دخلت الولايات المتحدة مرحلة جديدة من التوترات الاقتصادية مع إعلان وزارة التجارة الأميركية عن وصول العجز التجاري إلى مستوى قياسي بلغ 140.5 مليار دولار في مارس/آذار 2025، في وقت يشهد فيه الاقتصاد الأميركي انكماشًا لأول مرة منذ ثلاث سنوات. هذا التطور المقلق أثار مخاوف واسعة في الأوساط الاقتصادية من احتمالية دخول أكبر اقتصاد في العالم في حالة ركود خلال الأشهر المقبلة.
وارتفعت الواردات الأميركية بنسبة 4.4% لتصل إلى 419 مليار دولار، مدفوعة بزيادة حادة في الطلب على السلع الاستهلاكية، لا سيّما الأدوية والأجهزة الإلكترونية والسلع الرأسمالية والمركبات.
هذه القفزة الكبيرة تعود في جزء منها إلى مسارعة الشركات الأميركية إلى استيراد ما يمكنها قبل دخول الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب حيّز التنفيذ، وهي رسوم تهدف رسميًا إلى إعادة التوازن التجاري مع الخارج، لكنها عمليًا أدّت إلى زعزعة الاستقرار قصير المدى في السوق الأميركية.
وفي المقابل، نمت الصادرات الأميركية بنسبة ضئيلة لم تتجاوز 0.2%، لتصل إلى 278.5 مليار دولار، ما عمّق الفجوة التجارية.
وبحسب مكتب التحليل الاقتصادي، فقد أدى العجز التجاري إلى خصم حوالي 4.83 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وساهم بذلك في الانكماش المسجل بنسبة 0.3% في الربع الأول من 2025. هذا الانكماش يُعد الأول منذ بداية عام 2022، وهو ما زاد من مخاوف المستثمرين وصنّاع القرار على حد سواء.
وعلى الرغم من محاولات إدارة ترامب تسويق الرسوم الجمركية كوسيلة لتعزيز قطاع التصنيع الأميركي وحماية الوظائف، إلّا أن خبراء الاقتصاد ينظرون إلى الصورة بشكل أكثر تشاؤمًا.
ووفقًا لتقديرات نشرها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، فإن الرسوم الجمركية على السلع القادمة من الصين وأوروبا قد تؤدي إلى خسائر تصل إلى نصف نقطة مئوية في الناتج المحلي الإجمالي السنوي إذا استمر التصعيد الحالي.
وإلى جانب العجز التجاري، تتراكم التحديات الداخلية، إذ أظهرت بيانات مقلقة تراجع ثقة المستهلكين، وانخفاض مبيعات التجزئة، وبطء في نمو الوظائف. ففي أبريل/نيسان، أضاف الاقتصاد الأميركي 62 ألف وظيفة فقط، وهو أضعف رقم منذ يوليو/تموز الماضي، ما يعكس تباطؤًا واضحًا في سوق العمل.
وفي ظل هذا المشهد، تزداد صعوبة مهمة الاحتياطي الفيدرالي، الذي يجد نفسه عالقًا بين ضغوط كبح التضخم الذي ارتفع إلى 3.5% في الربع الأول، وبين الحاجة إلى دعم النمو الاقتصادي ومنع الاقتصاد من الانزلاق إلى ركود محتمل.
وبحسب الخبير الاقتصادي مارك زاندي من وكالة موديز أناليتكس، فإن الاحتياطي الفيدرالي ربما يضطر قريبًا إلى تجميد خططه لرفع أسعار الفائدة أو حتى التفكير في تخفيضها، وهو سيناريو لم يكن مطروحًا على الطاولة قبل أشهر قليلة فقط.
ووسط هذه التحديات، تراقب الأسواق المالية الوضع عن كثب، حيث شهدت مؤشرات الأسهم الأميركية تقلبات حادة خلال الأسابيع الماضية، بينما بدأ الدولار يفقد بعض مكاسبه أمام العملات الرئيسية. كما تواجه الشركات متعددة الجنسيات صعوبات في إدارة سلاسل التوريد، وسط تعطل عمليات الشحن وارتفاع التكاليف.
التعليقات