للتفكيك والتحوير، من قِبَل الفنّانين والناشطين، والبحث المتداخل الحقول، المستند إلى المقاربات الفنّيّة والعابرة للحقول.

رسم الخرائط المضادّة ليس كائنًا مرئيًّا يجمع المعلومات، بقدر ما هو فرصة لتجاوز التمثيل ’المناسب‘ للخرائط التقليديّة، واحتكارها التاريخيّ والجغرافيّ معًا، لأجسادنا ومدننا وأحيازنا...

ما نطرحه هو شكل من أشكال الخرائط المضادّة. نرى أنّنا في حاجة إلى صنع الخرائط وإعادة تشكيلها، ليس فقط من أجل مواجهة أشكال الهيمنة والتحكّم، لكن أيضًا حتّى نتمكّن من كشف الآليّات الأساسيّة الّتي تمرّ من خلالنا أفرادًا ومؤسّسات. الأهمّ من ذلك كلّه أنّنا نحتاج إلى إنتاج خرائط مضادّة؛ من أجل إنشاء إجراءات قد تؤثّر في تصوّراتنا للفضاء الاجتماعيّ وناقلاته المختلفة، وأشكال التفاوض والعلاقات فيه؛ لتغيير أنماط نظرتنا إلى العالم، وخلق حوارات واكتشافات جديدة.

إنّ رسم الخرائط المضادّة ليس كائنًا مرئيًّا يجمع المعلومات، بقدر ما هو فرصة لتجاوز التمثيل ’المناسب‘ للخرائط التقليديّة، واحتكارها التاريخيّ والجغرافيّ معًا، لأجسادنا ومدننا وأحيازنا. رسم الخرائط بطريقة مختلفة يعني إعادة تعريف الخرائط بشكل نقديّ. إعادة تعريف رسم الخرائط هذه تعبير عن المعارضة ضدّ السلطة الّتي تنفّذها المجموعات والكيانات والأفراد أصحاب الامتيازات، الّتي تسعى إلى السيطرة على الآخرين. في الوقت نفسه، هي فرصة لإضفاء الطابع الديمقراطيّ على تقنيّات إنشاء الخرائط وممارساته، بما يتجاوز شخصيّة الفنّان أو الناشط أو المتخصّص أو الباحث. وقد يلخّص اقتباس من مقابلة أجريتها مع أعضاء مجموعة مكافحة الخرائط، يلخّص روح هذا الاقتراح، بعبارة أخرى: "معًا لرسم خريطة لأنظمة القمع، وليس للأشخاص المضطهدين!".

 


 

عبد الله البياري

 

 

 

طبيب وأكاديميّ وباحث مستقلّ، مهتمّ بالدراسات المكانيّة والحيّزيّة ودراسات الجغرافيا الثقافيّة. محرّر أكاديميّ زائر في عدّة دوريّات أكاديميّة محكّمة، ويعمل مستشارًا ثقافيًّا لـ «مؤسّسة خالد شومان – دارة الفنون».

 

 

التعليقات