02/01/2017 - 11:42

الطرق الصوفية في الجزائر... دوران بين الدين والسياسة

إذا قيل الجزائر، فإنّ أوّل الأشياء التي من الممكن أن تخطر على البال بعد بلد "المليون شهيد"، هي الزوايا والمدارس الصوفية المنتشرة في البلاد، حيث يزيد عددها عن 1600 زاوية، أشهرها زوايا "سيدي أحمد التيجاني".

الطرق الصوفية في الجزائر... دوران بين الدين والسياسة

إذا قيل الجزائر، فإنّ أوّل الأشياء التي من الممكن أن تخطر على البال بعد بلد 'المليون شهيد'، هي الزوايا والمدارس الصوفية المنتشرة في البلاد، حيث يزيد عددها عن 1600 زاوية، أشهرها زوايا 'سيدي أحمد التيجاني'، والزاوية البلقايدية والطريقة القادرية.

ويتجاوز تأثير الطرق الصوفية والزوايا في الجزائر الاعتماد عليها لتدريس القرآن، إلى اعتبارها 'قوة سياسية'، لها دور كبير في رسم السياسة الداخلية للبلاد.

ويواصل عدد كبير من الجزائريين تمسكهم بالزوايا أو المدارس القرآنية، ذات التوجه الصوفي، لدرجة أن أشهر الأغاني في الجزائر، تتغنى بمشايخ الطرق الصوفية مثل أغنية 'عبد القادر يا بوعلام'، التي قدمها الشاب خالد، إلى جانب أغنيتي 'سيدي الهواري'، و'سيدي بومدين' وغيرها.

1600 زاوية في الجزائر

للزوايا تاريخ طويل في مجال الحفاظ على الهوية الإسلامية والعربية للشعب الجزائري، ولديها الآن دور سياسي فاعل في مجال التأثير على صانع القرار، حسب الباحث بن علي عبد البصير من جامعة وهران.

ويقول الباحث في تاريخ الحركات الدينية والمدارس الإسلامية في الجزائر إن 'الزوايا تصنف في الجزائر إلى صنفين، زوايا رئيسية وفروع للزوايا، ويبلغ مجموعها ككل نحو 1600 زاوية، حسب وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر.

ويضيف توجد عدة زوايا تمثل اتجاهات طرق صوفية مثل الطريقة القادرية، المنسوبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، والطريقة التيجانية نسبة إلى سيدي أحمد التيجاني، وطرق أخرى يبلغ عددها 14 طريقة منها البلقايدية، المصطفاوية، الرحمانية، الهبرية، والشاذلية، ولكل طريقة مقر رئيسي ومجموعة كبيرة من الفروع.

وحسب الباحث فإن أغلب الزوايا تدرس القرآن الكريم للأطفال، وعدد منها تخصص في تدريس علوم الشريعة والفقه، والآن يمكننا القول إن أغلب الأئمة في المساجد الجزائرية درسوا في زوايا ومحاضر دينية.

ويشير في الوقت نفسه إلى أن الزوايا دائماً ترفض الانخراط بشكل مباشر في الحياة السياسية، 'إلا أنهم ايضاً يقررون دائما موالاة الحكومة القائمة ويطلبون من الشعب دعمها والتصويت لمرشح حزب السلطة القائمة'.

ويتابع: ومن أجل هذا تتحالف الزوايا في الجزائر كقوة سياسية مع السلطة القائمة التي تعطي في كل مرة امتيازات جديدة لها'.
كما نوه الباحث الجزائري بأن أغلب وزراء الشؤون الدينية في الجزائر، جاءوا من الزوايا، ويجب أن لا ننسى هنا أن للزوايا في الجزائر اليوم ممتلكات وقفية تقدر بعدة مليارات دولارات، بل وبعض الزوايا تمتلك عقارات وأوقاف في دول عربية وإفريقية.

تاريخ يمتد إلى 10 قرون

ويعرف أستاذ الشريعة الإسلامية محمد حنيون الزاوية الدينية بأنها 'مدرسة لتعليم القرآن تعتمد فكر التصوف، وتتبع مدرسة من مدارس التصوف المعروفة، ويرأسها المقدم وهو شيخ الزاوية، ويحظ بمكانة اجتماعية مرموقة'.

ويشير 'حنيون' إلى أن الزوايا في الجزائر لها تاريخ طويل يمتد إلى 10 قرون كاملة حيث يعود تاريخ إنشاء أقدم الزوايا في الجزائر إلى القرن الـ11 الميلادي، وهي 'رباط بونه' في مدينة عنابة، شرق العاصمة الجزائرية وأسسها مروان البوني، واسمه أبو عبد الملك الأندلسي.
ويقول 'محمد حنيون'، إنه بالرغم من أن الزوايا تتهم في الجزائر بموالاة السلطة القائمة، إلا أنها لعبت الدور الأهم في التاريخ الجزائري، فقد حافظت على الإسلام وعروبة جزء كبير من الشعب الجزائري، طيلة الاستعمار الإسباني لأجزاء من الغرب الجزائري في القرنين السادس والسابع عشر، وطيلة استعمار فرنسي تواصل لقرن و32 سنة كاملة.

وفي السياق ذاته يضيف أن الزوايا تعرضت لحرب من السلطات الاستعمارية وصودرت أملاكها ومساجدها، وحولت إلى كنائس، لكن واصلت الزوايا تدريس القرآن الكريم واللغة العربية.

تأثير سياسي يفوق قوة الأحزاب

ويقول مصوان العيد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة مستغانم، غربي الجزائر، إن 'الزوايا هي إحدى أهم القوى السياسية والاجتماعية في الجزائر ولها تأثير يفوق تأثير الأحزاب السياسية، لأنها قادرة على تغيير نتائج الانتخابات خاصة في المناطق الريفية '.

وأضاف أنه من المعروف أن الرئيس الحالي للجزائر عبد العزيز بوتفليقة اعتمد منذ توليه السلطة العام 1999 على 'دعم المؤسسة الدينية التقليدية ممثلة في الزوايا'.

ولا يفوت بوتفليقة، منذ وصوله الحكم، أي جولة ميدانية أو زيارة للمحافظات، من دون زيارة الزوايا والحديث إلى القائمين عليها.
وفي نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي قال مدير ديوان الرئيس الجزائري، أحمد أويحي، إن 'الزوايا لها دور ريادي كمؤسسات دينية في الحفاظ على الوحدة الوطنية'.

من جهته، أثار عبد القادر ياسين أمين عام اتحاد الزوايا 'أكبر تجمع للطرق الصوفية في الجزائر'، قبل أسابيع، جدلاً بعد دعوته بوتفليقة إلى الترشح لولاية رابعة العام 2019.

ووصف معارضون تصريحاته بـ'غير المعقولة' كون الموعد بعيد والرئيس يعاني من متاعب صحية، فضلاً عن أنها توظيف لتيار ديني في الصراع السياسي.

وهذه المدارس الدينية التقليدية في الجزائر، كما يقول مصوان العي، 'لعبت دوراً بارزاً أيضاً في مواجهة التطرف والإرهاب أثناء المعارك بين الجيش الجزائري والإسلاميين في تسعينات القرن الماضي، وقد زاد نفوذها أكثر في هذه المرحلة'.

التعليقات