ماذا يتضمن مقترح واشنطن للبنان بشأن "المرحلة الجديدة".. وما رد حزب الله؟

يُفترض أن يقدم لبنان ردا متكاملا على هذه البنود، على أن يكون ردا موحدا، بالتنسيق بين الرؤساء الثلاثة، كما مع حزب الله باعتباره الطرف المعني بهذا الأمر.

ماذا يتضمن مقترح واشنطن للبنان بشأن

(Gettyimages)

تعمل السلطات اللبنانية على صياغة رد لبنود المقترح التي طرحها المبعوث الأميركي، توم باراك، خلال زيارته إلى بيروت في 19 حزيران/ يونيو الماضي، حيث أبلغ المسؤولين اللبنانيين حينها أنه ينتظر الحصول على رد في غضون أسبوعين، فيما من المقرر أن يعود إلى لبنان يوم الإثنين المقبل للقاء الرؤساء والاستماع إلى "الرد النهائي".

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وخاطب باراك المسؤولين اللبنانيين عند وصوله إلى بيروت بينما كانت تدور الحرب الإسرائيلية على إيران، أنه "تعاطوا بأن هذه الحرب ستنتهي عاجلا أم آجلا ولا تتأثروا بها أو تستدرجوا إليها، ولا يجب على لبنان أن يدفع الثمن"، معتبرا أن "المنطقة تتجه إلى مرحلة جديدة، وعلى لبنان قراءة طلائعها والتماشي معها، وعليه الاختيار وتحديد موقفه".

"المرحلة الجديدة"

وأورد موقع جريدة "المدن" اللبنانية، أن ما قصده بالمرحلة الجديدة لا صفة "علمية" لتسميته حتى الآن، إذ أن الكثير يختصرون ما يجري بأنه نهاية عصر "المقاومة" في المنطقة، وآخرون يصفون بأنه "الدخول في عصر التطبيع"، لكن الأكيد أن ما تريده واشنطن هو الانتقال إلى مرحلة جديدة، تسقط معها كل المفاهيم السابقة، فالحرب هي على كل المنطلقات التي تتعايش المنطقة معها منذ النكبة الفلسطينية في العام 1948، وتعززت بعد حرب العام 1967 وتعمقت وتجذرت أكثر في لبنان بعد اجتياح العام 1982.

المبعوث الأميركي، توم باراك (Gettyimages)

وأفاد، بأنها مرحلة تسميها واشنطن مرحلة السلام وإنهاء الصراعات، ومما اعتبره باراك أن سورية تسير بخطى سريعة نحو هذا التطور، وهو ما لا ينفصل عن التسريبات الكثيرة حول المفاوضات السورية – الإسرائيلية، وإمكانية الوصول إلى اتفاق بغض النظر عن تفاصيل هذا الاتفاق، وإذا ما كان سيسمى باتفاق سلام أم سيكون له اسم آخر طالما استمرت عقدة "الجولان".

وفي ما يتعلق بالجواب اللبناني، دارت اتصالات واجتماعات في الأيام القليلة الماضية، وتحديدا بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وقد ظن اللبنانيون أن الحرب ستكون طويلة ولا أحد سيكون متفرغا لهم، ولا بد من انتظار تداعياتها والميل حيث تميل الرياح، إلا أن الحرب توقفت وعاد لبنان إلى الانهماك بتقديم الرد، لا سيما أن الضغوط تزايدت من جهة الأميركيين والإسرائيليين، الذين اعتبروا أنه يجب الإسراع في سحب سلاح حزب الله.

وفي المقابل، اعتبر حزب الله أن إيران لم تهزم في الحرب طالما أن إسرائيل لم تنجح في إسقاط النظام، ولم تتمكن من اغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي، وبرزت وحدة داخلية إيرانية، واستطاعت طهران مواصلة إطلاق الصواريخ وإلحاق خسائر كبيرة في إسرائيل. التقط الحزب أنفاسه بالنتيجة واعتبر أنه بإمكانه الصبر والصمود أكثر.

الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في جلسة سابقة (Gettyimages)

وبحسب ما ورد في "المدن"، فإن الضغوط العسكرية تفعلت من خلال ضربة النبطية والتي هددت إسرائيل بتكرارها في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت في حال لم يقدم لبنان الرد والآلية التنفيذية لسحب السلاح. أما حزب الله فكان يعتبر أنه بإمكانه تحمل الضربات في الجنوب بانتظار اتضاح رؤية المنطقة وخصوصا في حال استئناف المفاوضات الإيرانية الأميركية. وفي كل الأحوال مر الوقت سريعا وتسارع التحرك اللبناني من أجل إنضاج الرد.

وفي أعقاب ذلك، توالت الاجتماعات من قبل اللجنة الرئاسية التي شُكلت للتوصل إلى صيغة رد موحد يتم تسليمه، وهو ما يفترض أن يتم تنسيقه مع حزب الله أيضا، وخصوصا أن الحزب كان قد اطلع على ورقة باراك لكن حتى يوم الإثنين لم يكن قد اطلع على الجواب اللبناني، ومن المنتظر اطلاعه عليه باعتباره المعني الأول بذلك، وقد انقسم الجو حول حزب الله بين إبراز بعض الليونة والتفاوض، وبين تشدد رافض لأي نقاش في مسألة المهل الزمنية وفرض الشروط.

ماذا تتضمن ورقة مقترح واشنطن؟

البند الأول: يتعلق بسحب سلاح حزب الله خلال ستة أشهر، أو في حلول نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. بالإضافة إلى سحب سلاح كل الفصائل المسلحة اللبنانية أو غير اللبنانية، على أن يقدم لبنان آلية تنفيذية تفصيلية حول خطة سحب السلاح. وهنا لا يمكن فصل جولة قائد الجيش رودولف هيكل على الرؤساء الثلاثة الأسبوع الماضي، وبحثه معهم في ما أنجزه الجيش حتى الآن، وفي ما يمكن إنجازه لاحقا. ومن ضمن ما تقترحه ورقة باراك، هو اعتماد مبدأ الخطوة مقابل خطوة، أي أن يبدأ سحب السلاح من شمال نهر الليطاني لتبدأ أميركا بالضغط على إسرائيل للانسحاب من النقاط التي تحتلها.

يُذكر أنه عندما طالب لبنان واشنطن بضرورة الضغط على إسرائيل كي تبدأ بالانسحاب لتسهيل عملية سحب السلاح من شمال نهر الليطاني، أجاب باراك بأنه يجب أن تكون الآلية معكوسة، وأن يبدأ سحب السلاح للضغط على تل أبيب كي تنسحب. أما في الجواب اللبناني، فتشير مصادر لبنانية إلى أن بيروت ستتمسك بمبدأ الخطوات المتزامنة للانسحاب الإسرائيلي في مقابل تسلّم مواقع في شمال الليطاني، على أن تستمر الخطوات المتبادلة بما يتعلق بإطلاق سراح الأسرى، ووقف الخروقات والاعتداءات، وصولا إلى توفير الدعم المالي لإعادة الإعمار، عندما يكون قد تم الانتهاء من سحب السلاح كليا، والدخول في مسار ترسيم الحدود البحرية والبرية، وإنهاء أي صراع بين لبنان وإسرائيل.

البند الثاني: يتعلق بالإصلاحات المالية والاقتصادية والجمركية، والتي تتصل بضرورة محاربة اقتصاد الكاش، الذي تعتبر واشنطن أن حزب الله يستفيد منه، وبالعمل على إقفال كل المؤسسات المالية التابعة للحزب، وخصوصا "القرض الحسن"، بالإضافة إلى تشديد إجراءات المراقبة المالية ومنع تهريب وإدخال الأموال، وتحسين الجباية الجمركية ومنع التهرب الجمركي، وفرض مراقبة شديدة على كل المعابر والمرافق العامة.

البند الثالث: وهو الذي أخذ حيزا كبيرا من الورقة ومن النقاش أيضا، يتعلق بإصلاح وتحسين العلاقة مع سورية وتطويرها، لا سيما على المستوى السياسي بين البلدين، وثانيا أن يسير لبنان على خطى دمشق، بالإضافة إلى التنسيق في ضبط الحدود ومنع التهريب، وصولا إلى ترسيم الحدود البرية والبحرية أيضا مع سورية ومع قبرص.

والأهم في نقطة ترسيم الحدود هو حسم مسألة مزارع شبعا، والتي يعتبر الأميركيون والإسرائيليون أنها سورية، وأنه لا بد للبنان من الإقرار بذلك، والتخلي عنها، كي لا تبقى ورقة يتم استخدامها في سبيل المقاومة. كما أن هذا البند يتضمن تشديدا على ضرورة تعزيز العلاقات التجارية مع سورية.

ويُفترض أن يقدم لبنان ردا متكاملا على هذه البنود، على أن يكون ردا موحدا، بالتنسيق بين الرؤساء الثلاثة، كما مع حزب الله باعتباره الطرف المعني بهذا الأمر. وبعدها يفترض أن يتم إدراج القرار على طاولة مجلس الوزراء وإقراره بشكل رسمي وعلني، مع ما يتضمنه من آلية تنفيذية وجدول زمني لسحب السلاح.

رد حزب الله وشروطه

في الوقت الذي تدرس السلطات اللبنانية صيغة للرد على هذا المقترح، فإن الأجواء لدى حزب الله ترفض مقاربة الموضوع بهذه الطريقة، كما أن الحزب يرفض إلزامه بأي مدة زمنية لسحب السلاح، ويعتبر أن الطريقة التي يتم التعاطي فيها مع لبنان، تبدو وكأنها فرض وصاية، وخصوصا أن حزب الله ينظر إلى ما يجري بوصفه تهديدا وجوديا له من قبل إسرائيل من جهة، وسورية من جهة أخرى.

ونقل موقع "المدن" عن مصادر مطلعة، قولها إن حزب الله وعلى الرغم من عدم الإدلاء بأي موقف رسمي حتى الآن من الورقة الأميركية، إلا أنه اطلع على المقترح الأميركي ويعمل على إعداد مقترح مضاد. كما أنه ينتظر معرفة الجواب الرسمي للبنان وإبداء ملاحظاته عليه.

ووصفت مصادر مطلعة ومقربة من حزب الله، أن ما يجري "طبخة بحص"، ولا يمكن لها أن تنضج، كما لا يمكن لحزب الله أن يوافق على ما هو مطروح، وتفيد بأن حزب الله يعمل على تقديم بنود بديلة أو مضادة تبدأ بالتدرج، بأنه التزم باتفاق وقف إطلاق النار ولم يخرقه، وسلم السلاح في جنوب نهر الليطاني، بينما إسرائيل لا تزال تواصل خروقاتها وهجماتها والاحتلال.

ومن بين الشروط التي يضعها حزب الله:

  • انسحاب إسرائيل من الأراضي التي لا تزال تحتلها.
  • وقف الاعتداءات وعمليات الاغتيال.
  • وقف الخروقات الجوية والبرية والبحرية.
  • إطلاق سراح الأسرى.
  • إطلاق مسار إعادة الإعمار، والسماح للبنان بأن يعمل على إنشاء صندوق يتلقى المساعدات من الدول المستعدة للمساعدة في سبيل إعادة الإعمار.

ماذا بشأن نزع السلاح؟

يعتبر حزب الله أنه سلم السلاح بمنطقة جنوب الليطاني للجيش، لكن بالنسبة إلى شمال الليطاني فهو شأن لبناني يتم معالجته من خلال الحوار الداخلي، وانطلاقا من التفاهم بينه وبين الرئيس جوزيف عون والمسار الذي فتح منذ شهور.

وبحسب "المدن"، فإن المعلومات تشير إلى أن حزب الله يبدو منفتحا على ذلك، ولكن من دون إلزامه أو فرض مهل زمنية، ويبقى من ضمن السعي إلى إستراتيجية دفاعية، تندرج في سياق إستراتيجية الأمن الوطني التي تحدث عنها عون في خطاب القسم. ويعتبر حزب الله أن مسألة سلاحه وعناصره وعديده تحتاج إلى ورشة عمل لبنانية شاملة، إذ لا يمكن التفريط بما بناه ولا بد للبناني من الاستفادة منه.

أما في ما يتعلق بإقفال "القرض الحسن" أو مؤسسات الصرافة التابعة له، فإن حزب الله يعتبر ما يجري بأنه محاولة للإطباق عليه بشكل كامل، وهي عملية خنق للبيئة الشيعية، وهذا ما لا يمكن لأحد أن يتحمله وقد يؤدي إلى انفجار اجتماعي.

وإزاء التطورات والمستجدات الحاصلة، يترقب حزب الله الجواب اللبناني والتعاطي الأميركي، وأيضا يتحسب لاحتمال ازدياد منسوب التصعيد الإسرائيلي في الأيام المقبلة من أجل الضغط عليه أكثر.

وذكر مسؤولون في حزب الله، أنهم يتعاطون بدرجة عالية من التعقل والهدوء، ولكن بالكثير من الجرأة أيضا. فيما رفضوا الإجابة عن آليات ردهم على أي تصعيد إسرائيل.

وما يشدد عليه حزب الله هو التركيز على التوافق بين المسؤولين اللبنانيين والخروج بموقف لبناني موحد. أما في حال كان هناك اتجاه في الحكومة إلى إقرار الرد على مقترحات باراك من دون التنسيق معه ومن دون موافقته، فإن ذلك قد يدفعه إلى الخروج منها ويعتبر أن البلد حينها سيدخل في أزمة سياسية عميقة جدا.

التعليقات