في فصل جديد من فصول الصراع بين شركات الذكاء الاصطناعي وصنّاع المحتوى الثقافي، كشفت وثائق قضائية عن قيام شركة "أنثروبيك" المدعومة من "غوغل" بتمزيق ملايين الكتب الورقية من أجل تحويلها إلى بيانات رقمية لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي "كلود"، ما أثار جدلًا واسعًا حول أخلاقيات استخدام الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي.
وبحسب تقرير نشره موقع "Ars Technica"، فإن الشركة لم تكتفِ فقط باستخدام محتوى الكتب المحمية بحقوق النشر، بل قامت بقطع صفحات الكتب من أغلفتها، ثم مسحها ضوئيًا، ومن ثم التخلص منها بالكامل. ما يعني أن عبارة "الذكاء الاصطناعي يلتهم الكتب" لم تعد مجرد استعارة مجازية، بل توصيف دقيق لممارسة واسعة النطاق.
وقد برزت هذه الممارسة إلى العلن في حكم قضائي، اعتبر انتصارًا كبيرًا لصالح "أنثروبيك" وصناعة الذكاء الاصطناعي بأكملها. فقد قضى القاضي الفيدرالي الأميركي "ويليام ألسوب" بأن الشركة تملك الحق في استخدام الكتب التي اشترتها بشكل قانوني لتدريب نماذجها، حتى دون موافقة المؤلفين، وذلك بالاستناد إلى مبدأ "البيع الأول" في القانون الأميركي، والذي يتيح للمشتري استخدام المادة التي اقتناها كما يشاء، ما دام لا يقوم بإعادة نشرها أو توزيعها.
لكنّ ما أثار الاستغراب، هو الطريقة التي وصف بها القاضي عملية تمزيق الكتب بعد مسحها، إذ اعتبرها بمثابة "توفير للمساحة"، أي أنها تُدخل في باب الاستخدام التحويلي، وبالتالي تُعتبر قانونية.
ووفق الوثائق، استعانت "أنثروبيك" في شباط/فبراير 2024 بـ"توم تيرفي"، الرئيس السابق لمشروع "غوغل بوكس"، للعثور على وسيلة للحصول على "جميع كتب العالم" دون الدخول في متاهات قانونية أو تجارية، بحسب وصف الرئيس التنفيذي للشركة "داريو أمودي". وكان الحل ببساطة: اشترِ الكتب الورقية، مزّقها، وامسحها ضوئيًا، ثم تخلّص منها، وكل ذلك داخل إطار "البيع الأول".
وتعد هذه الممارسة تطورًا جديدًا في مشهد متأزم، حيث تواجه شركات مثل "ميتا" و"أوبن إيه آي" دعاوى قضائية من مؤلفين يتهمونها باستخدام كتب مقرصنة لتدريب نماذجها. بل إن "أنثروبيك" نفسها، بحسب التقرير، كانت قد استخدمت في بداياتها ملايين الكتب المقرصنة، قبل أن تنتقل إلى الأسلوب الأكثر تحايلاً عبر تمزيق الكتب المشتراة.
ويلفت التقرير إلى وجود تقنيات عديدة متوفرة منذ سنوات تتيح مسح الكتب رقميًا دون إتلافها، مثل تلك المستخدمة في "أرشيف الإنترنت" أو حتى مشروع "غوغل بوكس"، إلا أن "أنثروبيك" فضّلت الخيار الأرخص والأسرع، حتى لو كان ثمنه تدمير كتب أصلية وازدراء الحقوق الأدبية.
ويرى نقّاد أن هذه الممارسات تمثّل استغلالًا صارخًا للثغرات القانونية وتلاعبًا بمفاهيم "الاستخدام العادل"، محذّرين من أن تساهل القضاء الأميركي في هذا الاتجاه قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من الانتهاكات بحق المبدعين والكتّاب، تحت راية "تدريب الذكاء الاصطناعي".
وفي وقت يتراجع فيه المحتوى عالي الجودة القابل للاستخدام في تدريب النماذج اللغوية، يبدو أن شركات التقنية الكبرى مستعدة لفعل أي شيء من أجل "إطعام خوارزمياتها"، حتى لو تطلّب ذلك تمزيق مكتبات بأكملها.
التعليقات