23/10/2025 - 12:26

الطبق الطائر فوق القرية المنسية: معرض بينالي غزة بالناصرة يوصل صرخة الغزيين من بين الركام

يشارك في البينالي أكثر من خمسين فنانًا فلسطينيًا من قطاع غزة، يُعرض لستةٍ منهم أعمال في جناح الناصرة، في تجربة فنية تُعيد وصل ما انقطع بين المكان والذاكرة...

الطبق الطائر فوق القرية المنسية: معرض بينالي غزة بالناصرة يوصل صرخة الغزيين من بين الركام

في أزقة سوق المبيّضين المهجور في البلدة القديمة بمدينة الناصرة، يُعرض هذه الأيام معرض "الطبق الطائر فوق القرية المنسية"، وهو جزء من بينالي غزّة، المعرض الدولي الذي انطلق عام 2024 من خيام النزوح في قطاع غزة، وتحديدًا من مدينة دير البلح، نحو العالم.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

يشارك في البينالي أكثر من خمسين فنانًا فلسطينيًا من قطاع غزة، يُعرض لستةٍ منهم أعمال في جناح الناصرة، في تجربة فنية تُعيد وصل ما انقطع بين المكان والذاكرة.

تحتضن مساحة الدّار للبحث والفن والعمارة المعرض، الذي افتُتح مساء 17 تشرين الأول/أكتوبر بمبادرة من القائمين على "الدار" وبمشاركة فنانين ومتطوعين من المدينة، ليستمر حتى 1 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. ويهدف المعرض إلى إعادة الحياة إلى سوق الناصرة المهجور عبر الفن، ونقل صوت غزة ومعاناتها من قلب الجليل إلى العالم.

يجمع المعرض لوحات رقمية وصورًا فوتوغرافية ومواد فنية أنجزها فنانون نازحون من القطاع، اضطرّوا إلى الرسم على هواتفهم المحمولة بعد أن فقدوا أدواتهم التقليدية في الحرب. ويتضمّن البرنامج الثقافي المرافق عروض أفلام ومحاضرات وورشًا فنية، أبرزها ورشة صناعة الطائرات الورقية للأطفال، في إشارة رمزية إلى الحرية والتحليق فوق الحدود.

في حديثها لموقع عرب ٤٨، أوضحت قيّمة المعرض رزان زعبي – زيداني أن "بينالي غزة هو فعالية دولية تُقام كل عامين، إلا أن هذه الدورة تميّزت بانطلاقها من غزة نحو العالم، في خطوة رمزية تعبّر عن إصرار الفنانين الغزيين على إيصال صوتهم رغم الدمار والحصار. ونحن في جناح الناصرة استجبنا لهذه المبادرة، ويحتوي المعرض على أعمال مختارة لستة فنانين فلسطينيين".

وخلال جولة داخل سوق المبيّضين وبين لوحات فناني غزة، أخذت زعبي – زيداني تشرح تفاصيل الأعمال الفنية قائلة: "تبدأ الجولة بعمل الفنانة ياسمين الداية بعنوان حياة، الذي يجسّد قصة طفلة تفارق الحياة كرمزٍ للفقد الإنساني في غزة. وفي أزقة السوق تُعرض أعمال الفنان حمادة القبط تحت عنوان تحت المراقبة، تُحيط بها كاميرات توحي بالرقابة الدائمة والعزلة المفروضة على الفلسطينيين، بينما يظهر في الخلفية مجسّم لجدار الفصل العنصري".

وتضيف زعبي – زيداني: "أما داخل المحال التي أُعيد ترميمها، فتُعرض أعمال لعدد من الفنانات، منهن ملكة أبو عودة في معرضها صرخة الموت، وجهاد جربوع في عملها ماذا بعد؟، ويارا زهد في معرض وجع لا ينام. تجمع هذه الأعمال بين الألم والتمسّك بالحياة، وتقدّم قراءة فنية للدمار والنجاة في آن واحد".

وتوضح أيضًا: "في واجهة أحد المحال من الداخل، يُعرض عمل ملكة أبو عودة محرقة، الذي يوثّق مجزرة المستشفى المعمداني في غزة، وذلك في آخر محل من محلات المبيّضين القديمة، التي كانت تُستخدم فيها النار ضمن مهنة التبييض".

وتتابع زعبي – زيداني: "تبرز في المعرض أيضًا عدسة الفنانة يارا زهد، التي وثّقت الحياة اليومية خلال النزوح في غزة - من الخيام إلى البحر والغسيل المعلّق - بينما تختتم ملكة أبو عودة الجولة بعملها الرقمي صرخة الموت، الذي يعكس تجربتها الشخصية في النجاة من تحت الأنقاض، في مشهد يلخّص فكرة المعرض عن الإحياء والذاكرة".

من جانبه، تحدّث المشرف الفني للمعرض ظاهر زيداني عن صعوبة ولادة الفكرة قائلًا: "الفنانون النازحون لم تكن لديهم إمكانية لجلب مستلزمات الرسم، فحوّلوا هواتفهم إلى أدوات تعبير، وأنتجوا من خلالها أعمالًا رقمية تعبّر عن الألم والأمل معًا".

وأضاف زيداني: "الصور الفوتوغرافية المعروضة تُعد من أكثر الأعمال تأثيرًا، لا لجمالها البصري فحسب، بل لقدرتها على نقل مشاعر الفقد والصمود. ومن بين هذه الأعمال، تبرز الصورة التي حمل المعرض اسمها الطبق الطائر فوق القرية المنسية، والتي تحوّلت إلى رمز بصري لرسالة البينالي".

وفي حديثه عن التحضيرات، أشار زيداني إلى أن "تجهيز المعرض واجه تحديات لوجستية كبيرة، خاصة أن سوق المبيّضين مغلق منذ أكثر من ثلاثين عامًا. قمنا بتنظيف المكان وإزالة كميات كبيرة من القمامة، ورممنا أبواب المحال المهجورة وأعدنا فتحها. شعر أصحابها بفرح كبير حين رأوا أبوابها تُفتح من جديد بعد عقود من الصمت".

ونوّه زيداني إلى أن "الجهد كان جماعيًا بامتياز، بمشاركة عشرات المتطوعين من الشباب والصبايا الذين عملوا بمحبة وإيمان بأهمية إعادة الحياة إلى السوق".

وختم زيداني حديثه قائلًا: "هذا المعرض يشكّل ردّ فعل فني طبيعي من أبناء الداخل تجاه ما يحدث في غزة، ورسالة تضامن تعبّر عنها الألوان، والصور، والهواتف التي تحوّلت إلى أدوات مقاومة فنية".

وبين زوايا السوق وأعماله الفنية، وقف الشيخ محمود عبد الشيخ، أحد أصحاب المحال القديمة، يتأمّل اللوحات التي غيّرت ملامح المكان الذي خبا ضجيجه منذ سنوات.

وقال عبد الشيخ لـعرب ٤٨: "الأعمال المعروضة تتحدث عن الوجع والإبادة والدمار، لكنها أيضًا تتحدث عن الصبر ومحاولات أهل غزة في التمسك بالأمل والحياة".

وعن أهمية إحياء هذه المحال عبر الفن، أضاف: "نأمل أن تزول هذه الغمّة عن قطاع غزة ويُعاد إعمارها من جديد، كما نأمل أن يعود سوق الناصرة لسابق عهده، وأن يعود إقبال الأهالي إلى هذا المكان العريق الذي كان نابضًا بالحياة".

التعليقات