ترامب خيّب أمل إسرائيل: هل سيجلس نتنياهو مكتوف الأيدي؟

إسرائيل تعتزم تصعيد الحرب على غزة ولا خلاف بين المستويين السياسي والعسكري حول رفض وقف الحرب * وقف إطلاق نار أميركي – حوثي يخدم المصالح الأميركية والغربية * اتفاق نووي جديد سيؤدي لانهيار سياسة نتنياهو بالموضوع الإيراني...

ترامب خيّب أمل إسرائيل: هل سيجلس نتنياهو مكتوف الأيدي؟

(Getty)

ترامب خيّب أمل إسرائيل: هل سيجلس نتنياهو مكتوف الأيدي؟ تواصل إسرائيل ارتكاب جرائمها في قطاع غزة يوميا، بقتل عشرات المدنيين الفلسطينيين وتجويع السكان وتدمير المباني التي لم تدمر حتى الآن. وأول من أمس الأربعاء، استشهد 99 فلسطينيا بالقصف الإسرائيلي، لترتفع حصيلة الشهداء إلى أكثر من 2650 شهيدا، وحوالي سبعة آلاف جريح، منذ خرق إسرائيل وقف إطلاق النار واستئناف الحرب، في 18 آذار/ مارس الماضي.

وتدعي إسرائيل أن استئناف الحرب هدفه ممارسة ضغط عسكري على حركة حماس كي توافق على صفقة تبادل أسرى، وترفض مطالب حماس بوقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، أي أن إسرائيل تطالب بصفقة بشروطها هي، لأن وقف الحرب المستمرة منذ 19 شهرا وانسحاب جيشها يعني سقوط حكومة بنيامين نتنياهو.

وتعلن إسرائيل أنها تستعد لتصعيد الحرب بشكل كبير بعد انتهاء جولة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في المنطقة، والتي لا تشمل زيارة إسرائيل. وصادق الكابينيت السياسي – الأمني بداية الأسبوع الجاري على خطط تصعيد بادعاء استعادة أسراها الـ59 الذين ما زالوا في القطاع.

وترددت تقارير في إسرائيل عن "خلاف" بين موقف الجيش وموقف نتنياهو وحكومته، وأن الجيش يعتبر أن الهدف الأول للحرب هو إعادة الأسرى وبعد ذلك القضاء على حماس وقدراتها العسكرية والسلطوية، فيما يعتبر نتنياهو وحكومته العكس، أي القضاء على حماس أولا وبعد ذلك إعادة الأسرى. لكن نتيجة هذين الموقفين ليست متناقضة، لأنهما لا يوافقان على وقف الحرب والانسحاب من القطاع.

وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، خلال اجتماع مع قادة فرق عسكرية وألوية، الأربعاء، إنه في المرحلة الأولى بعد استئناف الحرب، "لا يزال موقف حماس رافضا (لصفقة). وحماس هي المسؤولة عن المعاناة، والقتل والدمار. والآن، وقت الانتقال إلى المرحلة الثانية. وسنوسع ونشدد عملياتنا".

إلى جانب التناقض بين إعادة الأسرى والقضاء على حماس، وعدم قدرة إسرائيل على تحقيقهما منذ بداية الحرب، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فإن الجيش الإسرائيلي يواجه أزمة في صفوفه، تتمثل برفض العديد من الجنود في قوات الاحتياط الامتثال في الخدمة العسكرية بعد إرسال أوامر استدعاء لهم، واستمرار رفض الحريديين للتجنيد في الجيش، وهو ما يهدد بأزمة داخل الحكومة الإسرائيلية أيضا، تتمثل بالأساس حاليا بامتناع الأحزاب الحريدية عن التصويت على تشريعات تبادر إليها الحكومة، التي تضطر إلى سحبها من جدول أعمال الكنيست.

الرهان على "الصديق الحقيقي" ترامب

يصف الإسرائيليون، وخصوصا في اليمين، ترامب بأنه "صديق حقيقي"، لكن هذا الوصف بدأ يتزعزع في أعقاب قرارات الرئيس الأميركي في الشهرين الأخيرين ومفاجأته الإسرائيليين بهذه القرارات التي لم يعلموا بها مسبقا، وتتعلق بمحادثات مباشرة مع حماس من أجل تحرير أسرى إسرائيليين يحملون الجنسية الأميركية أيضا، ومفاوضات مباشرة مع إيران حول اتفاق نووي جديد، وأخيرا إعلان ترامب عن وقف إطلاق النار مع الحوثيين لا يمنع هجماتهم على إسرائيل.

والإسرائيليون خائبو الأمل من "صديقهم الحقيقي" إثر هذه القرارات التي يعتبرون أنها اتخذت "من وراء ظهرهم". ورغم أن ترامب يعلن باستمرار دعمه لإسرائيل بالموقف السياسي والأسلحة، وحتى أنه طرح فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، التي تشكل حلما لليمين الإسرائيلي الفاشي، وأصبحت تلقى تأييدا واسعا في إسرائيل بعد إعلان ترامب عن خطة الترانسفير هذه. إلا أن "الصديق الحقيقي" بالنسبة لإسرائيل هو بالأساس الذي يدعم جرائمها في الحرب ويتجاهل مصالحه ومصالح بلاده.

بغض النظر عما إذا كان ترامب سينفذ قراراته التي فاجأت إسرائيل أم لا، إذ يُعتبر أنه شخص غير متوقع وقد يغيّر رأيه بسرعة، إلا أن مجرد اتخاذ هذه القرارات لها دلالات واضحة، وهي وجود أزمة وعدم ثقة بين ترامب ونتنياهو، وليس بين الدولتين. ونتنياهو لم يجرؤ على التعقيب على كل واحد من هذه القرارات مباشرة خوفا من رد فعل ترامب، الذي لا يتردد في مهاجمة، أو توبيخ، أي زعيم دولة أمام كاميرات وسائل الإعلام.

ويبدو ترامب كمن ينضم إلى زعماء غربيين يعبرون عن مواقف تنتقد إسرائيل بسبب استمرار حروبها وزعزعة الاستقرار في المنطقة. فقد كان واضحا للأميركيين أن ضرباتهم ضد الحوثيين في اليمن لا تؤثر على استمرار مهاجمة سفنهم وتعطيل تجارتهم، ولذلك كان وقف إطلاق النار مع الحوثيين مصلحة أميركية وغربية، رغم أن الحوثيين يعلنون أنهم لن يوقفوا مهاجمة السفن الإسرائيلية وإسرائيل نفسها.

وثمة أمر لافت في ساحات حروب إسرائيل في المنطقة، وهو أن الجانب العربي من المحيط إلى الخليج ينظر إلى صاروخ يخترق الدفاعات الجوية الإسرائيلية ويسقط في إسرائيل، مثل صاروخ الحوثيين الذي سقط في مطار بن غوريون الدولي قرب تل أبيب، على أنه إنجاز كبير، بينما تنظر إسرائيل إلى ذلك على أنه إخفاق وفشل تسبب باستهداف أحد رموزها القومية.

وفي المقابل، تصف إسرائيل غاراتها الواسعة في غزة ولبنان وسورية واليمن، وكذلك في إيران، والتي تسببت بمقتل عشرات آلاف ومعظمهم مدنيون ودمرت منشآت كثيرة، بأنها "إنجازات". إسرائيل تعتبر الإبادة والتجويع في غزة "إنجاز".

مفاوضات نووية

تأمل إسرائيل بفشل المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول برنامج الأخيرة النووي، وأن يؤدي فشلا كهذا إلى هجوم إسرائيلي – أميركي على المنشآت النووية الإيرانية وتدميرها. وترى أن هذا هو الحل الأمثل للقضية النووية الإيرانية، وأن من خلاله سيكون بالإمكان إسقاط النظام الإيراني وتفكيك المحور الإيراني في المنطقة.

ويسعى نتنياهو إلى تدمير البرنامج النووي بواسطة هجوم عسكري منذ وصول إلى منصب رئيس الحكومة، قبل ثلاثين عاما تقريبا. وكان قد أوعز بشن هجوم كهذا، مطلع العقد الماضي، وأحبط ذلك قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في حينه، لأنهم رفضوا هجوما إسرائيليا منفردا من دون مشاركة أميركية.

وعندما توصلت القوى العظمى إلى الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015، هاجم نتنياهو الاتفاق وألقى خطابا بالكونغرس ضد الرئيس الأميركي في حينه، باراك أوباما، لكنه لم ينجح في منع توقيع الاتفاق، وإنما نجح في إقناع ترامب في ولايته الرئاسية السابقة بالانسحاب من الاتفاق النووي، في العام 2018. غير أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق دفع إيران إلى تطوير برنامجها النووي أكثر مما كان عليه قبل اتفاق العام 2015، وتم تخصيب اليورانيوم بمستوى مرتفع ويقترب من صنع قنبلة نووية، وباتت إيران توصف بأنها دولة "عتبة نووية".

وتعززت آمال نتنياهو باحتمال مهاجمة البرنامج النووي الإيراني بعد بدء ولاية ترامب الرئاسية الثانية. إلا أن ترامب دعاه إلى البيت الأبيض بشكل عاجل، بداية نيسان/ أبريل الماضي، كي يعلن على مسامعه وأمام وسائل الإعلام عن أن الولايات المتحدة ستجري مفاوضات مباشرة مع إيران حول برنامجها النووي.

وبدا نتنياهو الجالس إلى جانب ترامب كمن تلقى صفعة وجهها له الرئيس الأميركي بهذا الإعلان. فالولايات المتحدة تجري مفاوضات مباشرة مع إيران، وليس مثلما حدث في المفاوضات التي سبقت اتفاق العام 2015، عندما فاوضت قوى عظمى إيران ولم تشارك فيها الولايات المتحدة بشكل مباشر.

ولا يستبعد خبراء ومحللون إسرائيليون أن تنتهي المفاوضات الأميركية - الإيرانية باتفاق نووي مشابه لاتفاق العام 2015، خاصة وأن إمكانية التنازلات الإيرانية محدودة. ويوصي الخبراء والباحثون نتنياهو بألا تتدخل إسرائيل علنا في المفاوضات، لأن الضرر الذي سينجم عن ذلك سيكون أكبر من الفائدة، وأن بإمكان إسرائيل التأثير على بعض الجوانب في الاتفاق من خلال محادثات سرية مع إدارة ترامب. فهدف ترامب هو ضمان عدم حيازة إيران سلاحا نوويا.

ليس واضحا في الوقت الحالي ما إذا سيتم التوصل إلى اتفاق نووي جديد، لكن في حال حدوث ذلك فإن آمال نتنياهو ستنهار. فلن يكون بإمكان إسرائيل مهاجمة المنشآت النووية في دولة أبرمت الولايات المتحدة اتفاقا نوويا معها. ولن يؤدي تحقيق الاتفاق إلى سقوط النظام الإيراني وتفكيك تحالفاته في المنطقة، وإذا رُفعت العقوبات الاقتصادية عن إيران، وهي دولة مصدّرة للنفط، فإن حلفاءها سينتعشون اقتصاديا أيضا، وقد يزداد نفوذهم مجددا في دولهم.

إزاء سيناريو كهذا، فإنه من غير المتوقع أن تجلس إسرائيل مكتوفة الأيدي. وهي لن تهاجم إيران بوجود اتفاق نووي جديد أو مفاوضات حوله، لكنها قد تلجأ إلى حملات إعلامية وحملات سياسية - دبلوماسية ضد الاتفاق النووي، والعودة مجددا إلى اتهام إيران بأنها تطور سرا برنامجا نوويا عسكريا بهدف القضاء على إسرائيل. ويبدو حاليا أن إسرائيل ستواصل غاراتها في لبنان واليمن في موازاة تصعيد حربها على غزة.

في هذا السياق، هدد وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس في بيان، الأربعاء، بأن "الحوثيين سيتلقون من إسرائيل ضربات شديدة إذا استمروا بإطلاق الصواريخ باتجاهنا، والجيش الإسرائيلي جاهز لأي مهمة". وأضاف أنه "أحذر القيادة الإيرانية التي تموّل وتسلح وتستخدم منظمة الإرهابيين الحوثيين، من أن أسلوب الوكلاء انتهى ومحور الشر انهار. وأنتم تتحملون المسؤولية المباشرة. وما فعلناه مع حزب الله في بيروت، ومع حماس في غزة، ومع الأسد في دمشق ومع الحوثيين في اليمن، سنفعله معكم في طهران. ولن نسمح لأي جهة أن تستهدف إسرائيل، ومن يستهدفنا سنستهدفه بشدة".

التعليقات