ليبيا: معركة سرت تحسم الشرعيّة والدعم الدولي

رصد خبراء ومراقبون سياسيون من ليبيا وخارجها مجموعة من التحديات، التي تمنع حكومة الوفاق من تفعيل دورها في إدارة شؤون البلاد، من أبرزها تمرد الجنرال خليفة حفتر على هذه الحكومة، والتدخلات الخارجية التي تشجع الأخير على الاستمرار في تمرده.

ليبيا: معركة سرت تحسم الشرعيّة والدعم الدولي

(أ.ف.ب)

رصد خبراء ومراقبون سياسيون من ليبيا وخارجها مجموعة من التحديات، التي تمنع حكومة الوفاق من تفعيل دورها في إدارة شؤون البلاد، من أبرزها تمرد الجنرال خليفة حفتر على هذه الحكومة، والتدخلات الخارجية التي تشجع الأخير على الاستمرار في تمرده.

وفي أحاديث منفصلة مع وكالة الأناضول للأنباء، طرح هؤلاء الخبراء والمراقبون مخاوف تنتظر ليبيا، في ظل استمرار الانسداد في الوضع السياسي الراهن، ويأتي من بينها احتمالات 'إعلان انفصال المنطقة الشرقية' عن البلاد، أو إعلان حفتر ومجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق، شرقًا، 'مجلس إنقاذ عسكري' لقيادة البلاد.

واتفق عدد منهم على أن المعركة المنتظرة في مدينة سرت، غربي البلاد، لطرد تنظيم داعش منها، والتي بادرت عدّة أطراف، منها القوات التابعة لحفتر، إلى المشاركة فيها، ستكون حاسمة للصراع في ليبيا؛ حيث سينجم عنها تحديد الطرف المنتصر والمؤهل لقيادة البلد.

وخلال المرحلة الانتقالية التي تلت إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي في ليبيا عام 2011، حدث انقسام سياسي في هذا البلد، تمثّل في وجود حكومتين وبرلمانيين وجيشين، يعملون في البلاد في آن واحد؛ إذ كانت تعمل في طرابلس (غربًا) حكومة 'الإنقاذ الوطني' و'المؤتمر الوطني العام' (بمثابة برلمان) ولهما جيش انبثق عنهما، بينما كان يعمل في الشرق 'الحكومة المؤقتة' في مدينة البيضاء و'مجلس النواب' في مدينة طبرق، ولهما جيش آخر انبثق عنهما.

قبل أن تتفق أطراف متصارعة في ليبيا، في 17 ديسمبر/ كانون أول 2015، وعبر حوار انعقد برعاية أممية في مدينة الصخيرات المغربية، على توحيد السلطة التنفيذية في حكومة واحدة هي 'الوفاق الوطني'، والتشريعية في برلمان واحد، إضافة إلى توحيد الجيش، وإنشاء 'مجلس أعلى للدولة' يتشكل من أعضاء 'المؤتمر الوطني العام' في طرابلس، وتتمثل مهامه في إبداء الرأي لـ'حكومة الوفاق' في مشروعات القوانين والقرارات قبل إحالتها إلى مجلس النواب.

لكن حكومة الوفاق لم تتمكن على مدى عدة أشهر من الانتقال من تونس إلى طرابلس؛ بسبب استمرار الخلافات السياسية بين طرفي الصراع في ليبيا، والتي حالت دون حصولها على ثقة مجلس النواب، قبل أن تبادر هذه الحكومة بالتوجه إلى طرابلس، أواخر شهر مارس/ آذار الماضي، من أجل البدء في ممارسة مهامها دون الحصول على موافقة هذا المجلس.

>> 'تمرد حفتر ومجلس النواب'

وعن التحديات التي تقف في طريق حكومة الوفاق، والتي لم تتمكن، حتى الساعة، من الإمساك بمفاصل السلطة في البلاد، تحدث الباحث الليبي في الشؤون السياسية، محمد حسين بعيو، عن 'تمرد' مجلس النواب في طبرق على حكومة الوفاق، متوقعًا أن يصر المجلس على عدم 'منح هذ الحكومة الثقة للمضي قُدمًا باتجاه استنساخ تجربة وصول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى السلطة في مصر'.

وقال بعيو إنّ مجلس النواب 'منحاز' بشكلٍ كامل إلى 'فكرة إعلان مجلس إنقاد عسكري (في ليبيا)؛ نظرًا لخضوعه الكامل لسيطرة حفتر'، حسب رأيه.

بعيو، الذي سبق له العمل مستشارًا سياسيًا لعمر الحاسي، الرئيس السابق لحكومة 'الإنقاذ' في طرابلس، حذر من 'خطورة' سياسات 'مجلس النواب' الرامية إلى 'استنساخ تجربة السيسي؛ والتي ستؤدي، حتمًا، إلى انفصال المنطقة الشرقية؛ إذا فشلت محاولاته في السيطرة على مدينة سرت، التي باتت المركز الأهم لحسم الصراع في البلد'.

لكن الباحث السياسي الليبي، ياسين حسين خطاب، استبعد في حديثه 'إمكانية الإعلان عن مجلس إنقاد عسكري في الوقت الراهن بليبيا، على غرار إعلان عبد الفتاح السيسي مجلسه العسكري، الذي عزل الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي'.

وفي 3 يوليو/تموز 2013، أطاح قادة الجيش المصري بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في مصر، بعد عام واحد من وصوله إلى السلطة، وبينما اعتبر أنصار الأخير هذه الخطوة 'انقلابًا عسكريًا' عليه، عدّها معارضوه استجابه لـ'احتجاجات شعبية' و'إنقاذًا' للبلاد من مخاطر الانقسام السياسي.

وكان السيسي وزيرًا للدفاع في عهد مرسي، وهو من تولى قراءة بيان الإطاحة به.

>> التدخل الخارجي والنزعة الانفصالية

'الدعم الخارجي' لحفتر ومجلس النواب، عدّه بعيو، أحد التحديات التي تواجه 'حكومة الوفاق'.

وقال إن 'التقارب الواضح' بين كلّ من روسيا وفرنسا من جهة، وبين مجلس النواب واللواء حفتر من جهةٍ ثانية؛ 'أغرى' الأخير بـ'التمرد على منظومة اتفاق الصخيرات ومساعي المبعوث الأممي إلى ليبيا'، مارتن كوبلر، الرامية إلى تثبيت أقدام حكومة الوفاق المنبثقة عن هذا الاتقاق.

ولمْ يستبعدْ بعيو اعتراف العالم 'في لحظةٍ ما بمجلس النواب وسلطته المستقلة على المنطقة الشرقية من ليبيا'؛ إذا 'استمر تمرده على حكومة الوفاق، وتمكّن من فرض سيطرته على مدينة بنغازي، شرقًا، واتخاذها عاصمةً له؛ أو السيطرة على كامل مراكز الثروة النفطية في المجال الصحراوي إلى الجنوب من مدينة سرت، وما يتعلق بها من خطوط إمداد ومصافي وغيرها إلى الشمال منها'.

واعتبر أن الأزمة السياسية في ليبيا ستتواصل 'طالما استمرت حالة عدم التوافق بين الفرقاء السياسيين، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي، الذي غيّب أهم عوامل حل الأزمة من خلال حوار ليبي - ليبي فقط'.

وكان مجلس النواب أخفق خلال الفترة الماضية لنحو 10 مرات في عقد جلسة لمنح الثقة من عدمه لحكومة الوفاق؛ بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني لأعضائه اللازم لصحة الجلسة قانونًا، واستمرار الخلافات السياسية بين أعضاءه حول الحكومة.

'إخفاق'، قال الباحث السياسي الليبي، ياسين حسين خطاب، الذي أكمل بالقول إن 'النزعة الانفصالية والولاء المناطقي تغذيه'.

وأضاف خطاب أن 'القوة والنفوذ اليوم لمن يملك السلاح'، ومع 'غياب مؤسسات الدولة'، حسب قوله، بات السلاح 'بيد دعاة الانفصال والفيدراليات والقوى الأخرى، التي لا تؤمن بالحل عبر الحوار'.

في حين اعتبر الباحث السياسي الليبي، عمر عبد العزيز، من جانبه، أنّ التحديات التي تواجهها حكومة الوفاق 'لا تقتصر فقط على منحها الثقة أو اعتراض الحكومة المؤقتة، برئاسة عبد الله الثني، إنما تمتد، أيضًا، إلى كيفية استعادة المنطقة الشرقية لسلطة الدولة، وتلافي الانقسامات بين الحكومات الثلاث التي تحكم ليبيا حاليا'، (حكومتا الوفاق، والإنقاذ في طرابس، والمؤقتة في البيضاء، شرقًا).

لكنه رأى 'صعوبة' في تمكن حكومة الوفاق من إحكام سيطرتها على المنطقة الشرقية من البلاد؛ نظرًا إلى اعتماد هذه الحكومة على 'عامل قوة وحيد تستند إليه، ويتمثل في الدعم والتأييد الخارجي لها'.

واعتبر أنّ 'جسامة الأزمة السياسية في ليبيا وتشعبها، تتعدى حدود ما يمتلكه فائز السراج (رئيس حكومة الوفاق) من خبرة سياسية متواضعة'، حسب تقديره.

وانتقد 'موقف السراج غير المحدد حتى الآن من اللواء خليفة حفتر'، لافتًا إلى أن ذلك الموقف جعل الفريق السياسي المحيط برئيس الحكومة ’يتردد في الالتفاف حوله’'.

>> مجيء 'حكومة الوفاق'... عقّد الأزمة

أما الباحث الجزائري المهتم بالشأن الليبي، رضا بوذراع، فقد اعتبر أنّ 'مجيء حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج قد عقّد في حد ذاته الأزمة بشكلٍ كبير في ليبيا؛ حيث أضافت إلى المشهد السياسي جسدًا ثالثًا له سلطةٍ تشريعيةٍ وأخرى تنفيذية، ويسعى لبناء قوّة عسكرية جديدة؛ كلّ ذلك ينضاف إلى ما هو موجود أصلًا من حكومتين بسلطتين تشريعية وتنفيذية، وقواتٍ عسكرية متنازعة خاصة بكل حكومة'.

وأكمل بالقول إنّ 'الثورة المسلحة' في ليبيا كما وصفها، 'أطاحت بحسابات قوى محلية ودولية كانت تراهن على دعم اللواء خليفة حفتر، لحسم الأزمة السياسية بوسائل عسكرية، لضمان مصالحها الخاصة بها'.

وفي هذا السياق، حذر الباحث الجزائري من أن دعم دول مثل فرنسا ومصر والإمارات، حسب زعمه، لموقف حكومة الثني ومجلس النواب من رفض منح الثقة لحكومة الوفاق 'من شأنه أنْ يهدد بانزلاق ليبيا إلى حربٍ أهلية طويلة المدى'.

واعتبر أن اندلاع 'حرب أهلية' في ليبيا 'أمر ممكن الحدوث؛ إذا فشل المبعوث الأممي، مارتن كوبلر في احتواء الموقف'.

وانتقد بوذراع الدور الذي لعبه كوبلر في 'تصعيد حدّة الخلافات والانقسامات'؛ حين 'انقلب على الخيار الليبي الذي أجمع على أن الحل يجب أنْ يكون عبر الحوار الليبي الليبي، الذي نجح في التوصل إلى اتفاق تونس، قبل أنْ تجهضه مسوّدة المبعوث الأممي السابق، برناردينو ليون، في اتفاق الصخيرات، الذي يعتمده المبعوث الحالي مرجعيةً وإطارٍ سياسي لحل الأزمة'.

وكانت قوى ممثلة لمجلس النواب في طبرق والمؤتمر الوطني العام في طرابلس وقعت في تونس، في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2015، على 'إعلان مبادئ اتفاق وطني لحل الأزمة الليبية' من أجل التوصل إلى اتفاق 'ليبي ليبي' لإنهاء الأزمة، بعيدًا عن أي تدخل خارجي.

ونص الإعلان على العودة والاحتكام إلى الشرعية الدستورية والمتمثلة في الدستور الليبي السابق لتهيئة المناخ العام في البلاد لإجراء انتخابات تشريعية ولمدة أقصاها سنتين.

قبل أن يتم 'تجاهل' هذا الاتفاق، حسب منتقدين، وتقوم قوى ليبية أخرى بعد عدة أيام (في 17 ديسمبر/ كانون أول 2015) بتوقيع اتفاق في الصخيرات برعاية أممية.

>> سرت... ورقة أخيرة حاسمة

'ورقة سرت' اعتبرها الخبراء والمراقبون 'حاسمة' للصراع السياسي في ليبيا؛ حيث سينجم عنها تحديد الطرف المنتصر، والمؤهل لقيادة البلد.

إذ رأى خطاب أن 'خليفة حفتر سيتوج بطلًا شعبيًا إذا استطاع السيطرة على سرت والقضاء على تنظيم داعش، بما يؤهله للانطلاق نحو السيطرة على كامل ليبيا'.

لكنه استبعد انتصار حفتر في معركة سرت، وعدّه أمرًا 'بعيد المنال'؛ حيث 'فشل الأخير، حتى الآن، في السيطرة على مدينة بنغازي، رغم دعم المخابرات المصرية والأردنية، والدعم العسكري والمالي اللامحدود التي تقدمه دولة الإمارات'، على حد زعمه.

واتفق عبد العزيز في أنّ الورقة الأخيرة بيد الجميع 'هي سرت التي ستكون ساحةً لحسم الصراع، وتحديد الطرف المنتصر المؤهل لقيادة البلد'.

وأضافَ أنّ خسارة حفتر لمعركة سرت سيعني 'في نهاية المطاف، التجحفل على حدود المنطقة الشرقية، وإبقائها خارج سلطة حكومة الوفاق الليبية المنتظر اكتسابها الشرعية وفق الآليات الدستورية'.

وكان تنظيم داعش قد ظهر في ليبيا العام الماضي، ويعتبر مراقبون أن مقطع الفيديو الذي بثه التنظيم لعملية إعدام 21 مسيحيًا مصريًا بمدينة سرت، في 13 فبراير/ شباط من العام ذاته، كان بمثابة إعلان رسمي من التنظيم عن ظهوره في هذا البلد العربي، رغم وجود عمليات نوعية منسوبة له قبل هذه العملية.

ويسيطر التنظيم على سرت، منذ مايو/ أيار من العام الماضي؛ بعد انسحاب الكتيبة 166، التابعة لقوات 'فجر ليبيا'، والتي كانت مكلفة من قبل 'المؤتمر الوطني العام' بتأمين المدينة.

ورغم مرور أكثر من عام على ظهور داعش، لم تتخذ القوات الليبية سواء تلك التابعة لـ'مجلس النواب'، أو التابعة لـ'المؤتمر الوطني'، خطوات جادة على الأرض لقتال التنظيم، قبل أن يتبدل الحال خلال الأسابيع الأخيرة؛ حيث وجه المجلس والمؤتمر قوات باتجاه المدينة في مسعى لإنهاء سيطرة التنظيم عليها.

اقرأ/ي أيضًا| ليبيا: تنظيم داعش يسيطر على منطقة إستراتيجية غربي البلاد

وفي أحاديث سابقة مع الأناضول، رأى مراقبون وخبراء أن تدافع قوات الشرق والغرب الليبي نحو الإعلان عن قتال داعش، هو تسابق بينهما لكسب الدعم اللوجيستي الغربي.

التعليقات