"قانون القومية": إسرائيل تزيل الورقة عن عورتها

اعترض الرئيس الإسرائيلي والمستشارون القضائيون على بند في القانون حول بلدات لليهود فقط، لكن القانون لا يعترف بوجود الفلسطينيين أصلا* محللون: اليمين يتنافس على التطرف ويشرع للأبارتهايد كما في جنوب أفريقيا

الأبارتهايد بالمسكن (أ ب أ)

يصر الائتلاف الحكومي اليميني الإسرائيلي على سن مشروع "قانون القومية" العنصري والمعادي للديمقراطية، رغم انتقاد مشروع القانون من جانب الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، والمستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، وأيضا المستشار القضائي للكنيست، أيال يانون.

وعبر هؤلاء عن معارضتهم لمشروع القانون لأنه يدعو، في البند 7ب إلى إقامة بلدات لليهود فقط، ولا يسمح لغير اليهودي بالإقامة فيها، علما أن إسرائيل تطبق هذا البند في ما يسمى "بلدات جماهيرية"، بواسطة منع العرب بالأساس من السكن في بلدات كهذه، من خلال لجان خاصة. لكن هذه اللجان بإمكانها وضع شروط تمنع يهودا، حريديين أو مثليين أو أثيوبيين مثلا. إلا أن البند 7ب ينص على إقامة بلدات على أساس قومي ولليهود فقط.

وتشير التوقعات إلى أن "قانون القومية" سيطرح في الكنيست للتصويت عليه الأسبوع المقبل، بعد أن أعلن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أنه سيسعى إلى إقراره خلال الدورة الصيفية الحالية للكنيست، التي تنتهي في 22 تموز/يوليو الحالي.

وتجري مداولات داخل أحزاب الائتلاف بهدف التوصل إلى صيغة تسمح بسن القانون والالتفاف على على الاعتراضات القانونية. وذكرت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، أول من أمس الثلاثاء، أنه خلال مداولات في حزب الليكود الحاكم، بمشاركة نتنياهو، جرى الحديث عن أن تستند الصيغة الجديدة للبند المذكور إلى قرار لعصبة الأمم، صدر قبل قيام إسرائيل: "دولة إسرائيل ترى نفسها ملتزمة بقرار عصبة الأمم الذي أيد الاستيطان اليهودي المكثف في أراضيها". واعتبرت القناة الثانية أنه بهذه الصيغة الجديدة "سيكون عزاء معارضي البند بعدم وجود منع واضح لأبناء قومية أخرى ألا يسكنوا في البلدة، بينما سيكون عزاء مؤيديه بأن الصيغة الجديدة تؤكد الاستيطان اليهودي المكثف".

وبحسب الصيغة المعدلة للبند، التي تعتزم كتلة "البيت اليهودي" طرحها، وشاركت في صياغتها وزيرة القضاء، أييليت شاكيد، ويؤيدها رئيس الكتلة ووزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، فإنه بإمكان الحكومة أن تحدد منطقة معينة أنها لتوطين اليهود فيها فقط، ومنح محفزات لتشجيع استيطان اليهود في مناطق تصفها الحكومة بأنها "مفضلة لاعتبارات قومية، مثل النقب والجليل"، حسبما ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم"، اليوم الخميس. وأضافت الصحيفة أن بينيت يجري محادثات مع كتل الائتلاف الحكومي بهذا الخصوص، وأن مقربين منه قالوا إنه لم تعترض الكتل على هذه الصيغة وأن رد الفعل عليها يشجع على دفعها قدما.

اعتراضات على القانون: ماذا عن القدس ووطن الفلسطينيين؟

أثار اعتراض ريفلين على البند 7ب ضجة سياسية، لكنها ليس أكثر من مجرد "زوبعة في فنجان"، خاصة إذا تم وضع صيغة جديدة، كما هو مذكور أعلاه. واعتبر ريفلين أن البند المذكور "قد يمس بالشعب اليهودي، باليهود في أنحاء العالم وبدولة إسرائيل... وأخشى من أن الشكل الواسع الذي صيغ فيه هذا البند، من دون توازنات، يمكن أن يُستخدم كسلاح بأيدي أعدائنا".

وهاجم أعضاء كنيست من الليكود ريفلين، ووصفوا معارضته لمشروع القانون بأنه "سلوك مضر ومبالغ فيه، وادعاءه غير صحيح".

لكن المستشار القضائي للكنيست، أيال يانون، وصف مشروع "قانون القومية" بأنه "إقصاء جارف لجماهير بأكملها". وأشار في رسالة إلى رئيس اللجنة المشتركة لبحث مشروع القانون، عضو الكنيست أمير أوحانا، من الليكود، إلى "المصاعب الحاصلة بخصوص البند 7ب". وقال إن غاية هذا البند "توفير حماية دستورية لإمكانية إقامة بلدات على أساس الدين، القومية أو صبغة اجتماعية أخرى وإقصاء أناس لمجرد انتمائهم إلى دين أو قومية أخرى أو لوجود اختلاف آخر لم يختاروه ولا يسيطرون عليه وذلك بصورة جارفة ومن دون علاقة بمسألة ما إذا كان انضمامهم للبلدة يمس بالنسيج الاجتماعي – الثقافي للبلدة أو المس بصبغته المتميزة".

ولفت يانون إلى أن "هذا تغيير كبير للوضع القانوني القائم القائم في التعديل رقم 8 لأمر الجماعيات التعاونية (للبلدات الجماهيرية). والصعوبة الحاصلة مع البند المقترح تنبع من أنه خلافا للتوازنات الناعمة التي يشملها قانون لجان القبول (في البلدات الجماهيرية)، فإن البند المقترح يسمح بإقصاء جارف لجماهير بأكملها في دولة إسرائيل فقط بسبب اختلافات في هويتهم ولا يمكن تغييرها، مثل دينهم، قوميتهم، ميلهم الجنسي أو أصلهم".

وأضاف يانون أن البند المذكور يتعلق مباشرة بالمكانة الشخصية للمواطن وحقوق الفرد. وتطرق إلى احتمال شطب المحكمة العليا للبند، وقال إنه "لا يمكني أن أستبعد أن بندا من هذا النوع، ويثير مصاعب كبيرة، سيقود إلى تدخل قضائي"، كونه يتعارض مع قانون أساس: حرية الإنسان وكرامته.

كما ذُكر آنفا، فإن الاعتراضات على مشروع القانون تركزت على البند 7ب فقط. لكن هذا القانون يسعى أيضا إلى ترسيخ قوانين وأنظمة إسرائيلية تتعارض مع المعاهدات الدولية والقانون الدولي. فمشروع "قانون القومية" يعتبر أن "القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل"، علما أن القدس كلها، الغربية قبل الشرقية، هي منطقة تحتلها إسرائيل، بموجب قرار التقسيم وبموجب القانون الدولي، والعالم لا يعترف بـ"ضم" القدس الشرقية بعد احتلالها عام 1967.

كذلك يزعم مشروع القانون هذا، في بنده الأول، أن "ارض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي"، وأن "إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، التي حقق فيها حقه الطبيعي والثقافي والتاريخي لتقرير المصير"، وكذلك أن "تحقيق حق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل هو خاص بالشعب اليهودي".

لكن هاتين القضيتين، القدس وحق تقرير المصير في فلسطين، هما محل إجماع صهيوني.

"قانون القومية" يعكس حقيقة إسرائيل

خصص المؤرخ الدكتور أفيعاد كلاينبرغ، في مقاله الأسبوعي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم، لموضوع "قانون القومية، وكتب أن "جميع العناصر التي يهدف القانون إلى الإعلان عنها باتت جزءا من حياتنا الاعتيادية: العربية لم تعد أصلا اللغة الرسمية الثانية لإسرائيل فعليا، ومن يريد إجراء (نظام) أبارتهايد ينفذه فعليا دون عائق، سواء في البلدات التي أعلنوا عنها كنظيفة من ’الآخر’ أو في تلك التي أعلنت عن نفسها كخالية من العرب أو العلمانيين اليهود".

وأوضح أن "مفاهيم عالمية بالمساواة ليست عملة يُتاجر بها في دولة إسرائيل. إنها ميداليات احتفالية يبيعونها للسواح والأجانب". وشدد على أن "قانون القومية لا يهدف إلى الاستجابة لاحتياجات الشعب، وإنما لاحتياجات (حزب) البيت اليهودي"، لافتا إلى أنه "تجري منافسة بين البيت اليهودي والليكود على من يكون قومي أكثر بصورة مرفوضة وغبية للغاية ومن يغضب ’اليسار’ أكثر. ومسألة المصلحة الوطنية لا علاقة لها بالواقع. لها علاقة بالمصلحة القومية المتطرفة فقط".

وأضاف كلاينبرغ أن هدف القانون هو "القدرة على منح أنفسنا إعفاء أخلاقيا من ممارسات كنا سندد بها لدى الآخرين، أبارتهايد مثلا، والتنديد بالمنتقدين بسبب طهارة زائدة". وتابع أن عضو الكنيست المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، "لا يؤمن بالطهارة وإنما هو يؤمن بالقذارة ’الوطنية’".

من جانبه، أكد الكاتب الصحافي غدعون ليفي، في صحيفة "هآرتس"، في الموضوع نفسه، على أن "الكنيست على وشك سن أحد أهم القوانين ووالأكثر إخلاصا للواقع: قانون القومية سيضع نهاية لضبابية القومية الإسرائيلية المتطرفة وسيستعرض الصهيونية كما هي. كذلك سيضع القانون نهاية لمهزلة الـ’يهودية – ديمقراطية’، وهو مزيج لم يكن موجودا أبدا ولم يكن بمقدوره أن يكون موجودا بسبب التناقض البنيوي بين المصطلحين ولا توجد طريقة للتسوية بينهما، وإنما فقط التضليل. فإذا كانت (إسرائيل) يهودية، فعندها لن تكون ديمقراطية، بسبب انعدام المساواة؛ وإذا كانت ديمقراطية، فلن تكون يهودية، لأنه لا توجد في الديمقراطية امتيازات على أساس إثني. والآن، اختارت الكنيست: يهودية".

وأضاف أن "إسرائيل تعلن أنها دولة القوم اليهودي، ليست دولة مواطنيها، ولا دولة القوميتين اللتين تعيشان فيها، ولذلك توقفت عن كونها ديمقراطية ودولة مساواة، ليس فعليا فقط وإنما قانونيا أيضا. لذلك هذا قانون بالغ الأهمية. إنه قانون الحقيقة".

وأرجع ليفي اعتراض ريفلين والمستشارين القانونيين إلى أن "إزالة الغطاء أمام العالم دفعهم إلى العمل. ينبغي القول إن رؤوفين ريفلين صرخ بشجاعة ضد بند القبول وتبعاته على النظام الإسرائيلي، لكن غالبية الليبراليين هلعوا ببساطة لدى قراءة الواقع بصياغة قانونية".

وتابع ليفي أن "القول إن الأبارتهايد موجود في جنوب أفريقيا فقط، لأن كل شيء هناك تم إرساؤه بالقوانين العرقية، وعندنا لا يوجد ذكر للأبارتهايد لأنه لا يوجد تشريع. إن الخليل ليست أبارتهايد، والاحتلال ليس جزءا من النظام. أننا الديمقراطية الوحيدة، مع الاحتلال... الآن سيكون قانونا يقول الحقيقة. إسرائيل لليهود فقط، في كتاب القوانين أيضا. الدولة القومية للشعب اليهودي. ليس لسكانها. العرب هم مواطنون من نوع ب، والرعايا الفلسطينيون هواء، ليسوا موجودين. حُسم مصيرهم في القدس، لكنهم ليسوا جزءا من الدولة. هذا مريح للجميع. وبقيت مشكلة صغيرة مع العالم فقط، مشكلة صورة إسرائيل، التي يفسدها قليلا هذا القانون. لا ضير. الصديقات الجديدات لإسرائيل (دول في وسط وشرق أوروبا وبعض الدول في أميركا الجنوبية وأفريقيا) ستتفاخر بهذا القانون. وسيكون نور للأغيار بالنسبة لهم. وأصحاب الضمائر في العالم يعرفون الحقيقة ويحاربونها منذ وقت طويل. هذا سلاح لـBDS؟ بالتأكيد. وإسرائيل تربحه باستقامة، والآن بالقانون".

 

التعليقات