حصري: مدير مشفى القدس يروي ليلة قصف حلب

د. حمزة الخطيب: أغلب كادرنا يعمل تحت القصف منذ عام 2012. لكننا لم نشهد أمراً مماثلاً من قبل. حتى الحشوات المعدنية التي دكت بها البراميل التي ألقيت على المشفى لم نشهد مثل حجمها قبل اليوم

حصري: مدير مشفى القدس يروي ليلة قصف حلب

غادر الدكتور حمزة الخطيب مشفى القدس، صباح يوم الاربعاء 27 نيسان، بعد أن يئس من إقناع الدكتور وسيم معاذ 'آخر طبيب أطفال في حلب' بمرافقته إلى مدينة الريحانية التركية. كان القصف شديداً على حلب، وعدد الجرحى الواصلين إلى المشفى المدعوم من منظمة أطباء بلا حدود، يزداد بشكل مطّرد. وفي مساء اليوم نفسه، اتصل أحد العاملين في المشفى بالخطيب، الذي كان قد وصل الريحانية. كان الشاب يصرخ عبر الهاتف مخاطباً مدير المشفى: 'شهداء وجرحى في كل مكان. لقد قُصف المشفى، قصفنا النظام'. نجا الخطيب في تلك الليلة لأنه كان يرافق والده الذي كان يحتاج لعملية جراحية عاجلة، تم نقله بسببها إلى تركيا.

منذ أن قصف النظام السوري قبل ثلاث سنوات مشفى 'دار الشفاء' عام 2012، توقع الدكتور الخطيب مدير مشفى القدس، قصفاً مماثلاً لأي مركز طبي في حلب. وقال لـ'عرب 48' إن 'جميع غرف العمليات في جميع المشافي باتت تحت الأرض لتجنب القصف. نعم كنا نتوقع ذلك في أي لحظة. حتى المرضى الذين كانوا يحتاجون للإقامة في المشفى لليلة واحدة أو بضع ليالي، كانوا يرفضون ذلك خوفاً من تعرضنا للقصف. كنت أرجو بعض المرضى أحياناً أن يبيتوا لليلة واحدة تحت المراقبة الطبية، لكنهم كانوا يرفضون ذلك'.

ووصف الخطيب تلك الليلة قائلا إنه 'عند الساعة التاسعة وعشرين دقيقة سقط الصاروخ الأول على بعد 100 متر فقط من مدخل الإسعاف. هرع العاملون والممرضون لفتح أبواب الإسعاف ونقل الجرحى. احتشد الجميع في قسم الإسعاف. ومرت عشر دقائق، حين قُصف المشفى بشكل مباشر ببرميلين متفجرين، الأول على قسم الإسعاف والثاني خلف المشفى تماماً'.

إلى حلب

صباح الخميس، توجه الدكتور الخطيب إلى حلب مجدداً، وعاد مباشرة إلى ما تبقى من مبنى مشفى القدس. 'كل شيء مدمر، قسم الإسعاف والمختبر والحواضن كلها مدمرة. خرج المشفى من الخدمة تماماً. فقدنا ثلاثة أطباء وأكثر من عشرة ممرضين وعددا من المرضى وسقط جرحى جراء القصف على مناطق أخرى كانوا يتلقون العلاج ساعة القصف'.

وأكد الدكتور الخطيب أن القوة التدميرية للقذائف على مشفى القدس غير مسبوقة. 'أغلب كادرنا يعمل تحت القصف منذ عام 2012. لكننا لم نشهد أمراً مماثلاً من قبل. حتى الحشوات المعدنية التي دكت بها البراميل التي ألقيت على المشفى لم نشهد مثل حجمها قبل اليوم. دُمر كل شيء، نحن نجمع اليوم تلك الشظايا لنوثق ما حدث'.

من بين الاستعدادت لعملية قصف أخرى يتعرض لها المشفى في أي لحظة، أن ثبّت القائمون على مشفى القدس عدة كاميرات مراقبة داخل البناء وخارجه. وقال الخطيب إنه 'وحدها كاميرات المراقبة كانت لا تزال في مكانها، بالتالي استطعنا مشاهدة لحظة القصف وكيف انهارت أجزاء من البناء. أردنا من خلال الكاميرات أن نوثق تلك اللحظة'.

ارتفع عدد الشهداء الذين قضوا في القصف مجددا. فرق الدفاع المدني تمكنت من انتشال جثة جديدة من تحت الردم يوم السبت. وأخرج طفل حي من بين الأنقاض صباح الخميس. وأكد الخطيب أن أكثر من خمسين شهيداً هو عدد من قضوا في قصف مشفى القدس.

خلال عشرة أيام من القصف المتواصل على حلب، لم يعد المشفى يستقبل المرضى بأمراض التي من الممكن وصفها بالتقليدية. يستقبل الجرحى فقط، وبعض المصابين بالأمراض المزمنة. الناس في حلب توقفوا عن الحركة منذ الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساء، وهو موعد القصف اليومي.

وقال الدكتور الخطيب 'خرج مشفى شوقي هلال من الخدمة نتيجة استهدافه بالبراميل وخرج مشفى القدس عن الخدمة كذلك، عدد الأطباء قليل جداً في حلب اليوم، والعبء كبير على بقية المشافي المتواجدة في المدينة'.

اليوم تحتاج حلب لمواد تخدير ومستهلكات طبية أخرى 'نحتاج للكثير من الشاش المعقم والمعقمات، نحن نستهلكها بكثرة اليوم في حلب، نتمنى أن تصلنا هذه المواد سريعاً'.

معاذ شهيداَ

عرف العالم أن المشفى قصف، وأن الطبيب وسيم معاذ آخر أطباء الأطفال في حلب قد قضى في المشفى تلك الليلة. يذكره الخطيب قائلا إنه 'كان من أكثر الأطباء نشاطاً في حلب. يعمل في مشفى القدس بعد الظهر، وصباحاً في مشفى الحكيم. كان يعاين أكثر من 200 مريض يومياً. قبل استشهاده بقي في حلب بشكل متواصل لثلاثة أشهر دون أي إجازة. كنت أحاول اقناعه صباح القصف بمرافقتي إلى الريحانية لكنه رفض'.

بحسب الدكتور الخطيب، فقد قال الدكتور معاذ بعد أن رفض المغادرة إنه 'لست مرتاحا. أشعر أن عليّ أن أبقى هنا في حلب. الناس تحتاجني'.

شُلت حلب بشكل كامل. توقف الدوام الدراسي منذ أيام، وتم إلغاء صلاة الجمعة للمرة الأولى في تاريخ المدينة يوم '29 نيسان'. لا أسواق فيها اليوم ولا خدمات طبية، وأغلب سكانها ممن لا يملكون قدرة مادية على مغادرتها حتى باتجاه بعض مناطق ريفها التي قد تكون أكثر أمناً.

في نهاية عام 2012، عاد اسم القدس من جديد، إلى واجهة مشفى السكري، بعد أن سيطرت المعارضة السورية على القسم الشرقي من حلب. وبدعم من منظمة أطباء بلا حدود، تمكن المشفى من تقديم خدماته الصحية لآلاف من سكان المدينة التي عانت طول سنوات من القصف الأعنف عليها من قبل النظام السوري.

اقرأ/ي أيضًا | سورية: اتفاق أميركي-روسي على أن تشمل الهدنة حلب

التعليقات