نتنياهو قد يلتزم بوقف إطلاق نار محدود زمنيًّا وليس بإنهاء الحرب

* سموتريتش لن ينسحب من الحكومة في حال وقف إطلاق نار لستين يومًا وتبادل أسرى، لكن إنهاء الحرب سيجعله ينسحب مع بن غفير وإسقاط الحكومة * إرهاب المستوطنين باسم دولة إسرائيل وبتكليف منها * تهديدات باستئناف الحرب ضد إيران...

نتنياهو قد يلتزم بوقف إطلاق نار محدود زمنيًّا وليس بإنهاء الحرب

مظاهرة في تل أبيب تطالب بوقف الحرب وتبادل أسرى (Getty Images)

يجري التداول في هذه الأثناء في مقترح جديد لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين إسرائيل وحماس، الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، أمس الخميس، ويقضي بوقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا، وتبادل الأسرى يمتد على خمس دفعات خلال وقف إطلاق النار.

حسب المقترح، تفرج حماس في اليوم الأول عن 8 أسرى إسرائيليين، وفي اليوم الخمسين عن أسيرين. وتحرر جثث 18 أسيرًا إسرائيليًا في ثلاث دفعات. أي أنه سيبقى لدى حماس 10 أسرى أحياء و12 أموات. وفي هذه الدفعات الخمس، تفرج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين، ليس معروفًا عددهم وسنوات أسرهم. وخلال وقف إطلاق النار، ستتم زيادة المساعدات الإنسانية التي ستدخل إلى القطاع، وهذا البند بدون تفاصيل معلنة أيضًا، من حيث الكميات ونوعية المواد الغذائية.

لكن هذا المقترح مختلف عن المقترح الذي قدّمه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، في أيار/مايو، وبموجبه يتم تبادل الأسرى في دفعتين في الأسبوع الأول من وقف إطلاق النار. وليس واضحًا سبب تمديد دفعات تبادل الأسرى من دفعتين خلال أسبوع إلى خمس دفعات خلال فترة وقف إطلاق النار.

إسرائيل لا تزال ترفض وقف الحرب على غزة، وحماس اشترطت، حتى الآن، موافقتها على مقترح كهذا بإنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة. ونقلت صحيفة "هآرتس"، أمس، عن مصدر إسرائيلي قوله إن المقترح الأخير لا ينصّ بوضوح على أن إسرائيل تعتزم إنهاء الحرب، وادّعى أنه "توجد فيه ضمانات قوية للغاية بهذا الخصوص".

الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تحدّث في الفترة الأخيرة عن إنهاء الحرب على غزة. ويحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أن يلمّح إلى أنه معني باتفاق تبادل أسرى، ربما لأنه سيلتقي ترامب، الأسبوع المقبل، أو أنه يوحي بذلك للجمهور الإسرائيلي في ظل الحديث عن تبكير محتمل لانتخابات عامة للكنيست.

لكن نتنياهو صرّح، أمس، أنه "أعلن أمامكم أنه لن تكون هناك حماس. لن تكون هناك حماستان. لن نعود إلى هذا. انتهى. سنحرر جميع مخطوفينا". وتطرّق إلى هدفي إسرائيل المعلنين للحرب، وهما القضاء على حماس واستعادة الأسرى، معتبرًا أنه "كيف يمكن القول إن ’هذين هدفين متناقضين’؟ هذا هراء. هذا (الهدفان) سينجحان معًا، وسنكمل هذا معًا. وخلافًا لما يقولون، سنقضي عليهم بالكامل".
ربما يوجّه نتنياهو كلامه إلى الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين يعارضان وقف الحرب.

تشير التقديرات في إسرائيل إلى أن حكومة نتنياهو لن تكون مهدّدة بالسقوط، وإنما قد يتكرر سيناريو وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، في كانون الثاني/يناير الماضي، عندما انسحب بن غفير من الحكومة، ثم عاد إليها بعد استئناف الحرب، في 18 آذار/مارس. وبالنسبة لسموتريتش، فإنه إذا اقتنع بأن وقف إطلاق النار سيكون لشهرين، ويتم الإفراج عن أسرى إسرائيليين خلالهما، لن ينسحب من الحكومة. لكن إذا تبين له أن الحرب انتهت، فإنه لن يبقى في الحكومة، وبذلك ستسقط، لأنه لن تكون هناك أغلبية داعمة لها في الكنيست.

تُظهر جميع الاستطلاعات أن أحزاب الائتلاف لن تحصل مجتمعة على أغلبية في الكنيست تمكّن نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة. ورغم أنه قد تكون هناك تحالفات جديدة مختلفة عن الحالية بعد الانتخابات المقبلة، لكن أخذ ذلك بالحسبان سيكون مغامرة بالنسبة لنتنياهو. لذلك سيصرّ على إبقاء تحالفاته الحالية مع أحزاب ائتلافه على حالها، ما يعني أنه قد يتجه إلى اتفاق وقف إطلاق نار محدود زمنيًّا بستين يومًا وتبادل أسرى، لكنه سيرفض إنهاء الحرب.

هذا يعني أن نتنياهو سيواصل جرائم الإبادة الشاملة ضد الفلسطينيين في غزة، التي أسفرت حتى الآن عن استشهاد أكثر من 57 ألفًا، إضافة إلى عدد غير معروف من الشهداء الذين لا تشملهم الإحصاءات الرسمية، لكن يُقدَّر عددهم بحوالي عشرين ألفًا أخرى، وأسفرت عن 134 ألف جريح، ودمار رهيب وشامل في القطاع.

أعلن ترامب أنه سيكون حازمًا مع نتنياهو، خلال لقائهما في البيت الأبيض الأسبوع المقبل. لكن ليس واضحًا ماذا يقصد بالحزم. فخلال لقائهما السابق، في نيسان/أبريل، أعلن ترامب أنه سيدخل في مفاوضات مباشرة مع إيران حول اتفاق نووي جديد، فيما ظهر نتنياهو كمن أُصيب بصدمة. وتبيّن لاحقًا أنهما اتفقا على مهاجمة إيران، أو على الأقل أن ترامب منحه ضوءًا أخضر لمهاجمة إيران.

وهناك اعتقاد سائد في إسرائيل، مفاده أن ترامب سيملّ بسرعة من مطالبة إسرائيل بوقف الحرب على غزة، في حال استئنافها بعد هدنة مقبلة، وسيغادر هذا الملف، خاصة إذا اعتقد أنه لا يؤثر مباشرة على أمن واقتصاد الولايات المتحدة. وعموما، الولايات المتحدة لا تمارس ضغوطًا على إسرائيل بكل ما يتعلق بعدوانها على الفلسطينيين.

الإرهاب باسم دولة إسرائيل

يوجد إجماع في إسرائيل على منع قيام دولة فلسطينية. والغالبية العظمى من الأحزاب الإسرائيلية تؤيد استمرار الاحتلال في الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان فيها. وبناء على ذلك، تنفّذ إسرائيل مخطّطاتها في هذا الاتجاه، وتضع مخططات لتهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين إلى الخارج.

جنود إسرائيليّون على حاجز في الخليل (getty)

الجيش الإسرائيلي ينفّذ هذه السياسة. وهو يقتل ويقمع ويسجن الفلسطينيين، ويضيّق مساحات عيشهم ويقيّد حريتهم في الحركة والتنقل، ويصادر الأراضي بملكية خاصة وعامة، لصالح توسيع المستوطنات وإقامة أخرى جديدة، ويمنع التطوير في جميع المجالات ليحاصر الفلسطينيين في جيوب، يعزلها عن بعضها أحيانًا.

إلا أن هذه الممارسات، بالنسبة لإسرائيل، ليست كافية. فجيشها يمتنع عن السيطرة على أراضٍ بدون قرار رسمي، ترافقه ذرائع كاذبة وعنصرية. وجيشها لا يقتحم بلدة فلسطينية ويلقي الحجارة على سكانها ويحرق بيوتًا وسيارات، كي لا يثير الرأي العام الدولي ضد إسرائيل، مثلما هو حاصل في حرب الإبادة على غزة.

هذه المهمات تنفّذها مجموعات إرهابية بتكليف من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، الجيش والشرطة والشاباك، وباسم دولة إسرائيل.
وتتكاثر هذه المجموعات الإرهابية غالبًا في عشرات كثيرة من الزرائب على شكل بؤر استيطانية، توصف بأنها عشوائية لأن إقامتها لم تكن بقرار السلطات الإسرائيلية، لكن قوات الجيش تحرسها، والحكومة تنفّذ إجراءات "قانونية" رسمية لتحويلها إلى مستوطنات عادية "شرعية" بنظر إسرائيل فقط لا غير.

وأفادت تقارير كثيرة نشرتها الصحف الإسرائيلية إلى أن المستوطنين في هذه الزرائب، الذين ينشطون في حركات مثل "شبيبة التلال"، هم شبّان أو فتية وُلدوا في عائلات فقيرة ومستوى اجتماعي متدنٍ، وتسربوا من المدارس، وقسم منهم جانحون. وهم يشعرون بالأساس، وبحق، أنهم بعيدون عن حكم القانون. ولذلك وجدوا في الزرائب الاستيطانية التي يرعاها الاحتلال متنفسًا.

"شبيبة التلال" وغيرهم من المجموعات الإرهابية الإسرائيلية في المستوطنات يتصرّفون كقطيع خلال اعتداءاتهم على الفلسطينيين، ولا يتورّعون عن فعل أي شيء، ولا حتى عن مهاجمة جنود إسرائيليين. وفي هذه الحالة فقط، تُثار ضجة في إسرائيل، مثلما حدث في نهاية الأسبوع الماضي.

بعد توليه منصب وزير الأمن، في نهاية العام الماضي، قرر يسرائيل كاتس إلغاء فرض الاعتقال الإداري على المستوطنين الإرهابيين، علمًا أن هذه العقوبة طالت عددًا قليلًا جدًا، لا يتجاوز عشرة إرهابيين، منذ بداية الاحتلال. كما أن الشرطة تتساهل معهم بشكل كبير وتمتنع عن اعتقالهم. ويدّعي الشاباك أنه يشمل وحدة خاصة "لمكافحة الإرهاب اليهودي"، إلا أن هذه الوحدة لم تمنع الهجمات الإرهابية المتكررة على الفلسطينيين، وحتى أنها لم تمنع اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، يتسحاق رابين، بسبب توقيعه على اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين.

في أعقاب هجوم "شبيبة التلال" على قوة في الجيش الإسرائيلي، نهاية الأسبوع الماضي، عقد كاتس مداولات بمشاركة قائد القيادة الوسطى للجيش الإسرائيلي، المسؤولة عن الضفة الغربية، وضباط في الشرطة والشاباك، وقرّر خلالها بشكل مخادع تشكيل هيئة، تبيّن أنها موجودة منذ سنين.

كذلك قرر تكليف الشرطة بالأساس بالاعتناء بجرائم "شبيبة التلال"، رغم علمه أن الشرطة تمتنع عن التحقيق معهم بإيعاز من وزيرها، إيتمار بن غفير.

وأوعز كاتس، خلال المداولات، بتخصيص وسائل وميزانيات بعشرات ملايين الشواقل لتمويل أنشطة اجتماعية لصالح "شبيبة التلال"، بالتعاون مع قادة المستوطنين، بادّعاء "دمج أبناء الشبيبة في أطر تربوية وطبيعية تُبعدهم عن أنشطة غير قانونية".

إسرائيل تهدد باستئناف الحرب ضد إيران

تهدّد إسرائيل باستئناف الحرب على إيران، بعد عدة أيام من وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه ترامب ودخل حيز التنفيذ في 24 حزيران/يونيو الفائت. ويبدو أن إسرائيل تعتبر أنه سيكون بإمكانها شن غارات في إيران، بادّعاء أن أجواء إيران مفتوحة أمام طائراتها، مثل الغارات المتواصلة التي تشنّها في لبنان.

غارات إسرائيليّة على طهران (getty)

وهدد كاتس، يوم الجمعة الماضي، في منشور في منصة "إكس"، بأن "عملية ’الأسد الصاعد’ كانت مقدمة وحسب للسياسة الإسرائيلية الجديدة"، وأنه "فتحنا سماء طهران أمام غارات سلاح الجو، ودمرنا منظومات الدفاع الجوي، ونظام إنتاج الصواريخ، واستهدفنا منصات إطلاق الصواريخ بشدة، وصفّينا القيادة الأمنية والعلماء الذين يقودون تطوير البرنامج النووي".

وأضاف كاتس أنه "أوعزت للجيش الإسرائيلي بتجهيز خطة إنفاذ ضد إيران، تشمل الحفاظ على تفوّق جوي إسرائيلي، منع تقدم نووي وإنتاج صواريخ، وتجهيز ردّ ضد إيران جراء دعم نشاط إرهابي ضد دولة إسرائيل. وسنعمل بشكل دائم على إحباط تهديدات من هذا النوع".

وقال مدير عام وزارة الأمن الإسرائيلية، أمير برعام، إن "على دولة إسرائيل تنفيذ حملة تسلّح"، وأن "سباق التسلّح للمواجهة القادمة مع إيران بدأ".

ويعتزم نتنياهو أن يطلب من ترامب، خلال لقائهما الأسبوع المقبل، ضمانات بشأن "ضوء أخضر" لهجوم إسرائيلي جديد ضد إيران. وذكرت الإذاعة العامة الإسرائيلية "كان"، أول من أمس، أن نتنياهو سيدّعي أن إسرائيل تريد ضمانات كهذه في حال رُصد أن إيران تعمل على تطوير برنامجها النووي، وأنه سيطالب بأن تكون ضمانات كهذه من خلال رسالة أميركية رسمية.

التعليقات