احتفلت الأكاديمية السويدية بمرور 102 عامًا على ميلاد الشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا، الحائزة على جائزة نوبل في الأدب عام 1996، وسط تجدد الاهتمام العالمي بإرثها الشعري، في لحظة تبدو فيها قصائدها القصيرة والمكثّفة أكثر انسجامًا مع عصر مرهق بكثرة الكلام.
وجاءت الاحتفالية بصيغة مزدوجة: تذكّر صامت لشاعرة لا تحب الاحتفالات، وسرد خافت لسيرة امتنعت دائمًا عن روايتها. لم تكن شيمبورسكا من ذلك النوع من الكُتّاب الذين ينظرون إلى الفن كمسار بطولي، بل بدت على الدوام كمن تمشي إلى الشعر على أطراف الأصابع، في محاولة لتجنّب الضجيج الذي قد يوقظ الواقع من غرابته.
وقالت الأكاديمية، في بيانها، إن "شعر شيمبورسكا لا يتباهى بالحكمة، بل يهمس بها، ولا يطلب الإعجاب، بل يُربك بحنانه الواضح للأسئلة التي بلا إجابة". وأضافت: "في زمن الأجوبة السريعة، كانت شيمبورسكا تكتب كما لو أن كل قصيدة اختبار جديد لشرعية الكلام".
وأعلنت "مكتبة برلين للآداب" أنها ستنشر ترجمة ألمانية جديدة لرسائل شيمبورسكا، متضمنة مراسلاتها النادرة مع أصدقاء مجهولين، وضمنها بطاقات طُبعت برسومات هزلية كانت ترسلها إلى أقاربها ومترجمي أعمالها. بطاقات لا تقل فرحًا ودهشة عن قصائدها.
الاهتمام المتجدد بدا لافتًا في بولندا أيضًا، حيث نظّمت جامعة "ياغيلونيان" في كراكوف ندوة بعنوان "شيمبورسكا... شكُّ اللغة وبلاغة التفاصيل"، عُرضت فيها مسودات قصائد لم تُنشر من قبل، تُظهر جانبًا من قلقها الداخلي وصرامتها اللغوية، وميلها إلى حذف الجمل التي تبدو "ذكية أكثر مما ينبغي"، بحسب تعبيرها في إحدى الملاحظات بخط يدها.
أما الجدل، فكان في ستوكهولم، حيث أعاد مثقفون سويديون نشر مقال قديم بعنوان "مأساة استوكهولم"، ينتقد الطريقة التي أُجبرت بها شيمبورسكا على الظهور الإعلامي بعد فوزها بنوبل. فقد كانت، بحسب مقربين منها، تنظر إلى الشهرة بوصفها كارثة أدبية، واعتبرت الجوائز مجرد طارئ خارجي يربك علاقة الكاتب بحريته الداخلية. وكتب أحد أصدقائها ذات مرة: "لم تكن نوبل جائزة بالنسبة لها، بل امتحانًا طويلاً في الصبر الاجتماعي".
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تُفتح فيها تلك السيرة المعقّدة لشاعرة قالت ذات يوم: "عشت حياة سعيدة، لكنها كانت مليئة بالشك والموت، لذلك أفضل ألّا يتحدث أحد عني".
لكنها، رغم تحفظها، عادت مجددًا لتكون موضوعًا للنقاش، والسؤال: هل يمكن للشعر أن يبقى نقيًّا في وجه الاحتفاء؟ وهل يمكن لشخص رفض الحديث عن نفسه أن يبقى حاضرًا بهذه القوّة بعد أكثر من قرن على ميلاده؟
وفي أوروبا، لا تزال دواوين شيمبورسكا تُباع بآلاف النسخ، وفي الولايات المتحدة، حيث نادرًا ما يبيع كتاب الشعر أكثر من ألفي نسخة، تجاوزت مبيعات مجموعتها "منظر بذرة رمل" 120 ألف نسخة في عام فوزها بنوبل وحده.
التعليقات