26/06/2018 - 13:16

محمد صلاح والابتزاز السياسي..

ولا شكّ أن شعبية صلاح جذبت إليه عناصر غير مرغوبة، مما اضطره للتخلي عن منتخب بلاده في هذه المرحلة المبكرة من عمره. فقد استغله قدريوف بشكل واضح، خلال إقامته في غروزني...

محمد صلاح والابتزاز السياسي..

(أ ب)

نشر هذا المقال في صحيفة "ذا إندبندنت" البريطانيّة، تحت عنوان: "إذا اعتزل محمد صلاح سيكون ذلك مؤلما له ولمشجعيه، لكنه الأمر الصحيح"


انتهى موسم كأس العالم بالنسبة للاعب المصري محمد صلاح، بعد أن أدهش مشجعيه بسرعته وذكائه وبراعته في اللعب مرّة أخرى. ما بدأ بهدفين سجلهما أثناء أول ظهور له مع نادي ليفربول الإنجليزي ضد واترفورد، تلاشى على أرض الملعب في مباراة منتخب بلاده مع السعودية، التي شكلت آخر حلقة في كأس عالم مُحبط لمصر.

وقد يكون خروج مصر من المرحلة الأولى من كأس العالم، بعد خسارتين أمام أورغواي والفريق المستضيف روسيا، ليس أسوأ ما مرّ به فريق الفراعنة لهذا الصيف، فتُفيد الإشاعات التي تتصاعد من معسكر الفريق في غروزني الروسية، بأن "الملك المصري" يتجهز لإعلان اعتزاله الرسمي من كرة القدم الدولية رغم أنه ما يزال يافعًا، وبحسب ما ورد فإن السبب الأساسي لذلك، أن صلاح قد سئم من استغلاله السياسي المستمر لغرض الدعاية من قبل حكومة بلاده وحكومات أخرى.

وتصاعدت الأسئلة مؤخرًا حول اختيار الحكومة المصرية للشيشان كقاعدة لفريقها في بطولة كأس العالم  في روسيا، المنطقة ذات الأغلبية المسلمة والتي "تتمتع" بحكم ذاتي، وتُعتبر مسرحًا لصراعين انفصاليين، وحكومة قمعية تدور شكوك حقيقة حول انتهاكها لحقوق الإنسان بشكل ممنهج، وخاصة تجاه المثليين.

ورسم رئيس الشيشان، رمضان قديروف، لنفسه صورة رجل قوي إقليميا بجدارة، فبالإضافة إلى سيطرته على النزاع الشيشاني، فقد لعب دورًا أساسيًا في تقوية العلاقات بين العالم الإسلامي وموسكو، فيما تصدرّت روسيا صراعات الشرق الأوسط (العالم العربي)، ووصل تدخل قدريوف إلى حد إرساله قوات أمن شيشانية إلى سورية.

وفي الوقت نفسه، ربما أصبح صلاح الشخصية المسلمة الأكثر شهرة وأكثر شعبية في العالم، وأجمع على حبه المصريين وعشاق كرة القدم في كل مكان، بسبب مهارته في مراقصة الكرة، ولتواضعه المُلفت، وتصرفاته الودودة. وحتى أنه تحول في مرحلة ما، إلى رمز للإسلام المعتدل السائد في أوروبا، بعد أن تعرضت القارة لهجمات من أشخاص ادعوا أنهم يمثلون الإسلام عام 2017.

ولا شكّ أن شعبية صلاح جذبت إليه عناصر غير مرغوبة، مما اضطره للتخلي عن منتخب بلاده في هذه المرحلة المبكرة من عمره. فقد استغله قدريوف بشكل واضح خلال إقامته في غروزني، عبر إشراكه بجولة في المدينة، ومنحه لقب "المواطنة الفخرية" خلال عشاء في نهاية الأسبوع الماضي.

ورغم منطقية استغلال السياسيين لرموز رياضية للترويج لأنفسهم، وانتهاجهم لهذه السياسة على مدار عقود طويلة منذ عهد زعيم الفاشية موسولوني، وحتى آخر الرؤساء البريطانيين، توني بلير، إلّا أن هذا لا يعني أنه يطيب لصلاح استغلاله بهذه الطريقة.

ويشير اختيار المنتخب المصري لمدينة غروزني الشيشانية للإقامة فيها أثناء ألعاب كأس العالم، و"تواطؤ" الإدارة الواضح في ترويج الصور التي جمعت صلاح بقدريوف، إلى أن هذه التصرفات ليست عشوائية، بل هي جزء من إستراتيجية سياسية مصريّة، تمامًا كالشيشانية.

ولم تكن هذه المرّة الأولى التي استغل بها اتحاد كرة القدم المصري شهرة صلاح، ففي وقت سابق من العام الحالي، انتقد صلاح عبر حسابه في موقع "تويتر"، استخدام اتحاد كرة القدم المصري لصورة له، للترويج لشركة اتصالات محلية باسم "وي"، رغم علم الاتحاد بأن صلاح مُلزم باتفاقية عقدها مع شركة "فودافون"، الأمر الذي هدد صفقته مع شركة الاتصالات العالمية.

وتراجع الاتحاد لاحقًا، عن الترويج لشركة الاتصالات "وي" باستغلال اسم صلاح، بسبب موجة ضخمة من استهجان مشجعيه المصريين، بالإضافة إلى خوف الإدارة من أن يتسبب ذلك بانسحاب صلاح من فريق المنتخب قُبيل كأس العالم.

وفي عام 2014، هُدد صلاح بإجباره على الخدمة العسكرية بعد أن تم إلغاء إعفائه منها بعد انتقاله للعب في نادي تشيلسي الإنجليزي. وأُخبر صلاح أيضًا، أن عائلته التي ما زالت تقطن في موطنه مصر، قد تُمنع من مغادرة البلاد في حال رفض الانصياع لهذه الأوامر.

وأعادت السلطات المصرية إعفاءه من الخدمة العسكرية، بعد أن ظهر في صورة تجمعه بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي قدم له "الشكر"، لتبرعه بمبلغ سخي جدًا للصندوق الحكومي الذي أُطلق خلال ذلك العام، "تحيا مصر".

ولم يكن صلاح أول لاعب كرة قدم مصري، يُعاني من خلاف مع الجهات السيادية المصرية، فقد سبقه إلى ذلك، محترف كرة القدم، "الشاب الذهبي"، محمد أبو تريكة، الذي اتهم بـ"الانتماء لجماعة محظورة" جماعة "الإخوان المسلمين"، ووضعته الحكومة المصرية على لوائحها للـ"إرهاب"، بعد مدّة قليلة من انتقاده للسيسي.

لطالما استُغلت كرة القدم في شؤون سياسية، ويُنتقد كأس العالم 2018 بشكل كبير، لاستخدام الحكومة الروسية له، في تلميع صورتها العالمية. ومع أن صلاح تعرض لانتقادات لاذعة لأفعاله في الشيشيان، وسيتعرض لانتقادات أكثر في حال اعتزل اللعب مع متخب بلاده، لكسره قلوب الملايين من أبناء شعبه، فإن أفعاله هذه في حال نبعت من تعرضّه لضغوطات سلطوية أجبرته على أن يكون أداة سياسية لمعتقدات لا يؤمن بها أو يدعهما، فإن ما الذي كان عليه فعله؟

اشتهر صلاح بشجاعته وتواضعه وخلقه، وفي حال أقدم على اعتزال كرة القدم الدولية، والخروج من المنتخب بهذا الشكل الاحتجاجي، متحديًا رغبات حكومة متسلطة كالحكومة المصرية، سيُعتبر أشجع بكثير من تصدّر لعبة كرّة قدم. وإن حدوث هذا الأمر سيؤلمه بشّدة. لكنه بالتأكيد سيقوم بخطوة صحيحة.

 

التعليقات