تستضيف صالة عرض "بلقيس" للفنانة فاطمة أبو رومي، في البلدة القديمة بمدينة الناصرة، معرضا جماعيا، تشارك فيه مجموعة من الفنانين الفلسطينيين من أراضي 48 والضفة الغربية وقطاع غزة، تحت عنوان "حكايا البلاط".
ولـ"لبلاط الفلسطيني قصص وحكايا لا تنتهي، وهي قصص الطفولة والساحات حيث كان يلعب الأولاد. قصص ترويها الجدات للأحفاد قبل النوم، وقصص أخرى كتلك التي كانت ترويها شهرزاد على مدار ألف ليلة وليلة مع مطلع كل صباح جديد لتحيل عاقبة موت محتّم الى نبض حياة".، هذه بعض الكلمات التي كتبها المحاضر والمؤرخ والباحث في التراث الفلسطيني، د. حسني الخطيب شحادة، ابن مدينة اللد، وهو القيّم على معرض "حكايا البلاط".
شاهد | حين تستمع "بلقيس" الناصرة إلى "حكايا البلاط" الفلسطيني @arab48website https://t.co/x1xkOWYuvF pic.twitter.com/xBFZv82tuB
— موقع عرب 48 (@arab48website) May 11, 2025
يستقبل المعرض الزائرين فرادى ومجموعات، وقد تزامنت زيارة "عرب 48" مع مجموعة من طلاب الفنون في كلية "أورانيم"، بحضور الفنانة فاطمة أبو رومي، مديرة ستوديو وصالة "بلقيس"، وقالت عن المعرض إن "هذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها الصالة معرضا جماعيا يضم 11 فنانا، وهو ما لم يكن بالأمر اليسير خاصة أن بعض هذه الأعمال استقدمت من مخيّمات في مناطق الضفة الغربية، لكن كل هذه الصعوبات لم تشكّل عائقا أمام إصراري على استضافة المعرض".
وأشادت أبو رومي بـ"العمل الشاق والجهد الجبار الذي بذله القيّم على المعرض د. حسني الخطيب، وأثنت على الجوانب المهنية والإنسانية لهذا الباحث والمحاضر".

"عرب 48" أجرى الحوار التالي مع د. حسني الخطيب شحادة، القيّم على معرض "حكايا البلاط" الذي يضم 11 عملا فنيا لفنانين فلسطينيا:
"عرب 48": حدثنا عن المعرض من حيث الفكرة، وعنوان المعرض، والمتاعب والصعوبات التي رافقت عملية تنظيم المعرض؟
الخطيب: لن أدخل كثيرا في تفاصيل الصعوبات التي واجهتنا، ولكن يكفي أن نقول إننا نقيم المعرض في ظروف غير عادية، خاصة بالنسبة لنا نحن في الداخل، حيث علامات السؤال تثار حول كل مشروع فني أو ثقافي له علاقة بهويتنا وثقافتنا، وما هي الحدود المسموح العمل بها مقابل ما هو محظور، فنحن نعمل في منطقة المستحيل، خصوصا أنه منذ البداية حين أقمت معارض في مدينة بيت لحم وأماكن أخرى في موضوع الفن الفلسطيني كنت دائما حريصا على أن تعبر الأعمال عن كل الفئات، وأن نتجاوز كل العقبات المفروضة علينا لكي نستطيع، على الأقل، أن نوصل رسالة تجمع أعمالا فنية من كل فلسطين التاريخية، ومن حسن حظنا أن لدينا مجموعة من المقتنين منهم سامح صفية، وهو مقتني أعمال ولديه مجموعة أعمال من كل مناطق فلسطين، ونكنّ له الشكر الجزيل على التعاون ومنحنا هذه المقتنيات للمعرض.
"عرب 48": لنعرّج على الفكرة وتسمية المعرض "حكايا البلاط"؟
الخطيب: بما أنني في المدة الأخيرة أقوم بتدريس موضوع الفن التشكيلي الفلسطيني، رأيت بأن هناك مسلّمات في هذا النوع من الفن وهي عبارة عن رموز شائعة ومعروفة حتى لمن لا يتخصص بالفن التشكيلي الفلسطيني، وهو يوحي بأن العمل يحمل رسالة معينة وله دلالات فلسطينية، سواء باللباس أو بالتطريز أو بالمفتاح، الصبر، الزيتون وبطبيعة الحال البلاط. فقد لفت انتباهي تعامل الفلسطيني مع موضوع البيت أو ما تبقى من البيت الذي كان موجودا تاريخيا، جزء منه عامر ولا زال أصحابه يعيشون فيه، وجزء منه مدمّر، ونحن نعلم اليوم أن الدمار موجود في كل مكان وخاصة في غزة.
في نهاية الأمر كل واحد من الفنانين يتعامل مع هذا الموضوع بشكل شخصي بدون علاقة للمعرض، بل كجزء من هويتهم وتاريخهم وذاكرتهم، سواء الشخصية أو الذاكرة الجمعية، وهو ما جذبني لإقامة هذا المعرض بإشراك فنانين عبروا من خلال عملهم الفني بتنوّع المواد والأدوات، دون حصر الموضوع ضمن ذاكرة البيت المهدوم أو النكبة، أو حدث تاريخي معيّن في بيت أهلي أو جدي أو عائلتي في حيفا ويافا، وهو الشيء الأولي الذي يطرأ على البال.
نحن حين نتحدث عن مجموعة فنانين من مناطق مختلفة، وأجيال مختلفة، فالشيء الرائع في هذا الموضوع أنهم جاؤوا من خلفيات مختلفة ودرسوا تقنيات وأساليب مختلفة، وفجأة تكتشف أن هناك ثراء للفن التشكيلي الفلسطيني يخرج من قوقعة الفن التشكيلي الذي يحمل رسالة مباشرة.
نتحدث عن موضوع أعتقد أنه من المهم طرحه، وهو مدى قدرة الفن الفلسطيني على تجاوز مرحلة التقوقع في المكان وأن يصل إلى العالمية بفكرة متعددة الأدوات والمواد والأساليب.
لنأخذ، على سبيل المثال، موضوع القدس الموجود منذ بداية تاريخ الفن التشكيلي الفلسطيني وما يحمله هذا الموضوع من رمزية ومكانة وقدسية، ولكن عندما يجيء فنان مثل خالد حوراني ويحوله إلى صندوق من الخشب ويضع عليه السيراميك ثم يكتب عليه فقط الاسم بالعربية "القدس" والأبعاد، فأنت تستطيع أن تشتري هذا العمل وتعرضه في أي مكان في العالم، فهذا البعد يشير إلى وجود رابط أعلى من الحواجز وأعلى من الواقع المهمش الذي نعيش فيه. وهذه فكرة، ونحن هنا في صدد الحديث عن أفكار، والفن المفاهيمي يحمل نوعا من السخرية ومن التعبير الخاص والمميز لكل فنان، على عكس مفهوم الفن التشكيلي التقليدي في المجتمع.
"عرب 48": هل تعتقد أن الزائر للمعرض يستطيع أن يفهم المعاني الكامنة والمبهمة في الأعمال أم أنه يفضل التعامل مع العمل التعبيري؟
الخطيب: أعتقد أن وظيفة المعارض، في المدة الأخيرة، وتحديدا هذا المعرض محاولة لمس الأشياء وكأنها بسيطة، وفي هذا المعرض البلاط الفلسطيني الذي يعرفه الجميع، ولكن فجأة عندما تدخل إلى المعرض تلاحظ بأن البلاط يحمل الكثير من الرسائل والاتجاهات بالـ"فيديو آرت" وأيضا بالرسم الواقعي والتجريدي كمثل العمل الذي يقدمه الفنان نهاد ضبيط، ابن مدينة الرملة، والذي رحل قبل نحو عامين، الذي صنعه من روث الخيول وحوّل من خلاله البلاط إلى نوع من المادة والرائحة، ويجمع ما هو ظاهر وما هو مخفي من الذكريات تحت البلاط.
"عرب 48": لماذا وقع الاختيار على صالة عرض "بلقيس" في البلدة القديمة بالناصرة؟
الخطيب: لعدة أسباب، منها أن بعض الفنانين الفلسطينيين يرفضون عرض أعمالهم في صالات عرض أو مؤسسات إسرائيلية، فكان من حسن حظنا أن في مدينة الناصرة صالة عرض خاصة لفنانة فلسطينية محترمة من مدينة طمرة، اختارت أن تقيم صالة عرض في قلب الناصرة، على الرغم من أن الناصرة وضعها اليوم شبه مأساوي من حيث البرامج الثقافية، وكان من المهم بالنسبة أن يكون المعرض في البلدة القديمة وهي ميزته الأساسية، وأعتقد أنه كان من الممكن أن نقيم المعرض ذاته في متاحف أو صالات عرض أسهل الوصول إليها من البلدة القديمة، لكن في صالة عرض "غاليري" في قلب الناصرة، حيث معظم المحلات في البلدة القديمة مغلقة، فهذه مأساة تصوّر الواقع العام لمدينة تاريخية عريقة سُلب من سكانها الحق في الحديث عن ثقافتهم وتاريخهم وعن وعيهم الذاتي، فنحن نشعر كما يقال باللغة العامية بأننا "مربوطون" أي مقيّدون.
مجموعة من الفنانين اقترحت عليّ قبل مدة وجيزة تنظيم معرض عن غزة، لكن هناك خوف من الحديث عن هذا الموضوع في ظل تضييق مساحة التعبير، لذلك نعمل في الحيز الذي يمكن أن نقيم فيه مشروعا متواضعا نعبّر فيه عن أحاسيسنا وذكرياتنا وتاريخنا.
"عرب 48": كم لوحة في المعرض ومن أصحابها؟
الخطيب: يشارك في المعرض 11 فنانا، بعضهم من رام الله، لا يستطيعون الوصول إلى الناصرة بسبب الحواجز، ومن غزة الأمر أكثر صعوبة، وأكثر شيء كان مؤثرا بالنسبة لي هو أن الفنان الموجود تحت القصف، محمد الحاج، ويكتب ويرسل على منصة التواصل الاجتماعي لأصدقائه الفنانين ويدعوهم لزيارة صالة المعرض في الناصرة ومشاهدة أعماله، صدقني أنا بكيت بكاء الأطفال عندما قرأت رسالته هذه.
تخيّل أن هذا الشخص الموجود تحت القصف يفكر في الفن ويصنع الفن.. أي قدرة نفسية لدى هذا الفنان؟ أمر آخر لا يقل أهمية هو وجود فنانين لعائلات مهجّرة تاريخيا من يافا واللد والرملة، وهم يتواجدون اليوم في الضفة وغزة، وهنا نلاحظ محاولات تكوين هذه الروابط من جديد، والفن يحمل مسؤولية هذا التشبيك بين الفلسطينيين، حتى وإن كان مجازيا.
"عرب 48": هل واجهتم صعوبات في عملية نقل اللوحات والأعمال الفنية من الضفة وغزة إلى الناصرة؟
الخطيب: طبعا، من تجربتي السابقة حين كنت في بيت لحم، دائما كنت أواجه هذه الصعوبات، بالإشارة إلى أنه لا يوجد هناك أي نوع من التأمين على هذه الأعمال الثمينة على الحواجز، والتأمين يسري على هذه الأعمال فقط بعد وصولها إلى الصالة أو مكان العرض، وهذا الموضوع يحمل الكثير من المخاطر، سواء المصادرة أو الاعتداءات على الحواجز وحتى من الناحية القانونية ليس من السهل نقل عمل فني من الضفة الغربية إلى الداخل، وهذه العوائق غير موجودة في أي مكان بالعالم سوى في تعقيدات منطقتنا، فهنا كل شيء معقّد، وكل شيء غير عادي!
تجدر الإشارة إلى أن د. حسني الخطيب شحادة، هو مهجر من مجدل عسقلان، ويقيم في مدينة اللد، درس التاريخ والثقافة العربية في القرون الوسطى، وهو باحث في التاريخ الإسلامي والفنون الإسلامية، وفي السنوات الأخيرة يجري أبحاثا في الفن الفلسطيني المعاصر، ومحاضر في كلية الفنون في "بتسلئيل"، وكلية الهندسة المعمارية، يدرّس موضوع الفن والبناء والعمارة الإسلامية، ونشر العديد من الأبحاث في الفن الفلسطيني المعاصر، وأقام العديد من المعارض الفنية في الضفة الغربية، وخاصة في بيت لحم.
اقرأ/ي أيضًا | الناصرة: معرض "لمسات وألوان" للفن التشكيلي في البلدة القديمة
التعليقات