مطالبات بإقالة الحكومة بعد تظاهرات شبابية جديدة في المغرب

تأتي الاحتجاجات غداة مقتل ثلاثة أشخاص برصاص قوات الأمن المغربية أثناء محاولتهم اقتحام ثكنة للدرك جنوب المملكة خلال أعمال عنف غير مسبوقة أعقبت دعوات التظاهر، في مدن لم تكن ضمن المواقع التي دعت الحركة للخروج فيها.

مطالبات بإقالة الحكومة بعد تظاهرات شبابية جديدة في المغرب

(Getty Images)

طالبت الحركة الشبابية "جيل زد 212"، مساء أمس الخميس، بإقالة الحكومة، بعد ليلة سادسة على التوالي من التظاهرات احتجاجا على تردي الخدمات الصحية والتعليمية.

وفي وثيقة شعبية رفعتها إلى الملك المغربي، طالبت الحركة بعقد جلسة وطنية علنية لمساءلة الحكومة الحالية أمام أنظار الشعب، برئاسة الملك بصفته الضامن لوحدة الأمة واستقرارها.

وأضافت أن الهدف من هذه الجلسة "ليس الانتقام، بل إرساء سابقة تاريخية تؤكد أن المغرب دخل مرحلة جديدة من ربط المسؤولية بالمحاسبة الفعلية، وتعيد الثقة بين الشعب ومؤسساته".

ودعت إلى إطلاق مسار قضائي نزيه لمحاسبة الفاسدين، وتفعيل آليات المراقبة والمحاسبة ضد كل من ثبت تورطه في الفساد ونهب المال العام والإثراء غير المشروع، كيفما كان موقعه. وكذلك بحل ما وصفوه بـ "الأحزاب السياسية المتورطة في الفساد"، استنادًا إلى الفصل 7 من الدستور، الذي يجعل الأحزاب إطارا لتأطير المواطنين وخدمة المصلحة العامة.

وقالت الحركة في خطابها للملك: "نحن شباب المغرب الحاملون لرسالة الوطن، الذين يتألمون من الواقع المعيشي الصعب، ومن الفجوة بين الحقوق الدستورية المنصوص عليها وبين الممارسة اليومية، نتوجه إليكم بهذه الوثيقة الشعبية المليئة بالأمل والإيمان بأن مجلس العرش سيظل وسيطا لأمن الوطن واستقرار شعبه وضمانا لكرامته".

ولفتت إلى أن دستور المملكة أحدث إنجازات دستورية هامة، منها ربط المسؤولية بالمحاسبة، وضمان حقوق التعبير والمشاركة والمساواة، لكن "التطبيق العملي لهذه المبادئ عانى من ثغرات وتجاوزات تستدعي تجديد الثقة بين المواطن والمؤسسة".

وقالت الحركة إن "من واجبنا أن نرفع صوتنا، طالبين من جلالتكم التدخل من أجل إصلاح عميق وعادل، يُعيد الحقوق ويعاقب الفاسدين، ويجدد عهد المسؤولية والشفافية".

ودعت الحركة إلى تفعيل مبدأ المساواة وعدم التمييز، استنادا إلى الفصل 13 من الدستور، مطالبين بضمان فرص متكافئة للشباب في التعليم، الصحة، والشغل، بعيدا عن الزبونية والمحسوبية. كذلك طالبت، بتعزيز حرية التعبير والحق في الاحتجاج السلمي، داعين إلى وقف كل أشكال التضييق على الشباب والطلبة والنشطاء، وضمان حرية التعبير كحق دستوري أصيل.

كما طالبت "جيل زد"، بإطلاق سراح جميع المعتقلين المرتبطين بالاحتجاجات السلمية، وبالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين الذين شاركوا في الاحتجاجات الأخيرة وعن كافة معتقلي الرأي والانتفاضات الشعبية والحركات الطلابية، وإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي ومعتقلي الانتفاضات الشعبية ومعتقلي الحركات الطلابية، باعتبارهم مواطنين عبروا سلمياً عن مطالب اجتماعية وسياسية مشروعة.

وشددت الحركة على حرصها توجيه وثيقتهم الشعبية مباشرة للملك محمد السادس، لأنهم فقدوا الثقة في كل الوسائط السياسية القائمة، الحكومة والبرلمان، والأحزاب. وأوضحت أن التجربة أثبتت أن هذه المؤسسات، "بدل أن تكون رافعة للتنمية والديمقراطية، تحولت إلى عائق حقيقي أمام تقدم الوطن وإلى سبب رئيسي في تفاقم أزماته".

واعتبرت أن رسالتهم إلى الملك "هي تعبير عن إرادة جيل جديد يرفض الاستمرار في دوامة الفساد والفشل، ويؤمن بأن مستقبل المغرب يمر عبر تجاوز هذه المؤسسات العاجزة، وإعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة على أساس المحاسبة، والعدالة الاجتماعية، وضمان الحقوق والحريات". ويأتي ذلك في وقت تراجعت فيه بشكل لافت المواجهات والاصطدامات في عدد من المدن، خلافا لما كان عليه الأمر ليل الأربعاء.

في حي أكدال التجاري وسط العاصمة، تجمع عشرات الشباب حمل بعضهم الأعلام الوطنية ورددوا شعارات مثل "نريد مستشفيات ليس فقط الملاعب"، "الشعب يريد الصحة والتعليم"، قبل أن تنفض في هدوء.

وتجمع مئات في تظاهرات مماثلة في الدار البيضاء وأكادير ومراكش، وفق بث مباشر على مواقع إخبارية مغربية، مرددين شعارات مماثلة مع التأكيد على "السلمية".

وبعد ساعات على تأكيده استعداد الحكومة للحوار، استهدفت بعض الشعارات رئيس الوزراء، عزيز أخنوش، مطالبة برحيله.

هذه المرة الثانية التي تسمح فيها السلطات بالتظاهر تلبية لنداء هذه المجموعة الشبابية التي تصف نفسها بأنها "مساحة للنقاش" حول مسائل مثل الصحة والتعليم ومكافحة الفساد.

وتأتي الاحتجاجات غداة مقتل ثلاثة أشخاص برصاص قوات الأمن المغربية أثناء محاولتهم اقتحام ثكنة للدرك جنوب المملكة خلال أعمال عنف غير مسبوقة أعقبت دعوات التظاهر، في مدن لم تكن ضمن المواقع التي دعت الحركة للخروج فيها.

والخميس قالت الحركة في بيان "نؤكد للرأي العام والسلطات أنّ مظاهراتنا ستكون سلمية بالكامل، ونرفض أي شكل من أشكال العنف أو التخريب أو الشغب".

كما جدّدت التأكيد على مطالبها وأبرزها "تعليم يليق بالإنسان وبدون تفاوتات" و"صحة لكل مواطن بدون استثناءات".

وبينما لا تكشف الحركة هوية القائمين عليها حيث يجتمع منتسبوها للنقاش والتصويت كل ليلة على موقع ديسكورد، أكد كاتب الدولة المكلف بالإدماج الاجتماعي عبد الجبار الرشيدي "استعداد الحكومة لنقل النقاش حول مطالب التعبيرات الشبابية من العالم الافتراضي الى حوار داخل المؤسسات".

ويجمع اسم هذه الحركة بين "جيل زد" أي الفئة العمرية التي ينتمي إليها أفرادها وهم مواليد نهاية العقد الأخير من القرن الماضي وبداية العقد الأول من القرن الحالي، وبين الرقم 212 وهو رمز الاتصال الهاتفي الدولي بالمملكة.

وانطلقت إثر تظاهرات في أكادير منتصف أيلول/ سبتمبر عقب وفاة ثماني حوامل في المستشفى العام المحلي حيث كنّ قد أُدخلن لإجراء عمليات قيصرية. أشعل هذا الحدث سلسلة من الاحتجاجات في مدن أخرى.

باشرت المملكة التي تستضيف كأس العالم 2030 مع إسبانيا والبرتغال، وستستضيف كأس الأمم الإفريقية نهاية عام 2025، مشاريع كبرى في البنية التحتية: بناء ملاعب جديدة وتوسيع شبكة القطارات عالية السرعة وتحديث العديد من المطارات.

كما أطلقت عدة مشاريع لبناء مستشفيات وزيادة عدد الأطباء، "تظل غير كافية لتغطية الخصاص (النقص) الذي يعاني منه القطاع لاسيما في بعض الأقاليم والجهات"، وفق ما أوضح وزير الصحة أمين تهراوي في البرلمان، مساء الأربعاء.

في وقت سابق الخميس، أعرب رئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش عن أسفه لمقتل ثلاثة أشخاص خلال أعمال العنف التي هزت عدة مدن مغربية صغيرة، مساء الأربعاء.

وقال أخنوش في أول كلمة له منذ بدء الاحتجاجات، السبت الماضي: "سجلنا للأسف مقتل ثلاثة أشخاص" إثر "الأحداث المؤسفة التي شهدناها خلال اليومين الماضيين".

من جهته أوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية، رشيد الخلفي، بأن الأشخاص الثلاثة الذين لم تُكشف هوياتهم، قُتلوا على يد رجال الدرك "دفاعًا عن النفس" أثناء محاولتهم "اقتحام" لواء درك، جنوبي البلاد.

كان المهاجمون يحاولون دخول المركز للاستيلاء على "ذخيرة وأسلحة خدمة" وفقا للسلطات.

وأضاف إن أعمال العنف والشغب في اليوم السابق "عرفت للأسف، في مناطق متفرقة، أبعادا أشد جسامة وأكثر خطورة، بانخراط المشاغبين في عمليات هجوم، باستعمال الأسلحة البيضاء، واقتحام واكتساح بنايات مملوكة للدولة ومقرات مصالح أمنية".

وأكد التزام السلطات "بالسهر على صون النظام العام وضمان ممارسة الحقوق والحريات في نطاقها المشروع وضمن الأطر القانونية المحددة".

خلفت أحداث الأربعاء صدمة في المملكة الهادئة عموما وتورط فيها الكثير من القاصرين. بينما نأت الحركة الداعية للتظاهرات بنفسها عنها.

وفي سلا، المدينة التوأم للرباط، أضرم ملثمون النار في سيارتي شرطة وفرع مصرف دون ترديد أي شعارات.

غداة هذه الأحداث، قال أحد سكان المدينة ويدعى هشام مدني، إن "الذين قاموا بالتخريب في سلا لا علاقة لهم بشباب جيل زد 212، إنهم مارقون جاؤوا بنية التخريب".

وبدأت أعمال العنف ليل الثلاثاء باشتباكات أولية مع قوات الأمن، لا سيما في وجدة (شرق) وإنزكان (جنوب) مما أسفر عن إصابة نحو 300 شخص معظمهم من الشرطة واعتقال أكثر من 400 شخص.

ومنذ السبت في الرباط، اعتُقل مئات الشباب ثم أفرج عن معظمهم، وفقا الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.

ومن المقرر أن تتم محاكمة 134 شخصا قريبا في العاصمة المغربية، بينهم ستة لا يزالون موقوفين.

ودعت الحركة في بيانها إلى "إطلاق سراح جميع المعتقلين المرتبطين بالاحتجاجات السلمية"، إضافة إلى "الإفراج عن كافة معتقلي الرأي والانتفاضات الشعبية والحركات الطلابية".

التعليقات