صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الثاني والخمسون (ربيع 2025) من دورية عمران للعلوم الاجتماعية. وتضمّن خمس دراسات عن الإيمان والتعصب في شمال غرب أوروبا، والمدينة في الخليج، والأستاذات الجامعيات في لبنان، والحكم الاستعماري في الضفة الغربية، والبرجوازية الفلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي. وتضمّن العدد أيضًا دراسة مترجمة عن الأشكال الشبكية للتنظيم، وتقريرًا عن حال العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم العربي، ومراجعتين لكتابين، فضلًا عن عروض لأربعة كتب صادرة حديثًا.
في أولى دراسات الملف، يتناول طاهر عباس ونبيل خطاب في دراستهما "الإيمان والتعصّب: كيف تتوسّط الهوية الدينية الاستجابات للتمييز في شمال غرب أوروبا؟" كيف تُشكّل الهوية الدينية لتجارب التمييز والتعصّب في غرب شمال أوروبا. وتُظهر الدراسة، استنادًا إلى نظريات الهوية الاجتماعية والتهديد المتكامل والدراسات الدينية النقدية، وتحليل بيانات 5294 مستجيبًا من الدنمارك وهولندا والنرويج والمملكة المتحدة، الدور المزدوج للهوية الدينية بوصفها إطارًا تفسيريًا وآلية استجابة، مع تسليط الضوء على الأنماط المميزة للأفراد العلمانيين.
في حين تستكشف دراسة فيدريكو كوغورولو وإيزوبل لي وربيكا وير "الفانتازيا الحضرية السايبربنكية في الخليج: مدينة ’ذا لاين‘حاضنةً للتحديث في السعودية وخارجها"، تطوّر مدينة ذا لاين The Line (مدينة الخط) في المملكة العربية السعودية، وهي مدينة قيد الإنشاء فائقة التطور، تسعى إلى تغيير المشهدَين الاجتماعي والثقافي للسعودية، فضلًا عن بنيتها التحتية. وتوضح الدراسة أن تطلّعات مدينة الخط المبنيّة في الأصل على سايبربنك غربي، يؤسس لقطيعة مع الماضي الحضري والثقافي للبلاد.
واهتمت دراسة فادية حطيط "الأستاذات الجامعيات وممارسة النفوذ في الجامعة اللبنانية"، استنادًا إلى إجراء مقابلات معمّقة مع عشرين أستاذة جامعية لبنانية، بالتعرف على كيفية تعاملهن مع شبكة النفوذ في الجامعة، والأساليب التي اعتمدنها لممارسة النفوذ في الوسط الأكاديمي. ودلّت نتائج الدراسة على ميلهن إلى تبني شكل التمكين ذي الطابع العلائقي، أكثر من ميلهن إلى تبنّي شكلَي المهادنة والمواجهة لممارسة النفوذ، مع اتّصاف هذه المقاربة بالتخفّي والمواربة وبحالة من الفردية والعفوية واللامرئية واللاقصدية.
أمّا غادة السمان، فهدفت في دراستها "الحكم الاستعماري المباشر وغير المباشر في الضفة الغربية خلال مرحلة ما بعد أوسلو"، إلى تحليل واقع الضفة الغربية ضمن علاقتها الاستعمارية بدولة الاحتلال بعد توقيع اتفاقية أوسلو وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994. وتُبيّن أن الحكم أخذ نمطًا مركّبًا من الحكم غير المباشر والحكم المباشر، وهذا الشكل المركّب هو ما أدّى إلى سيطرة استعمارية عميقة ومتجذّرة في الضفة الغربية.
في السياق ذاته، قدّمت دراسة نتالي سلامة "البرجوازية الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي: وطنية أم كمبرادورية أم تابعة مستفيدة من تبعيتها؟" مقاربة طبقية للبرجوازية الفلسطينية تحت الاحتلال (1967-1994)، مبرزةً الاختلاف بين تبعية البرجوازيات الفلسطينية للبرجوازيات الإسرائيلية، وتبعية برجوازيات دول الأطراف لبرجوازيات دول المركز. كما تقدم الدراسة تحليلًا نقديًّا لمفهوم الكمبرادور في سياق التجربة الفلسطينية، وتبين أن مفهوم البرجوازية الوطنية لا يمكن أن ينطبق على البرجوازية الفلسطينية خلال الفترة المدروسة.
وفي باب "ترجمة"، نقرأ ترجمة ثائر ديب لدراسة والتر و. باوِل "لا سوق ولا تراتبية: أشكالٌ شبكية للتنظيم" المنشورة بالإنكليزية عام 1990، والتي تسلّط الضوء على الخصائص المميزة للأشكال الشبكية للتنظيم، التي تجسّدها أنساق الاتصال والتبادل. وتقدّم الدراسة أمثلةً توضيحية عن ترتيبات شبكية، في الحِرَف والصناعات التكنولوجية المتقدّمة، وفي الاقتصادات المحلّية، وفي حقول سابقة متكاملة عموديًّا. وتختتم بحوارٍ حول الظروف التي توجِد الأشكال الشبكية.
وأعدّ جبريل علي لباب "تقارير"، تقرير بعنوان " حال العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم العربي: قراءة في تقارير المرصد العربي للعلوم الاجتماعية"، استعرض فيه ملامح الإنتاج المعرفي في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم العربي، من خلال قراءة في أربعة تقارير للمرصد العربي للعلوم الاجتماعية، تناولت تلك الحقول من زوايا مختلفة.
أخيرًا، اشتمل باب "مراجعات الكتب" على مراجعة ساري حنفي لكتاب الحرية الأكاديمية وإنتاج المعرفة العابر للحدود الوطنية لدينا كيوان، ومراجعة منصور النصاصرة لكتاب ديار بئر السبع، جنوب فلسطين العثماني: الأرض والمجتمع والدولة لأحمد أمارة. وخُتم العدد بعروضٍ لأربعة كتب صدرت حديثًا أعدّتها هيئة تحرير الدورية، وهي تتناول مواضيع مختلفة عن سوسيولوجيا العدالة الاجتماعية، وسوسيولوجيا الحرية الدينية، والدين والسياسة والمجتمع في تركيا، والنكبة الفلسطينية.
أمّا لوحات العدد، فجاءت من أعمال الفنان التشكيلي اللبناني وسام بيضون، التي تدور حول علاقته بمدينة بيروت، مستكشفًا فن رسم الخرائط في سبيل توثيق تجربته الشخصية وإعادة رسم المدينة بحسب ما تنطوي عليه من مشاعر وتحوّلات.
التعليقات