لم يأتِ صعود فيلم "One Battle After Another" (معركة تلو الأخرى) إلى صدارة شاشات أميركا الشمالية مجرد إنجازٍ في شباك التذاكر، بل بدا وكأنه حدث سينمائي يعيد ترتيب أسئلة السينما الأميركية حول السلطة والعنف والعدالة.
الفيلم الذي أخرجه بول توماس أندرسون، أحد أبرز الأصوات المعاصرة في هوليوود، من "ماغنوليا" إلى "ذير ويل بي بلاد"، يجد في ليوناردو دي كابريو رفيقًا مثاليًا لإطلاق ملحمة جديدة تتأرجح بين الكوميديا السوداء والدراما الملحمية وأكشن يتقاطع مع السياسة.
دي كابريو يؤدي هنا شخصية ثوري سابق متقدّم في العمر، ينطلق في رحلة لإنقاذ ابنته المراهقة من عالم تسوده الفوضى والفساد. الدور لا يكتفي بملامح "البطل الأكشن" الكلاسيكي، بل يزج دي كابريو في مساحة هجينة: مزيج من مرارة الشيخوخة وعنف لا يزال قادراً على الانفجار، وهو ما يفتح الباب أمام قراءة رمزية لدور الأجيال في معركة لا تنتهي ضد الظلم.
صحيفة نيويورك تايمز وصفت الفيلم بأنه "ملحمة كرنفالية عن الخير والشر والحقوق غير القابلة للتصرف". حيث يثبت أندرسون أنه مخرج لا يهاب تضخيم المشهد ليحاكي طبيعة أميركا المتناقضة: الاحتفال الصاخب بالحرية يتقاطع مع إرث طويل من العنف المؤسسي.
اللقطات الطويلة المتشابكة، وحواراته المتوترة، تمنح الفيلم ملمحًا أقرب إلى تجربة مسرحية ملونة، لكنها محمولة على إيقاع سينمائي متسارع.
واحتفى النقاد بالفيلم كعملٍ يتجاوز قوانين السوق. فالمحلل ديفيد أ. غروس رأى أن البداية "توازي انطلاقة أحد أجزاء السلاسل الضخمة"، لكن مع فارق أن الفيلم محمّل بطموحات فكرية وفنية.
وشبّه بعض النقاد بناء الفيلم بـ"أرض بول توماس أندرسون المفضّلة": حيث لا ينفصل العنف عن الفلسفة، ولا ينفصل الترفيه عن السخرية السوداء من السلطة.
ويتوقع كثيرون أن يضع هذا الدور دي كابريو في قلب سباق الأوسكار من جديد. أداؤه لا يقوم فقط على الكاريزما المعتادة، بل على هشاشة داخلية يمررها في لحظات الصمت أكثر من مشاهد الانفجار.
ويفتح الفيلم نقاشًا حول وظيفة السينما الأميركية اليوم: هل تكتفي بإعادة تدوير الحكايات البطولية، أم تحاول طرح أسئلة عن معنى العدالة في زمن الانقسامات؟ أندرسون ودي كابريو يقدمان إجابة منحازة إلى الخيار الثاني، من دون أن يتخليا عن متعة الصورة وحس الكرنفال.
وبحسب نقاد، فالفيلم قد يكون أحد أبرز محطات موسم الجوائز، ليس لأنه يحقق أرقامًا تجارية، بل لأنه يطرح معركة سينمائية بحد ذاتها: معركة ضد ابتذال السرد، ومعركة من أجل أن تظل الشاشة الكبيرة فضاءً للدهشة والتفكير معًا.
التعليقات