يُعد مسلسل "Mr Scorsese" الوثائقي الجديد على Apple TV+ نافذة استثنائية على حياة وأعمال أحد أعظم صُنّاع السينما في العالم، مارتن سكورسيزي، الذي يحكي بصراحة غير معتادة عن محطات متقلبة في رحلته، من معاناته مع المخدرات وحتى تشكيل رؤيته الدينية التي انعكست على أفلامه.
السلسلة المكوّنة من خمس حلقات تقدم سردًا حميمًا وعميقًا لسيرة سكورسيزي، وتجمع شهادات من أقرب شركائه، مثل روبرت دي نيرو، ليوناردو دي كابريو، والمونتيرة الشهيرة ثيلما شوينمايكر، إلى جانب أرشيفات خاصة وصور عائلية لم تُعرض من قبل.
المخرجة ريبيكا ميلر تقف خلف الكاميرا، لكنها حاضرة بصوتها وأسئلتها الذكية، ما يمنح الحوارات مع سكورسيزي طابعًا تأمليًا ساخرًا، حيث لا يتردد في الاعتراف بأخطائه المهنية والشخصية.
واحدة من أبرز لحظات السلسلة هي تلك التي يروي فيها كيف أنقذه دي نيرو من دوامة الإدمان حين كان على شفير الموت، ودفعه لإخراج فيلم "Raging Bull"، وهو ما اعتبره بداية جديدة في حياته.
يسلط الوثائقي الضوء على القيم الأخلاقية العميقة التي شكلت أفلام سكورسيزي، حيث بقيت أسئلة الخير والشر، والخطيئة والخلاص، محاور مركزية في أعماله، وهو ما يعكس جذوره الكاثوليكية وتجربته الفريدة كطفل مصاب بالربو يتأمل العالم من نافذة شقته في "ليتل إيتالي" بنيويورك.
ومن هناك، انطلقت عدسته في ملاحقة العنف والهوية والتمرد، وهي ثيمات تظهر بقوة في أفلام مثل "Taxi Driver" و"Goodfellas".
السلسلة لا تتجنب التحديات في مسيرة سكورسيزي، بما فيها الإخفاقات التجارية مثل "Kundun" و"Bringing Out the Dead"، ولا التناقضات في تصوير النساء في أفلامه، وهو موضوع طالما أثار الجدل. كما يكشف عن مشاعر العزلة والغضب التي عانى منها، وارتباطها المباشر ببعض شخصياته السينمائية المعقدة.
ورغم أن الوثائقي لا يغوص كثيرًا في تفاصيل حياته العائلية، إلا أنه يُظهر جانبًا إنسانيًا نادرًا، خاصة في علاقته بابنته الصغرى فرانسيسكا، التي ساعدته مؤخرًا على كسب جمهور جديد عبر فيديوهات طريفة على "تيك توك".
"Mr Scorsese" ليس مجرد سيرة مخرج ناجح، بل دراسة صادقة في مسيرة رجل جمع بين الإيمان بالسينما والخوف من نفسه، بين الرغبة في الغفران والقدرة على تصوير السقوط الأخلاقي بأقصى درجات الجمال البصري. إنه عمل لا غنى عنه لعشاق السينما، ومحطة تأمل نادرة في مسيرة من غيّر وجه الفن السابع.
التعليقات