شهدت الأسواق المالية تحوّلًا لافتًا خلال الأيام الأخيرة، مع إعلان عدد متزايد من الشركات العامة عن تبنّي ما يُعرف باستراتيجيات "الخزانة بالبيتكوين"، والتي تقوم على تخصيص جزء من الاحتياطات النقدية للشركة للاستثمار المباشر في عملة البيتكوين الرقمية. ويأتي هذا التوجه في سياق تغير المزاج التنظيمي عالميًا تجاه العملات الرقمية، وتزايد القناعة بقدرتها على لعب دور استثماري مماثل للذهب في الأزمات.
وتعد شركة "مايكرو إستراتيجي" الأميركية، الرائدة في هذا المسار، نموذجًا ملهمًا بعد أن حققت مكاسب تزيد عن 3000% منذ بدأت استثمارها في البيتكوين عام 2020. ويبدو أن هذا النجاح شجّع شركات أخرى من خارج القطاع التقني على اتخاذ خطوات مماثلة، حيث أشار تقرير لوكالة رويترزإلى أن أكثر من 60 شركة عامة انضمت إلى هذا التوجّه، من بينها Trump Media & Technology Group، وSolarBank الكندية، وشركة Upexi التي تعتمد على شبكة "سولانا".
ويعكس هذا التوسع المتسارع تحوّلًا في عقلية مجالس إدارة الشركات، التي لم تعد تعتبر البيتكوين أصلًا مضاربًا فحسب، بل بات يُنظر إليه كخيار استراتيجي لتعزيز القيمة طويلة الأمد وتقوية مراكز الخزينة.
وبحسب التقرير، فقد أبرمت ثلاث جهات كبرى (SoftBank وTether وCantor Fitzgerald) شراكة استثمارية بلغت قيمتها 3.6 مليار دولار لدمج البيتكوين ضمن أصول الخزانة، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشرًا على بدء مرحلة جديدة من التمويل المؤسسي للعملات الرقمية.
ومع ذلك، لم تخلُ هذه الموجة من التحذيرات. فقد نبه عدد من المحللين الماليين إلى أن هذا النوع من التوجّه محفوف بالمخاطر، خصوصًا مع التقلبات الشديدة في أسعار البيتكوين. وأشار التقرير إلى أن انخفاض سعر البيتكوين إلى ما دون 90 ألف دولار قد يؤدي إلى خسائر كبيرة لما يقارب نصف هذه الشركات، مما يعيد للأذهان سيناريوهات الانهيارات السابقة في سوق العملات الرقمية.
ويعتقد أن المناخ التنظيمي في الولايات المتحدة، الذي أصبح أكثر تساهلًا نسبيًا خلال العام الحالي، ساهم في تسريع وتيرة اعتماد هذه الاستراتيجيات، خصوصًا مع ترقّب صدور قوانين جديدة تنظّم استخدام العملات المشفرة وتضبط عمل البورصات الرقمية.
وفي السياق ذاته، شدّد خبراء قانونيون على ضرورة قيام الشركات بوضع أطر محاسبية دقيقة عند إضافة الأصول الرقمية إلى ميزانياتها، خصوصًا أن البيتكوين لا يُصنّف في معظم الدول كأصل تقليدي، ما يجعل موازنته خاضعة لقواعد محاسبية مختلفة.
وتُظهر هذه الخطوة أن البيتكوين، التي وُلدت على هامش النظام المالي التقليدي، أصبحت اليوم تجد لها موطئ قدم في صميم قرارات الشركات الكبرى. وبينما يرى البعض في هذه الاستراتيجية قفزة نحو المستقبل، لا تزال هناك حاجة لتقييم دقيق لكل المخاطر والتحديات التي قد تطرأ مع أي تراجع كبير في السوق.
التعليقات