قال أجوستين كارستنز، المدير العام لبنك التسويات الدولية، يوم الثلاثاء، إن على الحكومات في مختلف أنحاء العالم التحرّك العاجل لكبح ما وصفه بـ"الارتفاع المستمر" في مستويات الدَين العام، محذرًا من أن ارتفاع أسعار الفائدة يجعل المسارات المالية لبعض الدول غير قابلة للاستمرار على المدى المتوسط.
وأوضح كارستنز، في كلمة ألقاها خلال مؤتمر استضافه بنك اليابان المركزي في طوكيو، أن العجوزات المالية الضخمة ومستويات الدين المرتفعة بدت لفترة من الزمن مقبولة، بفضل بقاء أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة منذ الأزمة المالية العالمية. غير أن هذه الظروف، وفقًا له، سمحت لصنّاع القرار بتجنّب خيارات اقتصادية صعبة مثل تقليص الإنفاق العام أو رفع الضرائب.
وقال كارستنز: "أيام أسعار الفائدة المنخفضة للغاية قد ولت. أمام السلطات المالية نافذة ضيقة لترتيب أوضاعها قبل أن تبدأ ثقة الجمهور في التزاماتها في التلاشي".
وأضاف: "بدأت الأسواق تستيقظ بالفعل على حقيقة أن بعض المسارات ليست مُستدامة"، محذرًا من أن الأسواق المالية قد تعاني فجأة من عدم الاستقرار في مواجهة الاختلالات الكبيرة.
وأردف: "لهذا السبب يجب أن يبدأ ضبط أوضاع المالية العامة في العديد من الاقتصادات الآن".
وجاءت هذه التصريحات عقب الارتفاعات المتواصلة في عوائد السندات في كل من الولايات المتحدة واليابان وأوروبا، مدفوعة بتوقّعات أن هذه الدول ستزيد من إنفاقها الحكومي، بتمويل مباشر من خلال الدين العام.
وأشار كارستنز إلى أن التخلف عن سداد الدين العام ليس مجرّد أزمة مالية محلية، بل تهديد مباشر للنظام المالي العالمي، لافتًا إلى أن مثل هذا السيناريو قد يضطر البنوك المركزية إلى تمويل عجز الحكومات، وهو ما يخلق ضغوطًا تضخمية ويؤدي إلى تراجع حاد في قيمة العملات المحلية.
وأضاف: "ستكون النتيجة ارتفاع التضخم وانخفاضاً حاداً في أسعار الصرف. وفي ضوء هذه الاعتبارات، من الضروري أن تعمل السلطات المالية على كبح جماح الارتفاع المستمر في الدَين العام".
ويأتي هذا التحذير في وقت تتزايد فيه الضغوط على المالية العامة للعديد من الدول، مع ارتفاع كلفة التقاعد الناتجة عن شيخوخة السكان، واحتياجات الإنفاق المرتبطة بتغيّر المناخ والدفاع.
وتابع كارستنز: "يجب أن توفر السلطات المالية مساراً شفافاً وموثوقاً لحماية الملاءة المالية، مدعوماً بأطر مالية أقوى. ويجب عليها بعد ذلك أن تفي بالتزاماتها".
وفيما يخص السياسة النقدية، شدّد كارستنز على ضرورة تعديل توقعات الأسواق بشأن دور البنوك المركزية في ضبط التضخم، قائلاً: "ينبغي عدم توقع أن تعمل البنوك المركزية على استقرار التضخم في آفاق قصيرة جداً وضمن نطاقات ضيقة".
وأضاف: "هذا مهم للغاية لأن التضخم، مثلما أظهرت الأحداث الأخيرة، سيعتمد على عوامل بعضها يخضع لسيطرة البنوك المركزية".
وتأتي هذه التصريحات في أعقاب تقرير أصدره "معهد التمويل الدولي" هذا الشهر، كشف فيه عن ارتفاع الديون العالمية بنحو 7.5 تريليون دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، لتصل إلى مستوى قياسي تجاوز 324 تريليون دولار.
ووفق التقرير المعنون "مرصد الدَين العالمي"، فقد ساهمت الصين وفرنسا وألمانيا بالنصيب الأكبر من هذه الزيادة، في حين تراجعت مستويات الدين في كل من كندا والإمارات وتركيا. كما ساهم الانخفاض الحاد في قيمة الدولار الأميركي أمام سلة من العملات العالمية في رفع القيمة الدولارية للديون المقوّمة بعملات أجنبية.
وسجّل إجمالي الديون في الأسواق الناشئة ارتفاعًا بأكثر من 3.5 تريليون دولار خلال نفس الفترة، ليصل إلى 106 تريليونات دولار، منها أكثر من تريليوني دولار تمثل مساهمة الصين وحدها. وبلغت نسبة الدَين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين 93%، مع توقّعات بتجاوزها 100% قبل نهاية العام.
أما الأسواق الناشئة الأخرى، مثل البرازيل والهند وبولندا، فقد شهدت أيضًا زيادات غير مسبوقة في ديونها المقوّمة بالدولار. ورغم ذلك، أظهرت بيانات المعهد أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي في هذه الدول (باستثناء الصين) تراجعت إلى أقل من 180%، وهو ما يمثل انخفاضًا بنحو 15 نقطة مئوية عن أعلى مستوى سُجّل في السابق.
ووفق التقرير، تواجه الأسواق الناشئة تحديًا ماليًا هائلًا خلال ما تبقى من عام 2025، حيث يتعيّن عليها سداد ديون تبلغ قيمتها نحو 7 تريليونات دولار، في حين تواجه الاقتصادات المتقدمة التزامًا أكبر يصل إلى 19 تريليون دولار في استحقاقات الدين.
ويشير هذا المشهد المالي إلى مرحلة دقيقة في الاقتصاد العالمي، يتعين فيها على الحكومات الموازنة بين الحاجة إلى الإنفاق والتحفيز، ومخاطر استمرار الاعتماد على الدين العام في بيئة من أسعار الفائدة المرتفعة.
التعليقات