التهديد القادم: هل سيصمد تشفير الـ"بتكوين" أمام الحواسيب الكموميّة؟

تطبيق هذه الخوارزميات في بيتكوين ليس أمرًا بسيطًا، فالشبكة مبنية على توافق شديد الحساسية، وأي تغيير كبير في بنيتها يتطلب "تحديثًا جذريًا"...

التهديد القادم: هل سيصمد تشفير الـ

(Getty)

مع التقدّم المتسارع في تقنيات الحوسبة الكمومية، تتزايد المخاوف في الأوساط التقنية والمالية من إمكانية اختراق شبكة "بيتكوين"، العملة الرقمية الأكبر والأكثر استخدامًا عالميًا.

تحوّل هذا القلق إلى نقاش جاد بين المستثمرين، وخبراء التشفير، ومراكز البحث التي بدأت تدق ناقوس الخطر.

وتعتمد بيتكوين على خوارزمية ECDSA (التوقيع الرقمي باستخدام المنحنى الإهليلجي)، وهي خوارزمية توفر درجة عالية من الأمان في الحوسبة التقليدية، وتُستخدم لحماية مفاتيح المستخدمين الخاصة، التي تتيح لهم الوصول إلى أرصدتهم وتوقيع المعاملات.

وما يجعل هذه الخوارزمية آمنة حتى اليوم هو استحالة، من الناحية الحسابية، استخراج المفتاح الخاص من المفتاح العام خلال فترة زمنية معقولة باستخدام الحوسبة الكلاسيكية.

لكن الوضع قد يتغيّر جذريًا مع دخول الحوسبة الكمومية إلى ساحة التشفير، إذ بيّنت أبحاث حديثة أن خوارزمية "شور" الكمومية يمكنها، نظريًا، اختراق تشفير ECDSA خلال دقائق فقط إذا توفّرت آلة كمومية تحتوي على عدد كافٍ من "الكيوبتات" (الوحدات الأساسية في الحوسبة الكمومية).

وتشير تقديرات الخبراء إلى أن آلة تحتوي على حوالي مليون كيوبت فعّال ستكون قادرة على كسر الحماية، والوصول إلى مفاتيح بيتكوين الخاصة، وقرصنة ملايين المحافظ الرقمية.

وحتى الآن، لا تزال هذه القدرات بعيدة عن متناول الواقع. فأحدث أجهزة الحوسبة الكمومية، مثل الحاسوب "ويذرل" من شركة "غوغل"، تضم نحو 70 إلى 100 كيوبت فقط، وهي لا تزال تعاني من مشكلات جوهرية مثل الخطأ العالي والتداخل الكمي.

إلا أن وتيرة التطوّر في هذا المجال تُنذر بإمكانية تحقيق قفزات نوعية خلال العقد القادم، خصوصًا مع دخول شركات عملاقة مثل "آي بي إم" و"مايكروسوفت" و"غوغل" و"أمازون" إلى السباق، إلى جانب استثمارات ضخمة من حكومات مثل الصين والولايات المتحدة.

هذه التهديدات النظرية لم تعد مجرّد تخمينات، بل بدأت تجد طريقها إلى وثائق رسمية، إذ أيار/ مايو 2025، أدرجت شركة "بلاك روك"، أكبر مدير أصول في العالم، تحذيرًا في نشرة صندوق البيتكوين الفوري الخاص بها، أشارت فيه إلى أن "تطور الحوسبة الكمومية قد يؤدي إلى إضعاف أو اختراق آليات التشفير المستخدمة في شبكة بيتكوين".

واعتبرت الشركة أن هذه المخاطر، رغم كونها مستقبلية، يجب أن تؤخذ بجدية من قِبل المستثمرين والمطوّرين على حدّ سواء.

وفي تقرير صادر عن معهد "هدسون"، وهو أحد مراكز الأبحاث الرائدة في السياسات الرقمية، حُذّر من أن اختراق فعلي لشبكة بيتكوين سيؤدي إلى انهيار فوري في قيمتها السوقية، قد يتجاوز الثلاثة تريليونات دولار، ويؤثر بشكل مباشر على الثقة بالنظام المالي العالمي.

وأشار التقرير إلى أن المخاطر لا تتوقف عند سرقة الأرصدة، بل تشمل أيضًا فقدان الثقة الكلّية بالبنية التقنية للعملات الرقمية عمومًا، وهو ما قد يُدخل الأسواق في حالة من الذعر وسحب الاستثمارات.

وأمام هذا السيناريو الكارثي المحتمل، بدأ عدد من الخبراء والباحثين في التشفير الدفع باتجاه ما يُعرف بـ"التشفير ما بعد الكم"، وهي مجموعة من الخوارزميات الجديدة التي طُورت خصيصًا لتكون مقاومة للهجمات الكمومية.

واعتمد المعهد الوطني الأميركي للمعايير والتقنية (NIST) بعض هذه الخوارزميات بالفعل بعد سنوات من الاختبارات المكثفة.

وحسب خبراء، فإنّ تطبيق هذه الخوارزميات في بيتكوين ليس أمرًا بسيطًا، فالشبكة مبنية على توافق شديد الحساسية، وأي تغيير كبير في بنيتها يتطلب "تحديثًا جذريًا"، ما يعني تعديل الكود الأساسي وسلسلة الكتل نفسها.

وسيتطلب من المستخدمين نقل أرصدتهم من المحافظ القديمة إلى محافظ تستخدم التشفير الجديد المقاوم للكم. وإن لم يُنفّذ ذلك خلال فترة انتقالية محكمة، فإن مئات الآلاف من المحافظ، وبعضها يحتوي على أرصدة هائلة، ستكون عرضة للاختراق بمجرد ظهور حاسوب كمومي متقدم.

وقدّرت دراسة نشرت على موقع "arXiv" أن عملية تحديث الشبكة بالكامل إلى بنية ما بعد كمومية قد تستغرق نحو 76 يومًا من "تعطيل جزئي" في الشبكة، ما يعني أن المسألة ليست مجرد تبديل برمجي، بل عملية تقنية ومجتمعية ضخمة تتطلب تنسيقًا عالميًا بين المطورين، المعدّنين، منصات التداول، والمستخدمين النهائيين.

وفي هذا السياق، أطلقت بعض المبادرات المستقلة مشاريع تمويل جماعي، مثل "Project Eleven"، لتطوير أدوات نقل المحافظ وتحديث الشبكة بشكل تدريجي استعدادًا ليوم تُصبح فيه الحوسبة الكمومية حقيقة واقعة.

كما بدأت بعض بورصات العملات المشفرة دراسة إمكانية إنشاء محافظ جديدة مجهّزة بخوارزميات مقاومة للكم، تمهيدًا لاعتمادها بشكل رسمي حال ظهور الخطر الفعلي.

التعليقات