12/01/2017 - 05:14

أسئلة الحبّ والموت: "فتاة البرتقال" لجوستاين غاردر

أمّا موضوعا الحبّ والزمن، فقد كانا محورًا ثالثًا. وقد أثارت رسالة جون إلى ابنه جورج عددًا من الآراء في تعريف الحبّ ومعناه، والحديث عن بداياته ونهاياته. "هل يمكن التخطيط للحبّ؟" كان هذا سؤالًا جوهرًّيا، لا سيّما أنّ الرسالة تأخذنا في رحلة تبدو قائمة على الصدفة، قبل أن نكتشف مع نهايتها أنّها مدبّرة، ما يجعلنا نشكّك في هذا الحبّ من أوّل نظرة كما بدأت القصّة، ليميل بعضنا إلى كونه إعجابًا خُطِّطَ له، وأثار الفضول.

أسئلة الحبّ والموت: "فتاة البرتقال" لجوستاين غاردر

من فيلم Das Orangenmädchen المأخوذ عن الرواية (2009)

تقع رواية 'فتاة البرتقال' للنرويجيّ جوستاين غاردر* بالعربيّة في مئتي صفحة وصفحة، وقد نقلها عن النرويجيّة مدني قصري، ونشرتها 'دار المنى' عام 2003.

تقوم الرواية على رسالة يتلقّاها جورج من والده الطبيب، جون أولاف، بعد عشر سنوات من وفاة الأخير نتيجة مرض عضال، يروي له فيها قصّة حبّه لفتاة البرتقال العجيبة، ويطرح أسئلة عن الحبّ والحياة والموت.

الموت

ناقشت 'مبادرة أسفار' الرواية، مؤخّرًا، في مكتبة بلديّة نابلس، بمشاركة مجموعة من ثلاثين قارئًا، وقد قسمت المناقشة إلى أربعة محاور؛ في المحور الأوّل، تناول الحضور موضوع الموت ومفهومه وتغييبه لمن نحبّ، والمعتقدات الخاصّة بالموتى في كلّ من فلسطين والنرويج، وتحديدًا ما يتركونه لنا، لا سيّما في عصرنا، حيث يسمح الفضاء الرقميّ بالعودة إلى كلّ ما كتبه المتوفّون وتصفّحه من جديد، وإعادة النظر فيه بوصفه نصًّا مقدّسًا قد يحاول متلقّيه إعادة قراءته بعيدًا عن سياقه الأصليّ، ليجيب على أسئلته للغائبين؛ وقد تكتسب الدلالات والكلمات العاديّة والمحادثات في الشؤون اليوميّة بعدًا مختلفًا وجديدًا بعد وفاة أصحابها.

الخلود

أمّا المحور الثاني، فقد تناول موضوع الخلود وسعي الإنسان الدائم له، وهي رغبة عبّر عنها جون (الأب) أكثر من مرّة في رسالته، إذ أراد أن يعرف ما انتهت إليه الأشياء التي بدأت أثناء حياته، و تصوّراته – تصوّرات الإنسان بعامّة – بأنّ العالم لا يمكن أن يستمرّ في الدوران بعد وفاته.

وذهب المتناقشون إلى أنّ سعي الإنسان إلى الخلود يتمثّل، عادة، إمّا بعمل عظيم، وإمّا بالحبّ، كما في الرواية، وإمّا عبر الأعمال الحسنة. وهنا حضرت ملحمة جلجامش نموذجًا لهذا السعي، قبل الديانات السماويّة، فهو سؤال راود الإنسان منذ بدء الخليقة، إذ لا يميل البشريّ إلى تجربة الانقطاع عن العالم طواعية. في حين أن ثمّة من ينظر إلى الموت كوسيلة للخلود، خاتمة لكلّ الأعمال.

الحبّ والزمن

أمّا موضوعا الحبّ والزمن، فقد كانا محورًا ثالثًا. وقد أثارت رسالة جون إلى ابنه جورج عددًا من الآراء في تعريف الحبّ ومعناه، والحديث عن بداياته ونهاياته. 'هل يمكن التخطيط للحبّ؟' كان هذا سؤالًا جوهرًّيا، لا سيّما أنّ الرسالة تأخذنا في رحلة تبدو قائمة على الصدفة، قبل أن نكتشف مع نهايتها أنّها مدبّرة، ما يجعلنا نشكّك في هذا الحبّ من أوّل نظرة كما بدأت القصّة، ليميل بعضنا إلى كونه إعجابًا خُطِّطَ له، وأثار الفضول. في حين رأى فريق أنّ تعريف الحبّ أمر مستحيل، وبالتالي، فالحديث عن بداياته ونهاياته مجرّد حديث. ربّما يكون الحبّ كما كيوبيد، ابن الآلهة فينوس في الميثولوجيا الرومانيّة، الطفل ذو الجناحين الذي يحلّق عاليًا و يرسل أسهمه ليقع الجميع في الحبّ، وحين يرغب بالراحة يصيب نفسه بسهمه فلا يلتفت إلى أحد!

أمّا الزمن، فقد مال كثيرون إلى تعريفه فيزيائيًّا، لا ذاتيًّا، وأثار أحد الحضور سؤالًا حول نجاح الكاتب في الجمع بين ثلاثة مستويات زمنيّة؛ مستوى الماضي وقصّة فتاة البرتقال، ومستوى طفولة جورج، والحاضر، وهل ثمّة إمكانيّة للتمييز بين المستويات الثلاثة، هل كان يمكن للقارئ أن يميّز جورج عن والده؟ وقد وجد أغلب الحضور أنّ هذه الإمكانيّة عسيرة لولا التغيير في نمط الخطّ الخاصّ بكلّ منهما، لكن ليس في مستوى اللغة أو طبيعتها، أو حتّى في النقاشات الفلسفيّة في الرواية.

لو كنت تعرف...

 أخيرًا، تناولت المناقشة سؤال الأب لجورج: لو كنت تعرف ما أنت مقبل عليه، هل ستختار أن تعيش حياتك؟ وهنا أحجم البعض عن الإجابة، في حين كانت إجابة آخرين بالإيجاب.

أثار المشاركون، نهاية المناقشة، عددًا من الملاحظات، منها أنّ الرواية تصلح لليافعين، وأنّها مقدّمة لأسئلة منطقيّة حول الحياة والموت، لافتين إلى تكرار الحديث فيها عن النجوم والكون وتلسكوب هابل، كما تطرح مسألة الذاكرة وما يمكن أن ندّعي أنّه حيّ فيها، ودور هذه الذاكرة في إعادة تشكيل الحدث كلّ مرّة يُتَذَكَّرُ فيها.

 

* جوستاين غاردر (1952): كاتب نرويجيّ، وأستاذ في الفلسفة وتاريخ الفكر. صاحب رواية 'عالم صوفي' (1991) حول تاريخ الفلسفة، التي اشتُهِرَت في أنحاء العالم، وقد تُرجمت إلى 50 لغة وبيع منها أكثر من 30 مليون نسخة. اشتُهِرَ في النرويج برواية 'سرّ  الصبر' (1999)، وهي رواية تأمّليّة فلسفيّة.

 

 

أسفار: مبادرة شبابيّة فلسطينيّة مستقلّة أُنْشِئت عام 2014 بمدينة نابلس. اهتمّت أسفار، بداية، بعقد نشاطات ثقافيّةٍ شهريّة، كمناقشة الكتب والروايات، إضافة إلى استضافة كتّاب لمناقشة أعمالهم. وفي المرحلة الثانية، بدأت أسفار بإدخال مجالي السّينما والأعمال التطوّعيّة إلى دائرة أنشطتها. تهدف أسفار إلى أن تكون جسر تعارف بين المهتمّين بشؤون الثّقافة في نابلس بخاصّة، وفي فلسطين بعامّة، عن طريق نشر الفكرة في محافظات الوطن؛ كما أنّها تطمح إلى أداء دورٍ مؤثّر في نشر ثقافة القراءة وخدمة المجتمع عبر الأعمال التطوّعيّة.

التعليقات