عملية أفيفيم: "الحروب الجديدة تستهدف الوعي"

اعتبر خبراء أمنيون إسرائيليون أن إيحاء الجيش الإسرائيلي بأنه ينقل جنودا جرحى إلى المستشفى بمروحية عسكرية، إثر عملية أفيفيم، كان يهدف إلى وقف حزب الله إطلاق النار، لكن ليس بإمكان الجيش مطالبة المستشفى أو الأطباء بالكذب لأنه لم يسقط جرحى

عملية أفيفيم:

هبوط المروحية المستخدمة بالتضليل في مستشفى رمبام (أ.ف.ب.)

أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفذ عملية تضليل، في أعقاب عملية أفيفيم، عصر يوم الأحد الماضي، عندما نقل جنديا من الموقع الذي استهدفه حزب الله إلى مستشفى "رمبام" في حيفا، لجعل حزب الله يعتقد أنه أصاب الجندي. وأثار إعلان الجيش الإسرائيلي ضجة، واتهم المرشح الثاني في حزب "كاحول لافان"، يائير لبيد، رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بأنه استغل عملية التضليل ودفع للإعلان عنها، من أجل "كسب نقاط" في انتخابات الكنيست التي ستجري بعد أسبوعين.

وقال الخبير في الحرب النفسية في جامعة مستوطنة "أريئيل"، الدكتور رون شلايفر، لصحيفة "معاريف"، إن عملية التضليل هذه "تضع تحديا أمام الفصل التقليدي بين التضليل والحرب النفسية. ففي التضليل نسعى إلى تضليل صناع القرار لدى العدو، بينما في الحرب النفسية موجهة إلى جمهور الهدف كله من أجل دفع أهداف الحرب. وما حدث كان باتجاه التضليل. والحرب النفسية استخدمها حزب الله، الذي قال إننا سنبقى متأهبين طوال الوقت الذي يريده. وقضية غلعاد شاليط، على سبيل المثال، كانت حربا نفسية مارستها حماس وقد مزقتنا قطعا طوال خمس سنوات" بقي فيها شاليط في أسر الحركة في قطاع غزة.

"الحروب الجديدة في العالم، الآن، هي حروب الأفكار. ويمكن مشاهدة ذلك في ما يفعله الروس في جميع دول أوروبا وفي الولايات المتحدة. ونحن جزء من هذه اللعبة".

وأضاف شلايفر أن "التضليل والحرب النفسية هما عقيدتان مختلفتان، لكنهما متطابقتان من حيث استخدام علم النفس. وسياسة الجيش الإسرائيلي هي استخدام الحرب النفسية بشكل متحفظ جدا، وهذا خطأ برأيي. ويفترض استخدام ذلك طوال الوقت، لكن ثمة خوفا عميقا جدا بأن الحرب النفسية مرتبطة بأنظمة شمولية... وعدم استخدام الحرب النفسية مرتبط بتراث الجيش الإسرائيلي منذ تأسيسه. وهذا خطأ فادح لأننا نستخدم النار والحديد بدل المشاعر. وبالنار والحديد أنت تديم الصراع إلى أحفاد وأولاد أحفاد الذين قُتلوا بها، وخسارة أن الأمر بهذا الشكل. بينما تكلفة الحرب النفسية أرخص بكثير من حيث إنتاجها واستخدامها".   

واعتبر شلايفر أن "الحرب النفسية ليست عنيفة. بينما بالتضليل يتم استخدام العنف أحيانا، من خلال شن هجوم. ويوجد هنا فرق كبير جدا، لكن هذا في المستوى الأكاديمي. وكانت هناك عدة حالات في تاريخ الجيش الإسرائيلي التي استخدمت فيها الحرب النفسية، في حربي لبنان الأولى والثانية على سبيل المثال، وكذلك في العمليات العسكرية المتكررة في غزة. لكن في معظم هذه الحالات، كان الهدف الدفع نحو سلوك معين".

جندي إسرائيلي يتفحص شظايا القذيفة التي أطلقها حزب الله (أ.ب.)

وأورد شلايفر مثالا على ذلك، وقال إنه "في إحدى العمليات العسكرية في غزة، بث الجيش الإسرائيلي تقريرا في قناة تلفزيونية تابعة لحماس، وجاء فيه أن ناشطي حماس ينهبون المساعدات الإنسانية ويوزعونها على المقربين منهم فقط. لكن هذا كان بهدف جعل الفلسطينيين يكرهون حماس ولم يكن هناك هدفا محددا وآنيا. والحرب النفسية تدعم الحرب العادية. وكلما انخفضت قوة الحرب، يرتفع وزن الحرب النفسية. لكن بشكل عام، الجانب الضعيف يستخدم الحرب النفسية".   

التضليل ينكشف دائما

قال رئيس برنامج السايبر في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، البروفيسور غابي سيبوني، إن "جزءا من تعليم الضباط في الجيش، وجزءا من معرفتهم المهنية، هو خداع قدر الإمكان كي تكون العملية العسكرية أسهل. وما شاهدناه يوم الأحد الماضي كان عملية تضليل".

وحول إحداث عملية التضليل ضرر، اعتبر سيبوني أنه "لا ينبغي المبالغة. ولا يمكن منع الكشف، ففي نهاية الأمر ينكشف كل شيء. ويوجد لذلك سياق عملاني محدد، ويبدو أنه في السياق المهني فكّر الضباط بأن هذا حقق النتيجة. ومن الصعب جدا الحفاظ على ذلك (سرية عملية التضليل) إلى الأبد".

وحسب رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، يوسي كوبرفاسر، فإن "التضليل غايته منع المس بجنود الجيش الإسرائيلي على ضوء الإدراك أن حزب الله سيبذل جهدا للمس بهم. وعملية التضليل حققت هدفها العسكري في جميع الأحوال. وقد نفذ حزب الله العملية من دون سقوط إصابات عندنا. والسؤال هو ما إذا بالإمكان كشف التضليل. وأعتقد أنه لم يكن هناك خيار في هذه الحالة. فقد أعلن حزب الله أنه ضرب سيارة عسكرية. ولا مفر من القول إنه حدث تضليل، وإلا فإن الكثير من اقارب الجنود كانوا سيقلقون حيال سلامة أعزائهم، وأن يسود الانطباع وكأن حزب الله حقق غايته وهناك خسائر إسرائيلية".

دخان قذائف أطلقها الجيش الإسرائيلي بعد عملية أفيفيم (أ.ب.)

حروب المستقبل

لفت المتحدث الأسبق باسم الجيش الإسرائيلي، أفي بنياهو، إلى أن "الخطأ الوحيد الذي ارتكبه الجيش الإسرائيلي هو أن الطائرة المروحية التي حلقت من افيفيم كان يجب أن تهبط في المدرسة التكنولوجية التابعة لسلاح الجو (قرب حيفا) وليس في مستشفى رمبام. لأنه منذ هبوطها في المستشفى، سيسأل المراسلون عن وضع الجرحى، وليس بإمكان المستشفى أن يكذب. ولا يمكن القول للمستشفى أن يكذب. لذلك كان هناك خطأ في ترجيح الرأي، وحتى إهمال في قصة التغطية".

وقال الباحث في مجال الوعي في "معهد أبحاث الأمن القومي"، دافيد سيمان طوف، أن "هذه كانت عملية تضليل تكتيكية، أرادوا منها جعل حزب الله يعتقد أن جنديا قد أصيب ودفعه إلى التوقف عن إطلاق النار. والنشر عن التضليل يهدف إلى جعل الجمهور الإسرائيلي الاستمرار في تصديق المؤسسة، الناطق العسكري، لأنه لن يخرج أي طبيب ويقول إنه يوجد مصابون هنا. وبعدها تنتشر شائعات بأن حزب الله صوّر ذلك، وسنعتبر كاذبين. وبرأيي أن كشف التضليل لم يكن خطأ. التضليل التكتيكي خدم فترة معينة، مدتها ساعتان".  

وأضاف سيمان طوف أن "الحروب الجديدة في العالم، الآن، هي حروب الأفكار. ويمكن مشاهدة ذلك في ما يفعله الروس في جميع دول أوروبا وفي الولايات المتحدة. ونحن جزء من هذه اللعبة. ويفعلون ذلك من داخل ميدان القتال أيضا، لكن الأهم أنه يتم فعل ذلك من خارجه. فالشبكات الاجتماعية والتكنولوجيا تسمح بفعل أمور كثير. لذلك فإن مشهدا يتم فيه أخذ سيارة، ووضع دمية فيها، هو شيء يعود إلى الماضي. لكن هذا ليس المستقبل".

وحول حروب المستقبل، قال سيمان طوف إنه "أبحث في الحرب الجديدة: الحرب على الوعي. وأنا أرى أن الأمر المهم موجود هناك. وهذا أيضا وعي جماهير الهدف التي تريد التأثير عليها. نحن نريد التأثير على الفلسطينيين، اللبنانيين، وكذلك على تنظيمات عينية مثل حزب الله. وأنت تريد أن تجعل الجمهور الدولي مؤيدا لإسرائيل، وكذلك الإسرائيليين هم جمهور هدف. وجميع هذه الجماهير مرتبطة ببعضها".

التعليقات