31/10/2025 - 16:46

المخرج السينمائي ريتشارد لينكليتر: "الذكاء الاصطناعي لن يصنع أفلامًا"

يعيدنا هذا إلى مسألة العبقرية البشرية والفن. يرى لينكليتر أن الذكاء الاصطناعي "مجرد أداة أخرى" يمكن للفنانين استخدامها، لكنه "لا يملك حدسًا أو وعيًا"...

المخرج السينمائي ريتشارد لينكليتر:

المخرج السينمائي ريتشارد لينكليتر (Getty)

يثير التطوّر المتسارع لبرامج الذكاء الاصطناعي تساؤلات وجودية في قطاعات شتى، بينها السينما التي تخشى أوساطها من حلول هذه الثورة التقنية محلّ الإبداع البشري... لكن للمخرج ريتشارد لينكليتر خلاصة مختلفة، إذ يؤكّد في مقابلة مع وكالة فرانس برس أن "الذكاء الاصطناعي لن يصنع أفلامًا".

من خلال فيلميه الجديدين "نوفيل فاغ" و"بلو مون"، يقدّم المخرج ريتشارد لينكليتر إجابة على هذا التساؤل الذي يؤرّق كثيرين، متعمّقًا في حياة رجلين لامعين وشديدي التقلّب، صاغت أفلامهما ومسرحياتهما سينما "الموجة الفرنسية الجديدة" ومسرح برودواي.

يقول المخرج المتحدّر من تكساس، ذو الرصيد السينمائي الزاخر بالنجاحات، بينها "بويهود" وثلاثية "بيفور" و"سكول أوف روك" و"هيت مان": "سرد القصص والسرديات والشخصيات؟ أمور ترتبط بالإنسانية؟ الأمر يختلف تمامًا".

يُظهر فيلم لينكليتر "نوفيل فاغ" ("الموجة الجديدة")، المتاح على نتفليكس ابتداءً من 14 تشرين الثاني/نوفمبر، كيف تحدّى المخرج الفرنسي جان لوك غودار في شبابه كلّ تقاليد صناعة الأفلام لينجز فيلمه الشهير Breathless عام 1960.

ويجسّد الفيلم الكاريزما والاندفاع اللذين تحلّى بهما غودار لإقناع المموّلين ونجمة هوليوود الشابة جين سيبرغ بالمشاركة في فيلمه الأول، الذي لم يكن له نصّ ولا جدول تصوير.

يقول لينكليتر عن غودار، أحد رموز حركة "الموجة السينمائية الفرنسية الجديدة" في أواخر الخمسينات والستينات: إنّ شخصيته "كانت فوضوية، لكنه عبقري. كانت بذور ثورة تنمو، لكنه كان الوحيد الذي أدرك ذلك حينها".

على النقيض من ذلك، يصوّر فيلم "بلو مون"، الذي يُعرض حاليًا في دور السينما، كاتب الأغاني في برودواي لورينز هارت في نهاية مسيرته الفنية.

مع الملحّن ريتشارد رودجرز، وضع هارت كلمات لأغانٍ استُحيلت من الكلاسيكيات، بينها "The Lady is a Tramp" و"My Funny Valentine"، و"Blue Moon" بطبيعة الحال.

لكنّ قصة الفيلم تتمحور حول أمسية واحدة يتّضح فيها أن رودجرز حقّق نجاحًا أكبر مع شريكه الجديد أوسكار هامرشتاين الثاني، مع العرض الأول لمسرحيتهما الموسيقية الناجحة "أوكلاهوما!".

بعد أشهر قليلة، يُفارق هارت الحياة بسبب تبعات إدمان الكحول.

يقول لينكليتر: "بات من الواضح جدًا أن الزمن تخلّى عنه وعن عبقريته".

لا خوارزمية قادرة

يعيدنا هذا إلى مسألة العبقرية البشرية والفن. يرى لينكليتر أن الذكاء الاصطناعي "مجرد أداة أخرى" يمكن للفنانين استخدامها، لكنه "لا يملك حدسًا أو وعيًا".

ويقول في مقابلة سبقت العرض الأول لفيلم "نوفيل فاغ" في لوس أنجليس ضمن مهرجان الفيلم الأميركي الفرنسي: "أعتقد أنه سيكون أقلّ ثورية ممّا يعتقده الجميع في السنوات القليلة المقبلة".

وقد كان تجسيد الواقعية التي طبعت "الموجة الجديدة" الفرنسية في هذا العمل، الأشبه بالوثائقي، ممكنًا بجزء منه بفضل التكنولوجيا، مع وصول الكاميرات الرخيصة والخفيفة والمحمولة.

لكنّ لينكليتر يرفض الادّعاء بأن توفير التكاليف والمرونة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُطلق العنان لثورة مقبلة في صناعة الأفلام. ويقول: "ستشاهدون أعمالًا رائعة"، لكن "المهمة الأصعب تتمثّل في سرد قصة آسرة يرغب الناس في مشاهدتها والتفاعل معها".

ويضيف: "هناك العديد من النقاط التي يجب التركيز عليها، من التمثيل وبنية القصة والإيقاع والأسلوب"، و"لا توجد خوارزمية قادرة على فعل ذلك. لذا لن يُجدي أي عنصر تحفيزي نفعًا".

أصالة

من بين مشاريع لينكليتر المستقبلية فيلم Merrily We Roll Along، المُقتبس من مسرحية ستيفن سوندهايم الموسيقية.

يُصوّر هذا الفيلم، الذي تدور أحداثه على مدى عقدين، نهاية صداقة بين ثلاثة فنانين، ويُروى بتسلسل زمني عكسي.

وفي ما يبدو كمسعى لإثبات وجهة نظره بشأن التكنولوجيا، قرّر لينكليتر تصوير الفيلم على مدى 20 عامًا، ما سمح للممثلين بأن يكبروا على الشاشة.

ويشكّل هذا العمل نسخة أكثر تعقيدًا من فيلمه الحائز جائزة الأوسكار "بويهود"، الذي امتدّ تصويره على 12 عامًا.

بالطبع، استُخدم الذكاء الاصطناعي أخيرًا بهدف محو آثار التقدّم في السنّ لدى الممثلين، كما حصل في فيلم توم هانكس Here عام 2024. لكنّ لينكليتر لا يُبدي اهتمامًا يُذكر بذلك.

ويوضّح: "إنها ليست خدعة بصرية، أليس كذلك؟ أريد حقًا أن يؤدّي ممثل في سنّ معيّنة دور شخصية ما".

يقول إنّ طلب تأدية دور شاب في الخامسة والعشرين من شخص في الخامسة والأربعين "ليس أصيلًا"، لأن الشباب "لا يعرفون حتى معنى أن يكون الشخص في هذه السن".

ويضيف: "أريد أن يكون الممثلون أكبر سنًا وأكثر حكمة بكثير"، لذا، لا يتوقّع عرض فيلم Merrily We Roll Along في دور السينما قريبًا.

ويؤكد لينكليتر: "هذا نهجي في التمسّك بالإنسانية!".

التعليقات