شنت إسرائيل فجر اليوم الجمعة سلسلة من الضربات الكبرى ضد إيران. وشملت الأهداف منشآت نووية إيرانية، ومواقع صاروخية، وعددًا من كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين. وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في خطاب متلفز، نجاح العملية. وفي هذه الأثناء، تعهّد المسؤولون الإيرانيون بالانتقام. ويستعد الزعماء في مختلف أنحاء المنطقة للاضطرابات.
ولكي نحصل على فهمٍ أفضل حول ما قد تعنيه الضربات الإسرائيلية، تحدّث محرّر مجلة الشؤون الخارجية (فورين أفيرز) دانيال بلوك مع دانيال شابيرو، الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط حتى كانون الثاني/ يناير الماضي، وكان مكلّفًا، من بين أمور أخرى، بدراسة السيناريوهات التي قد تتصاعد فيها التوترات بين إسرائيل وإيران إلى حرب شاملة، وإعداد الخيارات الأميركية للرد. ويشغل الآن منصب زميل متميّز في المجلس الأطلسي (Atlantic Council)، كما عمل سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل، ومديرًا أول لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي (National Security Council).
ما مدى أهمية هذه الهجمات؟ هل كانت الهجمات الإسرائيلية على إيران في شهري نيسان/ أبريل وتشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي أكثر خطورة؟
لم يُكشَف بعد عن المدى الكامل للضربات الإسرائيلية على إيران. ولكنها أكبر بكثير مما حققته إسرائيل في هجماتها في نيسان/ أبريل وتشرين الأول/ أكتوبر 2024. ومن الواضح بالفعل أن إسرائيل تمكّنت من ضرب مواقع نووية رئيسة، مثل منشأة نطنز للتخصيب، والمواقع المرتبطة بأبحاث الأسلحة المحتملة، ومواقع إطلاق الصواريخ الباليستية، والعديد من كبار قادة النظام والشخصيات المشاركة في البرنامج النووي الإيراني. وهذا أوسع بكثير مما توقّعه أيّ شخص تقريبًا.
ومع ظهور التفاصيل، فإنّ درجة اختراق إسرائيل للنظام الإيراني سوف تزيد من إحراج النظام. ستكون إيران متحفّزة للغاية للرد، لكن قدرتها على القيام بذلك بصورة فعّالة في الأمد القريب سوف تعوقها الفوضى القيادية التي زرعتها الضربات. وما زال من غير الواضح مدى الأضرار التي لحقت بالمواقع غير الرسمية، أو الخسائر في صفوف المدنيين. ولكن من المرجّح أن تحاول إيران تعويض أيّ خسائر تكبّدتها في المجال المدني، بالإضافة إلى مهاجمة الأهداف العسكرية والاستخباراتية والقيادية الإسرائيلية.
نأت إدارة ترامب بنفسها حتى الآن على نحوٍ قاطع عن هذه الضربات. لماذا تعتقد ذلك؟
كان ترامب قد طلب من نتنياهو مزيدًا من الوقت لإجراء المحادثات النووية، لكن نتنياهو لم يمنحه ذلك. ومن خلال النأي بنفسه عن قرار نتنياهو، يسعى ترامب إلى ردع إيران عن توجيه أيّ رد ضد الولايات المتحدة. وقد يأمل ترامب أيضًا أن يتمكن من إبقاء المفاوضات النووية حيّة. ولكن حلمه بالتوصّل إلى حلّ دبلوماسي ينهي تخصيب اليورانيوم الإيراني يبدو ميّتًا. والآن أصبحت إيران أكثر ميلًا إلى محاولة الانطلاق نحو امتلاك السلاح النووي، الأمر الذي يترك ترامب أمام معضلة: هل يحتاج إلى التحرّك عسكريًا لمنع ذلك؟
ما رأيك في تصريح وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الذي وعد فيه بحماية الأميركيين، لكنه أغفل إسرائيل على نحوٍ ملحوظ؟
كان تصريح روبيو يهدف إلى إرسال إشارة إلى إيران بأن الولايات المتحدة ليست متورطة، وأن إسرائيل تصرّفت أحاديًا. إنّ إغفال إسرائيل هو مؤشر آخر على أن واشنطن لا تريد أن يُنظر إليها على أنها تؤيد العمل الإسرائيلي. ولكن من غير المعقول أن المسؤولين الأميركيين لم يكن لديهم علم مسبق بالأمر. كما أن تصريح روبيو لا يعني أن الولايات المتحدة لن تساعد إسرائيل في الدفاع عن نفسها. بل ستساعدها وتحميها.
لماذا قررت إسرائيل توجيه الضربة الآن، رغم رغبة ترامب الواضحة؟
لقد وعد نتنياهو الإسرائيليين منذ فترة طويلة بأنه لن يسمح لإيران بتطوير سلاح نووي. لقد كان هذا الأمر محوريًا في حياته السياسية. وأعتقد أنه شعر بأن إسرائيل ربما لن تحظى بفرصة أفضل لضرب المنشآت النووية الإيرانية. لقد قضت إسرائيل على وكيل إيران في لبنان، حزب الله، في أيلول/ سبتمبر 2024. ثم قامت بتدمير بطاريات الدفاع الجوي من طراز S-300 التي قدمتها روسيا لإيران —وهي الأكثر تطورًا لدى طهران— في تشرين الأول/ أكتوبر. وقد أدّى هذان النجاحان، إلى جانب سقوط حليف إيران الإقليمي الرئيس، نظام الأسد في سورية، إلى تقليل قدرة إيران على الدفاع عن مواقعها النووية أو الردّ.
كيف يمكننا أن نتوقّع ردّ الفعل الإيراني؟ وكيف سيكون دفاع إسرائيل؟
قد تحاول إيران إطلاق ما يصل إلى عدّة مئات من الصواريخ الباليستية على إسرائيل. وهذا يتماشى مع كيفية ردّها على العمليات الإسرائيلية السابقة. بعد أن قتلت إسرائيل زعيمًا إيرانيًا كبيرًا في دمشق في نيسان/ أبريل 2024، أطلقت إيران أكثر من 300 مقذوف، بما في ذلك أكثر من 100 صاروخ باليستي متوسّط المدى، على إسرائيل. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، وبعد أن قضت إسرائيل على حزب الله في لبنان، أطلقت إيران عددًا مضاعفًا من الصواريخ الباليستية. تمكّنت إسرائيل في شهر نيسان/ أبريل من تجنّب أضرار جسيمة بفضل دفاعاتها الجوية، ودفاعات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. لكن الهجوم الذي وقع في تشرين الأول/ أكتوبر سجّل بضع عشرات من الضربات التي تسبّبت في أضرار طفيفة نسبيًا. وفي وقت سابق من شهر حزيران/ يونيو، تعهّدت إيران على وجه التحديد بضرب المنشآت النووية الإسرائيلية ردًا على هذا النوع من الهجمات.
ومن خلال تركيز دفاعاتها على مواقع حساسة معينة، وحول السكان المدنيين، فمن المرجّح أن تحاول إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، منع إغراق دفاعاتها الجوية وتقليل الأضرار، كما فعلت ضد الهجومين الإيرانيين السابقين. وقد نشرت الولايات المتحدة بطاريتين من نظام الدفاع الجوي الصاروخي "ثاد" في إسرائيل للمساعدة. ويُكمل هذا النظام، نظام الدفاع الصاروخي "حيتس" الإسرائيلي، فضلًا عن السفن البحرية الأميركية القريبة ذات القدرة الدفاعية الصاروخية.
ومن المرجّح أيضًا أن تواجه إسرائيل هجمات إضافية من الحوثيين في اليمن. وقد يُطلب من حزب الله، حتى في حالته الضعيفة، أن يردّ أيضًا. ولكن من غير المرجّح أن يتمكّن الحوثيون من إطلاق هجوم كبير. ومن المؤكد أن تراجع قدرات حزب الله سوف يحدّ من تأثيره، كما قد تفعل الضغوط من جانب الحكومة اللبنانية الجديدة.
هل تردّ إسرائيل على الردّ الإيراني بمزيد من الضربات؟
قال نتنياهو إن الضربات الإسرائيلية سوف تستمر حتى تقتنع إسرائيل بأن التهديد النووي الإيراني قد انتهى. لذا، ربما ننظر إلى شيء أشبه بحملة، لا هجوم لمرة واحدة. وسوف يعتمد ما إذا كانت إسرائيل ستشعر بالحاجة إلى الردّ على محاولات إيران الانتقامية أم لا إلى حدّ كبير على مستوى الأضرار والخسائر التي تتكبّدها. ومن ثم، فإن الدفاع الناجح ضد الصواريخ الإيرانية قد يكون له تأثيرٌ مُهدئ، في حين أن الخسائر الكبيرة سوف تدفع إسرائيل بكل تأكيد إلى السعي إلى ضرب إيران مرة أخرى.
سعت إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي إلى تنسيق ردّها على الهجوم الإيراني مع واشنطن، وهو ما أعطى الرئيس الأميركي، جو بايدن، فرصًا لتشكيل الردّ الإسرائيلي والحدّ منه. ولكن إسرائيل أظهرت اهتمامًا ضئيلًا بمثل هذا التنسيق هذه المرة، وربما يجد ترامب أيضًا أن الأمر لا يستحق العناء. وهذا قد يعني أن إيران ستجد صعوبة أكبر في النزول عن سلّم التصعيد.
ومن غير المرجّح أيضًا أن ينتهي الصراع حتى لو تراجع الجيش الإيراني بسرعة. ينبغي لإسرائيل أن تتوقّع سلسلة متواصلة من الهجمات غير المتكافئة، مثل العمليات الإلكترونية، والهجمات الإرهابية ضد سفاراتها، ومسافريها، وشركاتها.
ما احتمال مهاجمة إيران للقوات الأميركية؟
يعتمد الكثير على الرسائل القادمة من الولايات المتحدة. أوضح ترامب أن واشنطن لم تكن متورطة في الضربات الإسرائيلية، وحذّر إيران من استهداف القوات الأميركية. إذا أدرك القادة الإيرانيون أن التعامل مع الولايات المتحدة أو غيرها من دول المنطقة يعني أنهم يواجهون خطر الهجوم الأميركي المباشر، الذي من شأنه أن يضاعف الضرر الذي أحدثته إسرائيل بالفعل، فمن المرجّح أن يحدّوا من ردّهم على الهجمات ضد إسرائيل فقط. وقد تتجه إيران إلى تقليص تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتحاول إعادة البناء والنزول إلى الأنفاق، وتعزيز البنية التحتية النووية المتبقية لديها. ولكن إيران قد تختار عدم مهاجمة جهات أخرى غير إسرائيل، من أجل إبعاد هذه الجهات عن الحرب.
لنفترض أن إيران هاجمت الولايات المتحدة، مما دفعها إلى الردّ، أو أن واشنطن قررت التدخّل مباشرة لمنع إيران من تطوير برنامجها النووي. كيف يمكن أن تتطوّر الأمور في حال وقوع هجوم أميركي على إيران؟
بعض الأصول التي من شأنها تسهيل تنفيذ الضربة الأميركية متاحة بالفعل. وتستمر مجموعة حاملة الطائرات الأميركية كارل فينسون في الانتشار في المنطقة. قد تبحر مجموعة حاملة طائرات ثانية نحو المنطقة قبل الضربة. ومن المرجّح أيضًا أن تُنشر طائرات إضافية، مثل أسراب المقاتلات، وناقلات الوقود، وطائرات الهليكوبتر للبحث والإنقاذ في القواعد الموجودة في المنطقة. وتتمتّع الولايات المتحدة أيضًا بقدرات فريدة يمكنها استخدامها إذا كانت تنوي استهداف منشأة تخصيب اليورانيوم المدفونة على عمق كبير في فوردو.
كيف ستتعامل إيران مع التدخّل الأميركي المباشر؟
لن تتحمّل إيران الضربات الأميركية دون رد. وتمتلك إيران ترسانة تضم آلاف الصواريخ الباليستية والمسيّرات قصيرة المدى، التي يمكنها إطلاقها على القواعد الأميركية في البحرين، والكويت، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. وقد استخدمت إيران مثل هذه الصواريخ لمهاجمة القوات الأميركية بعد اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في عام 2020.
قد تتمكّن الميليشيات الشيعية في العراق وسورية، المسلحة بالمسيّرات الإيرانية، من إطلاقها على القواعد الأميركية كما فعلت لعدّة أشهر بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وقد يستهدفون أيضًا السفارة الأميركية في بغداد. قد يُضطر الجنود والأفراد في هذه المواقع إلى قضاء فترات طويلة في الملاجئ. وقد تكون أصول الدفاع الجوي في مواقع محددة أقل عددًا من الذخائر الواردة. وسيكون هناك خطر وقوع خسائر في صفوف الأميركيين. وسوف تحتاج الولايات المتحدة إلى الضغط على الحكومة العراقية لمنع الميليشيات الشيعية من الانضمام إلى القتال، وهو ما فعلته بنجاح منذ منتصف عام 2024. وسيتعيّن على القوات الأميركية أن تكون مستعدة لضرب الميليشيات التي تهاجمها، كما فعلت عدّة مرات في العام الماضي. وستحتاج الولايات المتحدة والحكومات الإقليمية إلى الضغط على الحوثيين حتى لا يستأنفوا الهجمات في البحر الأحمر. وسيكون عليهم أن يكونوا مستعدّين لاستئناف الضربات إذا استأنفها الحوثيون. وسوف تحتاج واشنطن أيضًا إلى الاستعداد للهجمات غير المتكافئة سواء في المنطقة أو في الولايات المتحدة نفسها.
هل يمكن لإيران أو شركائها أن يقرّروا مهاجمة الدول العربية كما فعلوا في الماضي؟
من المرجّح أن تُدين دول الخليج الهجوم الإسرائيلي، من أجل ثني إيران عن ضرب أراضيها وأصولها. ولكن إذا تدخّلت الولايات المتحدة، فقد تطلق إيران صواريخ باليستية قصيرة المدى على مواقع مدنية أو على البنية الأساسية للطاقة في دول الخليج، من أجل الحصول على ثمن لما قد تعتبره تواطؤًا مع هجوم أميركي.
كما ستدرس إيران إمكانية إغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط والغاز باستخدام الحصار البحري، أو الألغام البحرية، أو الألغام اللاصقة التي تنشرها الزوارق السريعة، أو مزيج من هذه الأساليب. وتمتلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أصولًا دفاعية جوية كبيرة، ولكن كل هذه البلدان تظلّ عرضة للضربات.
ماذا تعني هذه الحرب بالنسبة لمستقبل البرنامج النووي الإيراني؟
تشير أغلب التقديرات إلى أن إسرائيل، بمفردها، قادرة على تأخير البرنامج النووي الإيراني لعدّة أشهر. وتشير التقارير العامة إلى أن الضربات الأميركية قد تؤدي في الوقت نفسه إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لمدة تصل إلى عام. لكن هذه الجداول الزمنية تفترض أن تبدأ إيران إعادة البناء على الفور، ولا تأخذ في الاعتبار التأخيرات الإضافية التي قد تحدث على أساس عوامل اقتصادية أو سياسية. ولا تأخذ هذه التقديرات أيضًا في الاعتبار تأثير الردع أو إعادة الضربات المحتملة.
ولكن من المرجّح أن تقوم إيران الآن بمحاولة يائسة للحصول على السلاح النووي. وسوف يواجه ترامب بدوره قرارًا بشأن ما إذا كان سيتدخّل عسكريًا لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. ومن شأن هذا القرار أن يؤدّي إلى انقسام مستشاريه وقاعدته السياسية، نظرًا لإصراره منذ فترة طويلة على إبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن حروب الشرق الأوسط.
المادة مُترجمة عن موقع "فورين أفيرز"، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي موقع عرب 48.
التعليقات