صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العددُ السبعون من الدورية العلمية المحكّمة "سياسات عربية"، التي تعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كلّ شهرين. يضمّ العدد ملفًّا خاصًّا بعنوان: "الانتخابات في العالم العربي: فهم السلوك وتأويل النتائج"، فيه أربع دراسات نظرية وتطبيقية، تُركِّز على قضايا التصويت والثقافة السياسية، ودوافع المشاركة في الانتخابات، والنظام الانتخابي والأزمة السياسية، إضافةً إلى تقديم للمحرر الضيف، عبد الكريم أمنكاي. ويشتمل على توثيق لأهم محطات الصراع العربي – الإسرائيلي، وأبرز مراحل التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي ووثائقه، إلى جانب مراجعتَي كتابَين.
يكشف مارك تسلر، في دراسته بعنوان "هل يعزز التصويت في الانتخابات الثقافة السياسية الديمقراطية؟ أدلة من بحث مسحي في ست دول عربية"، أنّ الثقافة السياسية في العالم العربي لم تحظ بدراسة كافية على المستوى الفردي، بسبب نقص البيانات حول مواقف المواطنين من الديمقراطية وسلوكياتهم السياسية، ما أدى إلى غياب هذا الجانب عن أبحاث العلوم السياسية طيلة سنوات. ولتغطية هذه الفجوة، يبحث تسلر في ارتباط تأييد المواطنين للديمقراطية بانتشار قيمها، وتأثير المشاركة الانتخابية في هذه التوجهات، من خلال تحليل بيانات مسحية ميدانية تشمل ست دول عربية، بغية فهم العلاقة بين سلوكيات التصويت وترسخ القيم الديمقراطية. ويُظهر أنّ تعزيز ممارسات الحكم الديمقراطي، لا سيما توسيع المشاركة الانتخابية، يسهم في ترسيخ ثقافة سياسية ديمقراطية بين المواطنين.
ويرى عبد الكريم أمنكاي وياسمين لحنين، في دراستهما بعنوان "الدوافع الفردية للمشاركة الانتخابية في العالم العربي: أيّ تأثير لتقييم مدى ديمقراطية النظام؟"، أنّ الدراسات التي تناولت ما يسمى بالانتخابات السلطوية، أي تلك التي تُجرَى في سياقات غير ديمقراطية وتركزت على حالات عربية، لم تولِ اهتمامًا كافيًا للأثر المحتمل لتقييم المواطنين لمدى ديمقراطية نظام حكمهم في قرارهم بالمشاركة الانتخابية. ومن هذا المنطلق، يعمل الباحثان على اختبار العلاقة بين تقييم المواطنين لمستوى ديمقراطية أنظمتهم السياسية وسلوكهم الانتخابي، مستندَين إلى بيانات الدورة الثامنة لاستطلاع المؤشر العربي لعام 2022 في تسع دول عربية. ويرى الباحثان أنّ تقييم الأفراد الإيجابي لمستوى الديمقراطية في بلدانهم يعزز احتمالية المشاركة في التصويت، حتى في سياقات يكون فيها الطابع غير الديمقراطي للنظام السياسي واضحًا، مؤكدَين أنّ التصورات الذاتية للمواطنين حول ديمقراطية النظام تؤدي دورًا حاسمًا في تشكيل سلوكهم الانتخابي.
أما فيصل حسن محبوب، في دراسته بعنوان "النظام الانتخابي والأزمة السياسية في تونس بين عامَي 2011 و2021: هل كان للعتبة الانتخابية أن تخلق حكومات مستقرة؟"، فيناقش التأثير السلبي لطبيعة بعض الأنظمة الانتخابية في نتائج الانتخابات، حيث أدّت صعوبة حصول الأحزاب الفائزة بالمراكز الأولى في الانتخابات التشريعية في تونس على الأغلبية المطلوبة لتحمّل مسؤولية الحكم خلال الفترة النيابية، إلى تعطيل الدور التشريعي والانتخابي للمجلس. ويرى أنّ التأثير السلبي لم يقتصر على تعطيل هذا الدور، بل امتد إلى مجمل العملية السياسية، حيث ظهر في تعدد الحكومات وعدم استقرارها، فقد شهدت تونس خلال الفترة المدروسة تعاقب سبع حكومات منذ انتخاب المجلس الوطني التأسيسي عام 2011، ولم تحظَ أيّ حكومة منها بالاستقرار المطلوب.
ويكشف علي بن موسى، في دراسته بعنوان "انتخابات المؤتمر الوطني العام في ليبيا عام 2012: قراءة في ديناميات الانتخابات وتداعياتها"، أن دراسته تسعى إلى مراجعة التأويلات التي رافقت الإعلان عن نتائج هذه الانتخابات، التي شكلت نقطة تحول في ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي، باعتبارها أول تجربة ديمقراطية لبناء نظام سياسي جديد، رغم التحديات العميقة الموروثة عن الحقبة السابقة. ويبيّن أنّ النقاشات التي دارت حينها حول نتائج انتخابات المؤتمر الوطني العام أغفلت تحليل البنية الفعلية للنظام الانتخابي الليبي، الذي أفرز مشهدًا سياسيًا معقّدًا، فكان من الضروري إعادة قراءة تلك النتائج في ضوء فهمٍ أعمق لطبيعة النظام الانتخابي والسياق السياسي الذي جرت فيه. ويخلص إلى أنّ انتخابات 2012 والصراعات التي شهدها المؤتمر الوطني العام ساهمت، إلى حدّ ما، في إعادة إنتاج السلطة خارج مؤسسات الدولة الرسمية.
ويتضمّن باب "دراسة مترجمة" ترجمة حسن احجيج لدراسة جينيفر غاندي وإلين لوتر-أوكار "الانتخابات في ظل الاستبداد". ويشمل باب "التوثيق" أهم "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي" ووثائقه، و"الوقائع الفلسطينية"، في المدة 1 تموز/ يوليو – 31 آب/ أغسطس 2024. أما في باب "مراجعات الكتب" فتقدّم خديجة أوبدة مراجعة لكتاب "الانتخابات السلطوية وجماعات المعارضة في العالم العربي" لجيل ج. بوتورف، ويراجع إبراهيم شليح كتاب "الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس عام 2019: الحقل السياسي والسلوك الانتخابي وحراك النخب"، الذي حرره مهدي مبروك.
التعليقات