إسرائيل بين المقاطعة والأبرتهايد

دراسة إسرائيلية: هناك علامة استفهام كبيرة على كل ما يتعلق بالفترة الزمنية التي ستتمكن فيها القيادة الرسمية للعالم العصري من البقاء محصنة أمام تعاظم قوة الرأي العام المناهض لإسرائيل

إسرائيل بين المقاطعة والأبرتهايد

مظاهرة ضد سياسة إسرائيل في فرنسا

ذكرت أبحاث وتقارير ووسائل إعلام إسرائيلية في السنوات الأخيرة أن حملات مقاطعة إسرائيل تتصاعد باستمرار، ولكنها تتركز بصورة عامة ضد المستوطنات والشركات التي تعمل منها أو لديها فروع فيها. لكن هذه المقاطعة تركز أقل بكثير على إسرائيل والشركات والمؤسسات التي تعمل فيها.

رغم ذلك، فإن إسرائيل تهاجم حملات مقاطعة المستوطنات كلها. إذ يوجد في إسرائيل إجماع على رفض نزع الشرعية عن المستوطنات. وفي أعقاب المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وطرح فكرة تبادل الأراضي، أصبحت هناك قناعة لدى الإسرائيليين بأن الكتل الاستيطانية ستكون جزءا من إسرائيل في جميع الأحوال، وذلك إضافة إلى القدس الشرقية وهضبة الجولان.

كذلك تتحسب إسرائيل من أن حملة المقاطعة ضدها قد لا تتوقف عند المستوطنات، وإنما تتجاوز ذلك لتصبح حملة مقاطعة ضد الدولة، خاصة مع تعالي أصوات تتهم إسرائيل بممارسة سياسة تفرقة عنصرية، أبرتهايد، مثل نظام البيض في جنوب أفريقيا، الذي انهار في أعقاب حملة مقاطعة دولية واسعة.

وفي نهاية العام 2013، على سبيل المثال، كان الاتحاد الأوروبي سيمنع إسرائيل كدولة من المشاركة في المشروع العلمي الضخم 'هورايزن 2020'، بعد أن أصرت على شمل المستوطنات في مشروح المنح العلمية الأوروبي. واضطرت الحكومة الإسرائيلية في نهاية المطاف إلى التراجع عن شمل المستوطنات، في أعقاب ضغوط مارسها خصوصا رؤساء الجامعات، الذين حذروا من خسارة مبالغ طائلة تعود بالفائدة على الجامعات والمجال العلمي عموما في إسرائيل. ويعني ذلك أنه في مقاطعة المستوطنات ورفض إسرائيل لهذه المقاطعة يكمن احتمال عزلة الدولة في الحلبة الدولية، وذلك إلى جانب استياء المجتمع الدولي من تعنت حكومة نتنياهو وترسيخها الجمود في ما يسمى بـ'عملية السلام' مع الفلسطينيين.

وتستخدم إسرائيل أساليب عديدة في مواجهة المقاطعة ضدها، وغالبا ما يجري التلميح إلى المحرقة اليهودية في ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية. واعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في خطاب ألقاه أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية، في شباط العام 2014، أن 'هذه فضيحة أن يجري الحديث في أوروبا عن مقاطعة اليهود. وحان الوقت لأن ننزع شرعية أولئك الذين ينزعون شرعيتنا والكشف عن وجههم الحقيقي'.

ويخلط نتنياهو بشكل متعمد بين العنصرية ضد اليهود لمجرد أنهم يهود وبين مناهضة إسرائيل بسبب ممارساتها وجرائمها في الأراضي المحتلة. وقال إنه 'بعد أن حاول هزمنا بأدوات عسكرية وفشلوا، يحاولون الآن استخدام سلاح من نوع جديد ضدنا، وهو المقاطعة. وفي الماضي دعوا إلى مقاطعة اليهود والآن يدعون إلى مقاطعة دولة اليهود. ومن يدعون إلى مقاطعة إسرائيل هم معادون للسامية بلباس عصري'.

خطط إسرائيلية لمواجهة حركة المقاطعة BDS

تأسست الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) في العام 2005، استجابة لنداء أصدرته غالبية مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، بتطبيق إجراءات عقابية ضد إسرائيل حتى تنصاع إلى القانون الدولي والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وتحديدا حتى تلتزم بتطبيق ثلاث شروط تمكن الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره، وهي: إنهاء الاحتلال لكافة الأراضي العربية وتفكيك الجدار والمستوطنات؛ تحقيق المساواة الكاملة لفلسطينيي الـ٤٨؛ عودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجِّروا منها بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 194.

وتشكلت في المؤتمر الوطني الأول لBDS، في العام 2008، تشكلت اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وهي أكبر ائتلاف مجتمع مدني فلسطيني، وهي مرجعية وقيادة حركة BDS العالمية.

وحققت BDS العديد من النجاحات في مجال مقاطعة إسرائيل. ومن أجل مواجهة حركة المقاطعة، تعتزم وزارة الشؤون الإستراتيجية، تعيين مسؤول سابق في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رئيسا لدائرة جديدة في الوزارة غايتها تتبع نشاط BDS المنظمات الأخرى التي تنشط في مجال المقاطعة وجمع معلومات حول نشاطاتها المستقبلية ومحاولة إحباطها. كذلك جرى مؤخرا تعيين الرقيبة الإسرائيلية في هذه الدائرة الجديدة.

وقال مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى لـ'معاريف' إن 'الهجمات السياسية الأخيرة على إسرائيل فاجأت الحكومة. واقتراح الفلسطينيين في الاتحاد العالمي لكرة القدم – الفيفا، أو عندما صرح رئيس شركة أورانج العالمية بأنه سيتم سحب الماركة من الشركة الإسرائيلية، هما خطوتان فاجأتا إسرائيل. وحان الوقت لكن نجمع معلومات استخبارية في هذا المجال أيضا، وأن نحبط أي هجوم قبل أن يلحق ضررا بنا'.

وتعتبر وزارة الخارجية الإسرائيلية أن الخطوة الفلسطينية في الفيفا، والمطالبة بطرد إسرائيل منها بأنها 'النقطة التي ذوتت فيها أن كافة قواعد النضال ضد BDS قد تغيرت'. ووفقا للصحيفة، فإن إسرائيل 'لا تعرف من أية جهة ستأتي خطوة المقاطعة المقبلة'. واعترفت مصادر في الخارجية الإسرائيلية بأنهم يضطرون إلى مواجهة أشكال مختلفة ومتنوعة من المقاطعة 'وهذا ليس سهلا'.

وقال مصدر في الخارجية الإسرائيلية إن 'حركة المقاطعة ضد إسرائيل تصنع قضية من كافة المجالات، ويتعين علينا وضع ادعاءات مضادة وادعاءات قانونية وما إلى ذلك'. وكانت الحكومة الإسرائيلية كانت قد قررت تخصيص ميزانية بمبلغ 100 مليون شيكل لمواجهة حملات المقاطعة.

سفراء يحذرون: عزلة إسرائيل تتفاقم في أوروبا وأميركا

حذر سفراء إسرائيليون من تفاقم عزلة إسرائيل، خصوصا في أوروبا والولايات المتحدة، وأشاروا إلى أن هذا الوضع سببه اتساع نشاط الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS). وقالت صحيفة 'معاريف'، اليوم الثلاثاء، إنه تصل عشرات التقارير شهريا من سفارات وقنصليات إسرائيل في العالم إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي تتحدث عن محاولات لعزل إسرائيل. وحصلت الصحيفة على نسخة من عدد من البرقيات الدبلوماسية التي تصف تفاقم عزلة إسرائيل الدولية.

وتحدثت إحدى البرقيات الدبلوماسية عن استجواب قدمه مندوبو الحزب اليساري CUP، وطالبوا فيه بالاطلاع على الاتفاقيات بين البلدية وإسرائيل وطالبوا بإلغاء اتفاق التوأمة بين برشلونة وتل أبيب. ووصفت البرقية مندوبو هذا الحزب بأنهم 'فوضويون'، وأنه يوجد في برشلونة أحد أكبر تجمعات المسلمين بين المدن الأوروبية.

ووصفت البرقية طلب الحزب اليساري بأنه 'مثير للقلق'، وأضافت أن الأمر المثير للقلق أكثر هو رد مندوبي الحزب الحاكم في البلدية بأنهم سيتم بحث طلب إلغاء التوأمة مع تل أبيب، وذلك بعد أن توجهت إلى البلدية الاسبانية جهات أخرى بكلبات مشابهة، وقال نائب رئيس بلدية برشلونة إنه ينبغي الالتفات إلى أن 'الاتفاق مع تل أبيب يعزز الاحتلال' أهمية أكبر من أي اعتبار آخر.

وكتب موظفو السفارة الإسرائيلية في برشلونة أن 'ظاهرة النشاط المعادي لإسرائيل في اسبانيا مزعجة ومقلقة، وكانت تتركز في الماضي في مدن صغيرة، لكن عندما تصل الظاهرة إلى برشلونة، ومن جانب منتخبي جمهور، فإن هذا الموضوع يأخذ أبعادا مختلفة كليا'.

وفي مدينة لياج البلجيكية، قرر مهرجان الرقص الشعبي، الأسبوع الماضي، التنازل عن رعاية إسرائيلية في أعقاب تهديدات بمقاطعة المهرجان. وأبلغت إدارة المهرجان السفارة الإسرائيلية بأنها لا تريد أي اتصال معها وتنازل عن الرعاية وأعادوا المال.

ووصل الأسبوع الماضي تقرير من القنصلية الإسرائيلية في شيكاغو الأميركية، وقال إنه تم إلغاء حفل 'البيت المفتوح القدسي' الذي كان مقررا أن يقام خلال مؤتمر للمثليين. وأبلغ منظمو المؤتمر منظمي الحفل الإسرائيليين بأنهم تراجعوا عن موافقتهم على مشاركة الإسرائيليين لأن هذا الأمر 'تشق صفوف الجالية' وأنه ليس بالإمكان ضمان أمن المشاركين الإسرائيليين، لكن بعد ذلك تراجع منظمو المؤتمر والمندوبين الإسرائيليين شاركوا فيه.  

وتحدثت برقية أخرى عن مؤتمر عقده فرع منظمة 'طلاب جامعيون من أجل العدالة في فلسطين' مؤتمر في جامعة 'أموري' في ولاية فرجينيا الأميركية. وما خيب أمل الدبلوماسيين الإسرائيليين، بحسب البرقية، هو أنه على الرغم من أن هذه الجامعة تعتبر معقلا لليهود الأميركيين، إلا أن الطلاب اليهود فيها لم يحاولوا منع المؤتمر. وجاء في البرقية إنه 'لم نفاجأ، لأسفنا، من الاستعداد المعدوم بتاتا للطلاب اليهود في جامعة أموري للعمل ضد المؤتمر'.

إسرائيل والأبرتهايد

تحدثت دراسة صدرت في نهاية العام الماضي عن صورة إسرائيل في العالم كدولة أبرتهايد. وقالت الدراسة الصادرة عن 'معهد أبحاث الأمن القومي' في جامعة تل أبيب، إن 'الشكوك في المحافل الدولية حيال صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية ليبرالية وحيدة في الشرق الأوسط آخذة بالتزايد في السنوات الأخيرة'. وشددت على وجود 'تبعات بعيدة المدى لتشبيه إسرائيل بأنها دولة أبرتهايد على أمنها القومي'.

وتناولت الدراسة وصفتها بأنها 'معطيات صلبة لاعتبار إسرائيل في الحلبة الدولية أنها دولة أبرتهايد'، وذلك من خلال تحليل عشرات المقالات في الصحافة الأوروبية والأميركية ووثائق في الأمم المتحدة.

وقالت الدراسة إنه 'يتم تشبيه إسرائيل بشكل متزايد بحكم الأبرتهايد الذي كان قائما في جنوب أفريقيا'. ووجدت أنه تم نشر 54 مقالا في الصحافة الدولية اشتملت على مصطلحي 'إسرائيل' و'دولة أبرتهايد'، خلال الأعوام 1967 – 2000، بينما خلال الأعوام 2001 – 2015 نُشر 1741 مقالا اشتمل على هذين المصطلحين. وأشارت إلى أن عددا قليلا فقط من المقالات في الصحافة الأميركية والأوروبية طرح ادعاءات ضد تشبيه إسرائيل بدولة أبرتهايد، والثاني أن التشكيك في الديمقراطية الإسرائيلية يجذب اهتماما متزايدا في السنوات الأخيرة.

وأشارت الدراسة إلى أن أحد تقارير الأمم المتحدة أكد أن الحواجز العسكرية الإسرائيلية 'تستخدم لإذلال الفلسطينيين... وفي هذا السياق فإنها مشابهة لـ’قوانين العبور’ للأبرتهايد في جنوب أفريقيا، التي بموجبها طولب الجنوب أفريقيون السود بإظهار تصريح مرور أو سكن في مكان ما في جنوب أفريقيا'.

ووفقا للدراسة فإن استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وشق شوارع توصل بين المستوطنات وإسرائيل يدفع إلى تشبيه إسرائيل بالأبرتهايد. كذلك أشارت تقارير للأمم المتحدة إلى استخدام المستوطنين شوارع لا يسمح للفلسطينيين بالسير فيها، وإنما يسيرون في شوارع بمستوى متدن ومليئة بحواجز ونقاط تفتيش عسكرية إسرائيلية. وهكذا نشأ مصطلح 'أبرتهايد الشوارع'. وبسبب استيلاء إسرائيل ومستوطناتها على الغالبية العظمى من الموارد الطبيعية في الضفة، نشأ مصطلح 'أبرتهايد الماء' أيضا.

وشددت الدراسة على أن 'تحليل هذه الوثائق يشير بوضوح إلى أن سياسة إسرائيل، التي تشجع البناء وتوسيع المستوطنات، تشكل عاملا مسرعا ومركزيا في اعتبار إسرائيل دولة أبرتهايد'.

وحذرت الدراسة من أمر بالغ الأهمية، وهو أنه 'على الرغم من أن علاقات إسرائيل الإيجابية مع الهيئات الحكومية الرسمية للدول الغربية الديمقراطية تُطرح كإثبات على النجاح المحدود للنشاط المعادي لإسرائيل، إلا أن المعطيات الكمية والنوعية في هذا المقال تضع علامة استفهام كبيرة على كل ما يتعلق بالفترة الزمنية التي ستتمكن فيها القيادة الرسمية للعالم العصري من البقاء محصنة أمام تعاظم قوة الرأي العام المناهض لإسرائيل'.

التعليقات