صدور كتاب "المقاربة الواقعيّة لعلاقات العالم العربيّ الدوليّة - الوعود والحدود"

باتت مقاربات "المدرسة الواقعية" النظرية أشبه بأيديولوجيا لا تُدحض، لما أثارته من نقاشات في البلدان المأزومة، التي تمثل المنطقة العربية في إطارها أكبرَ مختبر لافتراضات النظرية الواقعية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية...

صدور كتاب

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات المؤلَّف الجماعي المقاربة الواقعية لعلاقات العالم العربي الدولية - الوعود والحدود، وهو يتضمن مقدمة واثني عشر فصلًا موزّعة على ثلاثة أقسام، ويقع في ‏‏544 صفحة، شاملة بيبليوغرافيا وفهرسًا عامًّا، وقد حرره الباحث في المركز العربي أحمد قاسم حسين. ‏يتضمّن الكتاب مقاربات نظرية نقدية للمفاهيم الأساسية التي شكلت الفروض الأساسية للنظرية الواقعية، بناءً على خبرات الأكاديميين والباحثين في حقل العلاقات الدولية الذين عايشوا الأحداث والأزمات الكبرى في المنطقة العربية خلال العقدين الأخيرين، والتي شكّلت القدرات العسكرية والتحالفات وتوازن القوى والصراع بين الفاعلين الدوليين ملامحها، وما زالت تمرّ بتحولاتٍ كبرى. وقد أفاد محرر الكتاب أن العامل الرئيس وراء المضي قُدمًا في تأليفه يرجع إلى أن حقل العلاقات الدولية في الجامعات العربية ما زال، شأنه شأن معظم أقسام علم السياسة، في مرحلة الترجمة والتلقّي واستيعاب الفكر الغربي والتوليف على أساسه، أكثر ممّا هو في مرحلة الإبداع، أو بلورة منظور عربي لفهم الظواهر الدولية. ولا يعني هذا بطبيعة الحال انعدام إسهامات عربية في مجال التنظير في حقل العلاقات الدولية، ولكنها إسهامات قليلة نسبيًا، مقارنةً بما يجري نقله من لغات أجنبية إلى اللغة العربية.

"الواقعية": مقاربات نظرية لا تُدحض

باتت مقاربات "المدرسة الواقعية" النظرية أشبه بأيديولوجيا لا تُدحض، لما أثارته من نقاشات في البلدان المأزومة، التي تمثل المنطقة العربية في إطارها أكبرَ مختبر لافتراضات النظرية الواقعية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

في هذا السياق، تبحث لورد حبش في الفصل الأول تفسيرَ "الواقعية" بعضَ ظواهر العالم العربي، واحتكار "المركزية" الغربية حقلَ العلاقات الدولية وتهميشها أيَّ تجربة غير غربية، وتستنتج عدم صلاحية الواقعية الغربية للمنطقة العربية إلا إذا رُدمت فيها فجوات أو استُبدلت أخرى بها، وذلك ممكن في رأي الباحثة.

وتؤكد مكية نجار، في الفصل الثاني، الإشكالية المعرفية في الدراسات الأمنية كنظيرتها في العلاقات الدولية، وأن مبعثها هامشيةُ العالم العربي في الأكاديميا الأورومركزية، وترى وجوب تغيير التفكير في "الأمن العربي" بدلًا من "إعادة" صياغة الأكاديميا، عبر تحليل نقدي يبين كيفية تأثير الواقعية البنيوية في الدراسات الأمنية ويوفر مقاربة أمنية عربية تمكِّن العرب من التفكير خارج المركز وخارج الصندوق.

وتستعرض روكسانا سلامة ولورد حبش، في الفصل الثالث، اتِّباع العالم العربي مفهومًا مركزيًا في النظرية الواقعية وهو الفوضى، بمعنى غياب السلطة المركزية في النظام الدولي، الذي يعتبر الفوضى الخارجية محركَ سلوك الدول ويتجاهل العوامل الداخلية، وتُبرزان أهمية تعديل المفهوم ليتناسب مع تعقيدات الوضع العربي الحالي، وتناقشان تأثير الفوضى في استقرار الدول.

ويدرس الحسين شكراني، في الفصل الرابع، تفسير الواقعيتين التقليدية والبنيوية صراعَ المجتمعات وتعايشها مع التغيرات المناخية، وقدرة الفاعليات العربية على محاربتها أو التكيف معها، علمًا أن قضايا البيئة لم تكن ضمن اهتمامات المقاربة الواقعية في حقل العلاقات الدولية.

الواقعية وصعود القوى العظمى وهبوطها

يناقش أسامة أبو ارشيد، في الفصل الخامس، آفاق النفوذَين الأميركي والصيني في المنطقة العربية وأشكال قوّتيهما الناعمة والصلبة، مسترشدًا بأن "واقعية" السياسة الدولية تفترض تأمين جميع الدول سيادتها واستقلالية قرارها وسلامة أرضها وحماية مواردها، كحال دول الخليج في أتون صراع تسعى فيه الولايات المتحدة الأميركية لحماية هيمنتها المتآكلة والصين لإضعاف النفوذ الأميركي والاستحواذ على موارد النفط والغاز، ما يضعها أمام فرص وتحديات عليها التعامل معها بحنكة.

ويقارب أحمد قاسم حسين، في الفصل السادس، "واقعيًّا" تنافس الرؤيتين الأطلسية والأورو-المتوسطية في السياسة تجاه المنطقة العربية، مؤكدًا ضرورة فهم التوجهات الأميركية في المنطقة لتحليل مشاريع الاتحاد الأوروبي. وتشير هذه المقاربة إلى اعتبار الولايات المتحدة المنطقةَ العربية والمتوسطيةَ جزءًا من نفوذها تسعى للحفاظ عليه، وأنّ على الاتحاد الأوروبي الموازنة بين هذا الاعتبار واستمرار تعاونه مع الطرف الأميركي الأقوى لاستمرار دور فاعل يؤمّن مصالحه في المنطقة ولو بإذن هذا الطرف.

ويفسر حكمات العبد الرحمن، في الفصل السابع، وفق "النظرية الواقعية" سياسةً خارجية للصين في منطقة الخليج العربي تركز على المصالح الواقعية ومنافسة الولايات المتحدة بالاعتماد على النهج التعديلي بدلًا من النهج الثوري،‏ والتحديات التي تواجهها الصين لضمان أمن إمدادات الطاقة من هذه المنطقة الحيوية لكلا الطرفين. ويختتم الباحث بإمكان تحوّل الصين قوة كبيرة تؤثّر في التوازن العالمي وتطرح تحديات جديدة في السياسة الدولية.

دراسات حالة من المنطقة العربية من منظور واقعي

يتناول عبد النور بن عنتر، في الفصل الثامن، مسألة التسلح ومعضلة الأمن في المنطقة المغاربية، بمقاربة واقعية، مع التركيز على التنافس بين الجزائر والمغرب وتأثيره في مستوى تسلحهما رغم غياب أي تهديدات وجودية، مستنتجًا أن تسلح البلدين يعكس تنافسًا على الزعامة، واحتماليةً لمواجهة عسكرية، ومشدِّدًا على ضرورة ضبط التسلح وإقامة نظام أمن إقليمي يخفّف المخاوف، ويحثُّ النخب الحاكمة على تخفيف عبء الإنفاق العسكري.

وتبين مروة فكري، في الفصل التاسع، دور سياسة الردع و"المراجعة الواقعية" في حل أزمات الدول، مستعرضةً أنموذج أزمة سد النهضة حالةً دراسية، إذ ردعت مصر بقوّتها أيّ تهديد لأمنها المائي، وبتراجع هذه القوة سيضعف ردعها، ما يعكس مبادئ الواقعية التقليدية. وتُرجع الباحثة استمرار "المعضلة المائية" إلى اعتبار كل طرف مكاسبه خسائر للآخر، ما يمنع التعاون ويُلجئ كلَّ طرف إلى بناء تحالفاته الخاصة، كما فعلت مصر وإثيوبيا. وتوضح أن مزج القوة الناعمة ذات الأهمية في تشكيل الرأي العام مع القوة الصلبة بذكاء وفاعلية يؤمّن نجاح الدول في تحقيق مصالحها.

ويتخذ محمد خميس، في الفصل العاشر، مستخدمًا الحدود الواقعية، جامعةَ الدول العربية وصندوقَ النقد العربي دراستَي حالة لتفسير تطور المؤسسات الدولية في النظام العربي وسلوكها بتأثير من الفوضى وغياب السلطة، متوسِّلًا إلى هذا "معضلة السجين". ويُظهر الفصل حاجة الافتراضات الواقعية إلى التعديل بالاستناد إلى تحليل بيئة المكافأة التي تتفاعل فيها الدول العربية، وتقسيمها مجالَين: "أمني - عسكري" و"اقتصادي - سياسي"، ويبيِّن عدم تعاون جامعة الدول العربية وتفضيل دولها أولوياتها الوطنية على التعاون المؤسسي، في حين يشكّل صندوق النقد العربي بيئة تفاعلية أكثر إيجابية بسبب ميزتَي "عدم الإقصاء" و"المكافأة" داخله.

ويناقش مدوخ بن عجمي العتيبي، في الفصل الحادي عشر، التوتّرَ "السعودي - الإيراني" في الخليج العربي واشتدادَه خلال الفترة 2019-1979، ثم عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في آذار/ مارس 2023، مستخلصًا أن تعظيم الدول في النظام الدولي الحالي قوّتها يؤدي أحيانًا إلى سباق تسلح وتوتر، كما نتج من استراتيجية إيران لتعزيز قوتها بهدف الهيمنة وما شكلته من تهديد رئيس للمملكة العربية السعودية، وما تلاه من مسارات لتخفيف حدة المعضلة الأمنية وبناء الثقة بين البلدين وتقاربهما في المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية.

ويختم الكتاب بالفصل الثاني عشر، الذي يشرح فيه علي باكير مفاصل تحوّلٍ ذي أشكال ومراحل زمنية مختلفة في سياسة تركيا الخارجية منذ حُكم "حزب العدالة والتنمية" عام 2002، وبخاصة تجاه المنطقة العربية، ويجادل بأن الواقعية البنيوية هي الأكثر قدرة على تفسير هذا التحول، إذ إنها تأخذ في الحسبان عوامل صياغة السياسة الخارجية، وتستطيع تحليل القرارات السياسية بمنطق عقلاني. ويسلط الفصل الضوء على تأثر السياسة الخارجية التركية بالتطورات الداخلية، وبالتحديات الأمنية والسياسية في المنطقة، وبالضغوط الدولية، ما لا يسمح باعتماد المدرسة الواقعية لتفسير التحولات السياسية كلها.

‏يمكن للمهتمّين اقتناء الكتاب والحصول عليه من خلال متجر المركز العربي للأبحاث ودراسة ‏السياسات ‏‏أو عبر ‏منصات "أمازون" و"غوغل بلاي" و"نيل وفرات".‏

التعليقات