كلما تصورنا أن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل قد وصلت إلى أدنى مستوياتها، نجد أن إسرائيل تغوص في أعماق جديدة من الشر. يبدو أن طاقة الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة لا حدود لها.
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قناة فوكس نيوز في السابع من آب/أغسطس 2025، أي بعد مرور ما يقرب من عامين على الإبادة الجماعية، أن إسرائيل تنوي السيطرة العسكرية على قطاع غزة بأكمله. ووافق مجلس الوزراء الأمني لإسرائيل في الثامن من أغسطس على خطة لاحتلال مدينة غزة، والتي ستتضمن تهجيرًا جماعيًا «لجميع المدنيين الفلسطينيين من مدينة غزة».
إذا نُفِّذت خطة إعادة الاحتلال، والتي تأتي بعد عشرين عامًا بالضبط من الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاعه غزّة في آب/ أغسطس 2005، فستكون بدايةً للاحتلال العسكري الإسرائيلي الثالث للقطاع، مما يأتي على رأسِ تاريخٍ دامَ عقودًا من الزمان اتسم بالعنف الوحشي والمذابح الجماعية والتطهير العرقي والنزوح الذي لا ينتهي. وليس الأمر أن إسرائيل ليست بالفعل قوة احتلال في قطاع غزة، بل هي بالفعل قوة احتلال، وبحسب الأمم المتحدة فإن إسرائيل ما تزال تحتل قطاع غزّة، لأنها لا تزال تسيطر عليه برًّا وجوًّا وبحرًا. وتتباهى إسرائيل بحرية بمخططاتها للتطهير العرقي هناك، والآن تريد مدينة غزة خالية من سكانها. وهذه ليست إلّا حملة استعمارية استيطانية تحمل اسم الاحتلال العسكري.
قطاع غزّة ليس دولة في صراع مع إسرائيل، بل هو أكبر مخيم للاجئين على وجه الأرض. إن قطاع غزّة، الذي يبلغ عدد سكانه مليوني نسمة، محصورٌ في شريط صغير من الأرض (1.3% من مساحة فلسطين)، ويعيش أغلب سكانه في مخيمات مكتظة للاجئين، معظمها قائم منذ أكثر من سبعة عقود. تأسست هذه المخيمات إبّان النكبة، عندما طُرد أكثر من 750 ألف فلسطيني قسرًا من أراضيهم ومنازلهم في إسرائيل وأصبحوا لاجئين مدى الحياة. تدفق نحو 250 ألف شخص من النازحين إلى قطاع غزة، آخر مدينة فلسطينية باقية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، مما أدى إلى تضاعف عدد سكانها ثلاث مرات بين عشية وضحاها وتحويلها إلى مخيم لاجئين ضخم محصور بين الصحراء والبحر. وقد أصبح قطاع غزّة بمثابة سفينة نوح لفلسطين بعد النكبة، حيث وفّر المأوى للسكان النازحين من أكثر من 250 بلدة وقرية فلسطينية مدمرة.
وكانت المأساة عميقة إلى حد أن الأمم المتحدة أنشأت في ذلك العام وكالة خاصة لتقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين، وهي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، والتي سرعان ما خلفتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، والتي نقلت مقرها قريبًا إلى مدينة غزة.
معظم اللاجئين الذين تدفقوا إلى غزة جاءوا من المدن والقرى في وسط وجنوب فلسطين ومن الأجزاء الشمالية حتى الجليل. لكنّ سكان القرى المحيطة بغزة اضطروا إلى تحمل مأساة النزوح على مرأى من أراضيهم ومنازلهم المفقودة. وكما اعترف الزعيم العسكري الإسرائيلي موشيه ديان في وقت لاحق:
بُنيت قرى يهودية في مكان القرى العربية. أنتم لا تعرفون حتّى أسماء هذه القرى العربية، وأنا لا ألومكم لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة. وليست كتب الجغرافيا وحدها التي لم تعد موجودة، بل والقرى العربية نفسها زالت أيضًا. إذ قامت نهلال في مكان معلول، وكيبوتس غفات في موضع جباتا، وكيبوتس ساري في موضع خنيفس، وكفار يهوشوّع في موضعِ تل الشومان. وما من موضع بُني في هذا البلد إلاّ وكان فيه أصلًا سكان عرب.
وكانت تلك المستوطنات، التي بنيت على أنقاض الفلسطينيين المهجرين، بمثابة تذكير دائم بالنكبة. ونقتبس عن الكاتب اللبناني الراحل إلياس خوري، صوت اللاجئين الفلسطينيين: «ناحل عوز مستوطنة عسكرية أسستها وحدات الناحال في الجيش الإسرائيلي لمضايقة المزارعين الفلسطينيين الذين طُردوا من قراهم وأصبحوا لاجئين في قطاع غزّة». وعلى مدى العقود السبعة التالية، كان واقع اللاجئين الكئيب في القطاع بمثابة بداية لتاريخ طويل ومؤلم من الاحتلال العسكري الإسرائيلي للقطاع الصغير.
الغزوات الإسرائيلية الوحشية
بدأ الجيش الإسرائيلي في تشرين الثاني/ نوفمبر 1956 احتلاله الأول لقطاع غزة، حيث غزا القطاع بشن غارات عسكرية على مخيمات اللاجئين الفقيرة. وقع الاحتلال في أثناء العدوان الثلاثي على مصر التي كانت تسيطر آنذاك على قطاع غزة. بدأ الاحتلال بسلسلة من المجازر المروعة. دخل جنود الاحتلال الإسرائيلي إلى خان يونس وجمعوا كل الذكور البالغين من منازلهم وأطلقوا النار عليهم على أبواب منازلهم وفي الشوارع، مما أدى إلى مقتل 520 شخصًا على الأقل.
وحتى مدينة رفح في الجنوب لم تكن بمنأى عن الغزوات الإسرائيلية والمجازر الجماعية. في الثاني عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر، اجتاح الجيش الإسرائيلي مخيمات اللاجئين في رفح، واعتقل السكان الذكور، وقتل وجرح المئات منهم بدم بارد. وأُلقيت جثث الضحايا في منطقة تل زروب غربي رفح، حيث اضطرت العائلات إلى المخاطرة بحظر التجول من أجل انتشال جثث أحبائها ودفنها، رغم أن معظم عمليات الدفن تمت دون تحديد هويات الضحايا. وأثارت مذبحة رفح موجات من الرعب في المخيمات.
وهكذا ذاق قطاع غزة طعم الاحتلال الإسرائيلي للمرة الأولى: فقد قُتل وجُرح آلاف المدنيين في مختلف أنحاء القطاع، وأُعدم مئات السجناء بإجراءات موجزة. ووصف الصليب الأحمر المذبحة بأنها «مشاهد رعب». لقد كان الأمر مروعًا إلى حد أن إي إل إم بيرنز (E. L. M. Burns)، رئيس بعثة مراقبي الأمم المتحدة في قطاع غزّة، حذر من أن الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل هناك كانت تهدف إلى القضاء على سكان قطاع غزّة اللاجئين، وهو ما يرقى وفقًا للقانون الدولي إلى عمل من أعمال الإبادة الجماعية.
ولأن قطاع غزّة كان في جوهره مخيمًا للاجئين الفلسطينيين النازحين الذين طُردوا من ديارهم داخل إسرائيل خلال النكبة، أصبحت إسرائيل أول قوة احتلال في التاريخ تقتلع شعبًا أصليًا من جذوره، وتطرده إلى المنفى، ثم تحتله. (ألقى غزو إسرائيل للبنان في أوائل الثمانينيات بنفس المصير على اللاجئين الفلسطينيين هناك، والذي بلغ ذروته بمذبحة صبرا وشاتيلا المروعة، التي أدانتها الأمم المتحدة أيضًا باعتبارها «عملًا من أعمال الإبادة الجماعية»).
وحتى القادة العسكريين الإسرائيليين، مثل ديان، اضطروا إلى الاعتراف بهذا الواقع المرير. حيث قال: «ماذا يمكننا أن نقول ضد كراهيتهم الشديدة لنا؟ لقد جلسوا لمدة ثماني سنوات في مخيمات اللاجئين في قطاع غزّة وشاهدوا كيف حوّلنا أمام أعينهم أراضيهم وقراهم، حيث سكنوا هم وأجدادهم، إلى موطننا».
ولكن النكبة لم تكن سوى البداية. ولم تكتفِ إسرائيل باقتلاع الفلسطينيين من جذورهم، بل غزت قطاع غزة دوريًا، ونشرت الرعب، وارتكبت سلسلة من المجازر. وفي كثير من الأحيان بعد عام 1948، شنّ الجيش الإسرائيلي غارات على مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، فقتل وشرّد الآلاف من اللاجئين، وهدم منازلهم ومخيماتهم. في كانون الثاني/ يناير 1949، وبينما كانت ذكرى النكبة الدموية ما تزال حاضرةً في أذهان سكان قطاع غزّة، قصف الجيش الإسرائيلي مراكز توزيع الأغذية في دير البلح وخان يونس في ساعات الذروة، مما أسفر عن مقتل المئات من الفلسطينيين. وكان اللاجئون الذين حاولوا العودة إلى ديارهم، والذين وصفتهم إسرائيل بـ«المتسللين»، يتعرضون لإطلاق النار عليهم روتينيًا من قبل الجنود الإسرائيليين.
غزت وحدة عسكرية إسرائيلية في آب/ أغسطس 1953 بقيادة أرييل شارون، رئيس وزراء إسرائيل المستقبلي، مخيم البريج للاجئين وقتلت نحو خمسين شخصًا في أسرّتهم. وأفاد مسؤولون في الأمم المتحدة أن القوات الإسرائيلية ألقت قنابل عبر نوافذ الأكواخ التي كان ينام فيها اللاجئون الفلسطينيون وأطلقت النار على أولئك الذين حاولوا الفرار. ووصفت لجنة الأمم المتحدة المذبحة بأنها «حالة مروعة من القتل الجماعي المتعمد».
وكانت تلك المجازر المتكررة جزءًا من حملة إسرائيلية أوسع نطاقًا لتطهير قطاع غزة عرقيا من اللاجئين. في أعقاب النكبة، توقع مؤسسو إسرائيل، ومن بينهم ديفيد بن غوريون، خطر تركيز مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في شريط ساحلي ممتد بين صحراء النقب وسيناء دون أي وسيلة حقيقية للخروج أو أمل في الهروب أو التشتت. في ظل مخاوفها من أزمة اللاجئين في غزة واحتمال تحقيق حق العودة الفلسطيني، وخوفها من مشهد «موجات اللاجئين الزاحفة نحو إسرائيل من قطاع غزّة»، حاولت إسرائيل حل الأزمة عن طريق القضاء عليه. وعندما فشلت هذه المحاولة، تحركت إسرائيل لإعادة احتلال القطاع.
مذبحة تلو الأخرى
اندلعت الحرب مرة أخرى في عام 1967 وغَزَت إسرائيل قطاع غزّة للمرة الثانية. ولم يكن الأمر سهلًا: فقد استغرقت إسرائيل ستة أيام للفوز بالحرب [على مِصر]، لكنها استغرقت أربع سنوات للسيطرة على قطاع غزّة. وأدّت المقاومة إلى نزوح ثان، حيث أُجبر عشرات الآلاف من اللاجئين، الذين ما زالوا يعانون من صدمة ذكرى الاحتلال الأول، على الفرار من الشريط الساحلي إلى الأردن ومصر —ولم يعودوا أبدًا. كان وهذا الاحتلال الإسرائيلي الثاني لقطاع غزّة، والذي استمر لعقود من الزمن.
ظلت قضية اللاجئين في قطاع غزّة تطارد القادة الإسرائيليين بعد عام 1967. كانت خطط الترانسفر كثيرة. خلال الاحتلال الإسرائيلي المطول لقطاع غزة —والذي وضع اللاجئين تحت سيطرة نفس القوى التي اقتلعتهم من ديارهم قبل عقدين من الزمان— فكر القادة الإسرائيليون، ولا سيما ليفي إشكول وديان، في نقل لاجئي قطاع غزّة إلى الضفة الغربية أو سيناء في مصر أو العراق أو دولة عربية في شمال أفريقيا (عملية «ليبيا»). بل إنهم دبروا خطة سرية، أطلقوا عليها اسم «خطة موشيه ديان»، لنقل اللاجئين من قطاع غزّة إلى أميركا اللاتينية جوًّا، ولكن لحسن الحظ بالنسبة لشعب قطاع غزّة، اعتبرت الخطة مكلفة وغير قابلة للتنفيذ.
ولم تكتفٍ القوات الإسرائيلية بالاحتلال العسكري، فتحركت بسرعة لاقتلاع الفلسطينيين من قطاع غزّة، وهدم منازلهم والاستيلاء على أراضيهم، وبناء المستوطنات اليهودية على أنقاض اللاجئين النازحين. ازدهرت المستوطنات في الوقت الذي عانى فيه الفلسطينيون تحت الاحتلال. وحتى السلام كان مكلفًا للغاية بالنسبة للاجئي قطاع غزّة؛ إذ أدت اتفاقية كامب ديفيد التي وقعت عام 1979 إلى إغلاق حدود قطاع غزّة مع مصر، ما أدّى إلى تقسيم العائلات بالأسلاك الشائكة، مما تسبب في المزيد من نزوح السكان وهدم المنازل على طول الحدود التي رُسمت حديثًا، وهو ما حرم صيادي قطاع غزّة من وصولهم التقليدي إلى المياه الإقليمية المصرية. وقد عُوِّض تدمير المستوطنات الإسرائيلية في سيناء من خلال تصاعد الاستيطان في القطاع.
خلال الانتفاضة الثانية، وبعد ما يقرب من أربعة عقود من الاحتلال المطول، انسحبت إسرائيل ظاهريًا من قطاع غزّة، تاركة وراءها أكثر من مليون لاجئ في المخيمات. عندما غادرت الجيش الإسرائيلي القطاع الساحلي، كان القادة الإسرائيليون واثقين من أنهم نجحوا أخيرًا في إخفاء أزمة اللاجئين في القطاع تحت سجادة «فك الارتباط». وفي الوقت نفسه، واصلت إسرائيل السيطرة على المعابر الحدودية للقطاع، ومجاله الجوي، ومياهه الإقليمية. وبإعلانها القطاع الفقير «منطقة معادية» واعتبارها سكانه اللاجئين تهديدًا أمنيًا ذا أبعاد «وجودية» تتطلب استخدام القوة غير المتناسبة، قامت إسرائيل روتينيًا بإخضاع قطاع غزّة للعقاب الجماعي. واستمرت في إخضاع سكانه للعمليات العسكرية والغزوات. لقد صوِّر الانسحاب الإسرائيلي أمام العالم الخارجي باعتباره تنازلًا ونهاية للاحتلال والوفاء بالتزامات إسرائيل تجاه قطاع غزة ولاجئيه. أما في الواقع، فقد أدّى الانسحاب إلى جعل سكان اللاجئين هدفًا سهلًا لغاراتها وغزواتها العسكرية، حيث كانت أجزاء كاملة من المخيمات مناطق محظورة على الدوريات الإسرائيلية. وفي هذه الأثناء، نقلت إسرائيل مستوطنيها إلى مستوطنات جديدة في الضفة الغربية وحول قطاع غزّة، وبعد فترة وجيزة، وضعت القطاع تحت حصار مُطبِق.
منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، فرضت إسرائيل حصارًا شاملًا على قطاع غزة، في حين شنت هجمات وغارات على سكانه دوريًا —وهو الفصل الوحشي الذي بلغ ذروته في الإبادة الجماعية المستمرة. طوال ذلك الوقت، كان على لاجئي قطاع غزة أن يعانوا من المصير المروع المتمثل في العيش تحت نير نفس القوى التي طهرتهم عرقيًا قبل عقود من الزمن. تحت القصف، ومحاصرين في مسلخ، في قفص حديدي صنعته إسرائيل، بدأ اللاجئون في قطاع غزّة يدركون عمق مأساتهم: ثمة أمر واحد أسوأ من النزوح، وهو عدم القدرة على المغادرة. ما يزال كثيرون يخشون أن يؤدي الخروج إلى نكبة ثانية، وهو ما كان القادة الإسرائيليون مصممين على تنفيذه.
كل عام أو نحو ذلك بعد النكبة، كانت الجيش الإسرائيلي يغزو قطاع غزّة. على مدى عقود من الزمن، أخضعت إسرائيل القطاعَ لسلسلة وحشية من الغزوات العسكرية والاحتلالات، والغارات والهجمات، والتوغلات العسكرية والإدارات، وحملات القصف والغارات الجوية، والمجازر المتكررة والنزوح الجماعي، والحصار الذي استمر لسنوات، والإبادة الجماعية المستمرة دون نهاية في الأفق.
وقد أدت وحشية إسرائيل في قطاع غزة إلى ظهور المقاومة في كثير من الأحيان. وبسبب تاريخها المرتبط باللاجئين، كان القطاع مهد الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة) والتي اندلعت في مخيم جباليا للاجئين (الملقب بـ «مخيم فيتنام»)، وقادها شباب فلسطينيون عُزَّل ولدوا لاجئين ونشأوا في ظل الاحتلال الإسرائيلي. وأصبح القطاع بعد ذلك ساحة المعركة الرمزية للانتفاضة الثانية عندما قُتل الطفل محمد الدرة البالغ من العمر اثني عشر عامًا بالرصاص بين ذراعي والده، عند مفترق طرق بالقرب من مخيم البريج للاجئين، في الصورة الرمزية للانتفاضة.
وبحسب المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو، فقد شنت إسرائيل ما لا يقل عن خمسة عشر حربًا على قطاع غزّة منذ النكبة، مما أدى إلى تدمير حضارة القطاع التي يبلغ عمرها أربعة آلاف عام تقريبًا. وفي الحروب الخمس التي شنتها إسرائيل على قطاع غزّة منذ بدء الحصار، فقد قتلت مئات الآلاف من الفلسطينيين بينما شردت أكثر من مليوني آخرين. في صيف عام 2014، أثناء عملية الجرف الصامد، قامت القوات الإسرائيلية بقتل أكثر من ألفي فلسطيني في قطاع غزّة. قمعت إسرائيل انتفاضتين شعبيتين فلسطينيتين بوحشية. حتى عندما نظم الفلسطينيون قبل سبع سنوات مسيرة العودة الرمزية داخل الأسوار المغلقة للقطاع، لإحياء ذكرى النكبة، قُتل المئات منهم بلا رحمة على يد إسرائيل، بما في ذلك الأطفال الذين كانوا يطيرون الطائرات الورقية. اليوم، وبعد مرور ما يقرب من عامين على الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، أصبحت تلك المجازر الماضية مشهدًا يوميًا في غزة.
وتكمن المفارقة المأساوية في أن مشكلة اللاجئين في قطاع غزة، الذين يتعرضون الآن للذبح والتشريد، قد بدأت في خضم حربٍ أشعلتها إسرائيل نفسها قبل أكثر من سبعة وسبعين عامًا. ولكن هذه المرة لم يعد لدى اللاجئين أي مكان آخر يذهبون إليه.
هوس إسرائيل بلاجئي قطاع غزة لا يأتي من فراغ، ومن المؤكد أنه سيقابل بالصمود الفلسطيني. كما قال خوري: «سبعون عاماً لم يتوقف اللاجئون عن طرق أبواب قطاع غزّة المغلقة بالكراهية والموت، وسيظلون يطرقونها حتى تتكسر الأقفال، وستمد فلسطين أيديها لأهلها العائدين إليها وقد غزتهم مياه الأرض وطينها، فيبنون من موتهم بوابة للحياة».
التعليقات