27/10/2025 - 15:21

كيف تغيرت علاقة الديمقراطيين مع إسرائيل في أميركا؟

من بيت بوتيغيغ إلى غافين نيوسَم، كبار الشخصيات في الحزب الديمقراطي تكتشف بالطريقة الصعبة أن المواقف القديمة لم تعد تجدي نفعًا...

كيف تغيرت علاقة الديمقراطيين مع إسرائيل في أميركا؟

(Getty)

عندما اعتمد الحزب الديمقراطي في ولاية كارولينا الشمالية قرارًا هو الأول من نوعه في مؤتمره في يونيو/حزيران 2025 والذي يصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري ويطالب بفرض حظر أميركي كامل على الأسلحة، لم يحظ باهتمام كبير وقتئذ. ولكن في الأشهر التي تلت ذلك، أصبح من الواضح أن الديمقراطيين في ولاية كارولينا الشمالية كانوا مُقدّمة لتقليعة متزايدة.

قرر العديد من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذين كانوا مدعومين سابقًا من قبل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) أنه لم يعد من الممكن الارتباط مع هذه المجموعة المؤيدة لإسرائيل. وقد تبرأ كل من ديبورا روس وفاليري فوشي، وهما عضوان في الوفد الكونغرسي لولاية كارولينا الشمالية، من المنظمة، ودعت الأخيرة إلى وقف المساعدات العسكرية الهجومية لإسرائيل. وفي أماكن أخرى من الولايات المُتحدة، يحاول أمثال مورغان ماكغارفي في كنتاكي وسيث مولتون في ماساتشوستس الآن النأي بأنفسهم أيضًا عن المنظمة الإسرائيلية.

وفي حين أن هؤلاء الديمقراطيون معتدلون نسبيًا، يبدو أن أيباك غير قادرة على الحفاظ على نفوذها الذي كانَ صلبًا وقويًا في السابق. فما الذي حدث بالضبط؟

للإجابة على هذا السؤال، يكفي النظر إلى استطلاعات الرأي الأميركية، والديمقراطية تحديدًا، حول القضية الفلسطينية. لقد أدّى عامان من الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، وتصاعد سياسة الفصل العنصري في باقي فلسطين المحتلة، إلى تراجع حاد في نظرة الرأي العام الأميركي لدعم إسرائيل.

وقد أظهر استطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث في وقت سابق من هذا الشهر أن 59% من الأميركيين ينظرون إلى دولة إسرائيل نظرة سلبية. وترتفع هذه النسبة بين الديمقراطيين إلى 77%. كما أظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع سيينا في أيلول/سبتمبر أن 40% من الأميركيين، و60% من الديمقراطيين، يعتقدون أن إسرائيل قتلت أطفالًا عمدًا. ووفقًا لاستطلاع رأي أجراه مركز بيو في وقت سابق من هذا العام، فقد ارتفعت النظرة السلبية للديمقراطيين تجاه إسرائيل بين جميع الفئات العمرية، حيث أبدى 71% من الديمقراطيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عامًا نظرة سلبية تجاه إسرائيل في عام 2025، و66% من الديمقراطيين الذين تزيد أعمارهم عن 50 عامًا.

من الواضح أن الإجماع المؤيد لإسرائيل قد تبخر بين القاعدة الديمقراطية والليبرالية. ليس هذا فحسب، بل إن عدم انتقاد إسرائيل ونظامها المسيطر على الفلسطينيين اليوم أصبح عائقًا أمام السياسيين الديمقراطيين. وبينما لن يفوز الديمقراطيون بالانتخابات فوزًا حاسم بمفردهم، وخاصة في سياق محلي حيث تكون السياسة الخارجية عنصرًا ثانويًا أو حتى ثالثيًا في الحملة الانتخابية، فإن الديمقراطي المستعد لمقاومة الإجماع السابق قد يستفيد من قدرته على تمييز نفسه بينما يحاول الحزب إيجاد طريق للخروج من طوفان الاستبداد الترامبي. (ظهران ممداني هو المرشح المفضل حاليًا ليصبح عمدة نيويورك القادم لأنه أدرك ذلك جزئيًا). وكما يكتشف العديد من الديمقراطيين البارزين، فإن المرشح الذي يحاول غناء نفس الأغاني القديمة عن إسرائيل قد يجد نفسه في موقف دفاعي.

ولنخذ على سبيل المثال بيت بوتيغيغ. في مقابلة أجريت معه مؤخرًا مع بودكاست أنقذوا أميركا (Pod Save America)، طُرح على بوتيغيغ، المعروف بفصاحته، سلسلة من الأسئلة المباشرة. هل سيؤيد تقييد المساعدات لإسرائيل؟ هل سيعترف بدولة فلسطين، كما فعلت دول مجموعة السبع مؤخرًا؟ هل سيكون سلوك إسرائيل أخيرًا عاملًا في كيفية معاملتنا لها؟ بدلًا من الحصول على إجابة جاهزة، ألقى بوتيغيغ عبارات مبتذلة غامضة حول الضمير الأخلاقي والحاجة إلى دعم أمن إسرائيل. على وجه الخصوص، قال بوتيغيغ لفافرو، «أعتقد أننا، بصفتنا أقوى حليف وصديق لإسرائيل، علينا أن نضع ذراعنا حول صديقنا عندما يحدث شيء من هذا القبيل، ونتحدث عما نحن على استعداد للقيام به معًا». كان اختيارًا غريبًا للكلمات، على أقل تقدير، أن نطلق على دولة الفصل العنصري اسم الصديق ونتحدث عن الإبادة الجماعية على أنها شيء يشبه إيذاء النفس.

في الأيام التي تلت ذلك، تعرض بوتيغيغ لانتقادات من زملائه من المسؤولين الديمقراطيين والليبراليين عبر الإنترنت. وبصفته رجلًا يطمح إلى منصب أعلى، بدا بوتيغيغ مدركًا للمتغيرات. وسعى إلى توضيح وتحديث مواقفه العامة في مقابلة لاحقة مع بوليتيكو. وقال بأنه نعم، بالفعل سيؤيد قرارات بيرني ساندرز لتقييد المساعدات. ونعم، سيعترف بدولة فلسطين. وكلا، لا ينبغي للولايات المتحدة أن تُقر حزمة مساعدات عسكرية أخرى لمدة عشر سنوات لدولة لا تُغير سلوكها.

لا يُعد أي من هذه المواقف جذريًا على نحوٍ خاص، ومن الغريب أن يستغرق الأمر كل هذا الوقت حتى يتبناها مرشح محتمل في انتخابات 2028، ولكن من الجدير بالذكر أن بوتيغيغ، الذي لا ينتمي إلى الجناح اليساري، قد فعل ذلك. يشير هذا إلى أمر خطير بشأن الديناميكيات الأساسية في السياسة الديمقراطية، ولحسن حظه، فقد شعر بذلك. لقد تحول الوسط.

ومع ذلك، ليس بوتيغيغ الوحيد الذي شعر بذلك. حلّ السيناتور كوري بوكر، المرشح المحتمل الآخر للرئاسة، ضيفًا على بودكاست اكتفيتُ (I’ve Had It) الأسبوع الماضي. ربما ظنّ أنه سيُطرح عليه أسئلة سهلة حول حليب اللوز، كما حدث مع باراك أوباما عندما ظهر هناك عام 2024. لكن بدلًا من ذلك، انقضّ عليه المذيعون بلا هوادة بشأن إسرائيل. عندما سألته المذيعة المشاركة جينيفر ويلش عما إذا كان يعتقد أن نتنياهو مجرم حرب، وصفه بوكر بأنه سؤال «مُحمّل بالتفاصيل» صُمّم ليكون اختبارًا حاسمًا. بل إنه ذهب إلى حدّ القول إن السؤال يُقوّض قدرته على المساهمة في إحلال السلام. قد يكون القول إن ويلش لم يكن متفاجئًا من الأسئلة قول غير دقيق، إذ هاجمته حسابات البودكاست الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي بشدة لعدم إجابته المباشرة على السؤال. أمّا حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسَم، فقد كان أداؤه أسوأ عندما سأله المذيع فان لاثام عن الأيباك في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، حيث رد باختصار قائلًا إن السؤال «مثير للاهتمام»سبع مرات.

يشعر المرشحون الحاليون للمناصب العامة، وكذلك شاغلو المناصب، بضغطٍ للتمييز بين مواقفهم السابقة والإجماع القديم. وقد صرّحت مالوري ماكمورو، وهي ديمقراطية تترشح لمجلس الشيوخ في ميشيغان، مؤخرًا خلال فعالية انتخابية في أليغان بأنها تعتقد أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في قطاع غزّة، وهو تعليقٌ كان العديد من المحللين سيعتبرونه قاتلًا لحملتها الانتخابية حتى قبل عام. وهذا يعني أن اثنين من المرشحين الثلاثة في الانتخابات التمهيدية في ميشيغان يتفقان الآن على أن إبادة غزة حقيقية، حيث كان عبد السيد واضحًا بشأن هذه القضية منذ البداية. (صرحت إليسا سلوتكين، عضو مجلس الشيوخ عن ميشيغان، بأنها كانت ستدعم مساعي ساندرز لتقييد المساعدات العسكرية).

كما صرّحت ماكمورو بأنها لن ترحب بتأييد الأيباك لها وأنها لن تقبل أي تبرعات منها، في ردٍّ ظاهري على التقارير التي تفيد بأنها حاولت التماس دعم أيباك. وكان الإعلان الذي أصدره مولتون أكثر إثارة للدهشة، لأنه ديمقراطي متشدد لا يملك تاريخًا من الجرأة في التعامل مع هذه القضية، حيث قال بأنه سيعيد جميع التبرعات التي أخذها من أيباك لها، وأنه سيرفض دعمها في محاولته إزاحة السيناتور إد ماركي في ماساتشوستس.

والحقيقة هي أن التحول في صورة إسرائيل مستمرٌ، ولا يمكن عكسه على نحو دراماتيكي؛ إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته مجلة الإيكونوميست ومؤسسة يوغوف في أغسطس أن 45٪ من الجمهور يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، وأن 65٪ من جميع الديمقراطيين يعتقدون أن هناك إبادة جماعية. ويعتقد سبعة من كل 10 ناخبين لهاريس في عام 2024 أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية. ويعتقد 54٪ من جميع الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية.

وأشار خبير استطلاعات الرأي الفلسطيني الأميركي شبلي تلحمي إلى أن هذا تحول نموذجي في التصور العام من غير المرجح أن ينعكس. تعتقد مجموعة كاملة من الناس أن إسرائيل ارتكبت أكبر جريمة في القانون الدولي، وهذا سيؤثر على السياسة الديمقراطية (والأميركية) في العقود القادمة.

حتى كتابة هذه السطور، يُفترض أن ما يُسمى بوقف إطلاق النار في غزة ساري المفعول. ورغم ذلك، لا يزال الفلسطينيون يُقتلون ويُهجّرون روتينيًا في قطاع غزّة والضفة الغربية المحتلة. ولا تزال سرقة الأراضي الفلسطينية عبر الاستيطان والاستعمار مستمرة. ولا يزال فلسطينيو القدس الشرقية المحتلة تحت التهديد. ويواجه المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل بعضًا من أكثر الأيام قمعًا منذ رفع الأحكام العرفية عنهم عام 1966. ومن ثم، فمن الواضح تمامًا أن قضية فلسطين لم تُحل. وفي غياب حل شامل لقضية فلسطين، والذي يجب أن يضمن بوضوح حقوقنا وقدرتنا على العودة والعيش كأشخاص متساوين وأحرار على الأرض، فإن هذا التغيير في التصور العام الأميركي ضد دعم إسرائيل لن يتوقف فجأة. ونظرًا لأن ترامب غير قادر بأي حال من الأحوال على تسهيل هذا القرار، فمن الآمن أن نفترض أن هذه التغييرات في الرأي العام ستستمر. ومن الحكمة، إذن، أن يقرر الديمقراطيون في كل مكان بسرعة كيفية معارضة الإبادة الجماعية، والفصل العنصري، والاستعمار، ثم يعبرون عن هذه المعارضة للقاعدة، التي تتوق بشكل متزايد إلى الوضوح الأخلاقي اللازم بشأن هذه القضية.

التعليقات