سليم ضو «ساغ سليم» لكن متوثّر!

سليم: «لقد عملت في الكثير من المسارح العبرية في البلاد، لكني بصراحة لم أجد نفسي هناك، كان عندي هناك شعور دائمٌ بالغربة، عملت في «المسرح البلدي» في حيفا، وللمفارقة قبل فترة وجيزة كان هنالك احتفال بمناسبة 50 عامًا على تأسيسه، وخلال الأمسية قالوا إن المسرح البلدي هو مسرح يهودي.. فهمست لزوجتي «مش قلتلك حاسس بغربة؟!».

سليم ضو «ساغ سليم» لكن متوثّر!

خلال تحضيره للعرض الثاني لعمله الجديد «ساغ سليم» كان سليم ضو «متوثّرًا»، على حدّ تعبيره، أي متوترٌ ومتأثّر، متوتر من أداء العرض مجددًا بعد الإعجاب الكبير الذي عبّر عنه الحضور ومتأثر من هذه التجربة المسرحية الجديدة، فقد قرّر بعد 41 عامًا من العمل الفنيّ وفي جيل 61 أن يحكي قصته الشخصية بصدق وبساطة، فحالت، لذلك تحديدًا، سردًا لقصتنا الجماعية.

 

 
فصل المقال/ إياد برغوثي وربيع عيد

التقينا به في مقرّ جمعية «المشغل للثقافة والفنون»، التي دعمت إنتاج العرض، كان يتدرّب مع الفنان حبيب شحادة، الذي يرافقه موسيقيًا في العرض، على المشاهد ومقاطع الغناء، كان منفعلاً وقد دبّ فيه حماس الواثقين.
 
لقد نفذت تذاكر العرض الثاني مبكرًا، الجمهور أحبّ المسرحية ولم «يتزحزح» عن الكراسي لمدة ساعتين متواصلتين، بل أكثر قليلاً.
 
في «ساغ سليم» يحمل سليم حقائب السفر إلى طفولته الريفية في قرية البعنة الجليلية، إلى تفاصيل حياته بعد نجاته من الموت طفلا رضيعًا «أنا اليوم بفكر إنّو إذا الواحد بعنّد وبدّو يعيش، بمُتش»، إلى حزنه على كلبته التي قتلها الحكم العسكري، إلى ملاحقة الشاباك، إلى شقاوته المدرسية، إلى تدليع نساء القرية لهو كطفل «موتوِت» صغير الحجم، إلى أفلام السينما الأولى، إلى باريس حيث تألق في أكبر المسارح، إلى وفاة ولادته وهي فخورة بنجاحه، إلى زوجته وبناته- ملكته وأميراته، يلبس سليم الأقنعة ويغني طربًا ويحكي بصدق وبساطة. ينقّل حقائب السفر ليبقى.
 
 
لماذا قرّر سليم ضو أن يحكي قصته الشخصية الآن بالذات؟ 
سليم: «فكرة المسرحية هي «أنني مسافر»، كأي إنسان فلسطيني في هذه البلاد، حقيبتي جاهزة للسفر، أنا تعبان من هذه الدولة، لذلك قررت أن أتكلم عن هذا الموضوع، وقررت أن احكي ما يدور في رأسي: إنني مسافر. أفكر بعد 41 عامًا من العمل في مجال الفن (المسرح والسينما والتلفزيون) وأتساءل: ماذا أريد؟ إلى أين أنا ذاهب؟ هل كان اختياري صحيحًا؟ أسأل نفسي هذا السؤال حتى بعد 41 عاما من العمل!».
«أبلغ اليوم 61 عامًا، لقد حان الوقت كي أحكي قصتي، أن أحكي عن هذه السنوات. الفكرة لدي منذ عام 1972، وهي تدور في راسي طوال الوقت، كانت لي محاولات في السابق لمسرحية وحيد (مونودراما)، لكن جدلا دار بيني وبين نفسي: «مين بدو يسمعني؟ شو عم بتهبل؟»، لكن وبعد 41 عامًا «استوت الطبخة.. زي ما بقولوا».
 
«الآن بالذات لأنني جاهز، بالأمس لم أكن جاهزًا، وغدًا لا اعرف ما قد يحصل لي. الآن لأنّ العرض وُلد وبشكل نهائي، الآن حان الوقت».
 
 
كيف خرج عرض «ساغ سليم» إلى النور، حدّثنا عن المسار العمل بعد الفكرة؟
سليم: «لقد عملت في الكثير من المسارح العبرية في البلاد، لكني بصراحة لم أجد نفسي هناك، كان عندي هناك شعور دائمٌ بالغربة، عملت في «المسرح البلدي» في حيفا، وللمفارقة قبل فترة وجيزة كان هنالك احتفال بمناسبة 50 عامًا على تأسيسه، وخلال الأمسية قالوا إن المسرح البلدي هو مسرح يهودي.. فهمست لزوجتي «مش قلتلك حاسس بغربة؟!».
 
«عملت مديرًا لمسرح الميدان لمدة 3 سنوات، لكن للأسف لا يستطيع هذا المسرح بسبب وضعه الحرج أن يحوي كلّ المواهب».
 
«عُرض علي الكثير من النصوص ولكتاب كبار، لكني لم أشعر أنّ النصوص تخاطبني، فقلت في نفسي من يكتب لي أفضل مني؟»
«فبدأت مع نفسي، ولمدة سنة كاملة تقريبًا، حتى أصبح مادة «ساغ سليم» بين يدي، وصلت في البداية لمدة 5 ساعات، حتى قمت بتقصيرها – والتي كانت عملية صعبة جدًا- حتى وصلت الساعتين».
 
«لا أحد يكتب لي أفضل مني، وأنا أحب اللغة العربية. فكتبت نفسي بلغتي».
 
الفنان حبيب شحادة، الذي يرافق بعوده سليم ضو في عرض «ساغ سليم» في توليفة مسرحية فريدة خصوصًا في مجال عروض الممثل الوحيد أو الحكواتي، حدّثنا عن العمل ومسارهما: «عندما قرأ لي سليم النص، شعرت بقوته، إنّ هذا الفلسطيني الذي وُلد في البعنة يحكي نفس قصة حبيب الذي وُلد في الرامة وبجيل آخر، وهو بنفس الوقت يخاطب جيل اليوم، إنّ هذا العمل بمضمونه هو تذكير بذاتنا الجماعية للأجيال القادمة».
 
 
«لماذا اخترتم المرافقة الموسيقية الحيّة، كان ممكن أن تسجّل له المقاطع في استوديو مثلا؟»
سألنا حبيب، «لا تصلح لهذا العمل إلا الموسيقى المباشرة (لايف)، كنا نلتقي خلال فترة المراجعات، وفي كل مرة كانت هناك فكرة جديدة.. كنا نعيش النصّ بشكل فردي ونأتي بأفكار جديدة. للمفارقة أيضًا أن سليم، وقبل 5 أيام من العرض الأول وجد ما يريد خلال فترة المراجعات المشتركة، لقد كان مسار عمل بالغ المتعة، وكذلك كانت النتيجة، نحن على الخشبة نكمل هذا المسار».
 
«لقد كان هنالك بحث دائم وعميق» يقول حبيب شحادة» «هذا العرض ليس مشروعًا لمرة واحدة بل أبدي، لا تكمن أهميته فقط على مستوى المسرح الفلسطيني إنما على مستوى الذاكرة الفلسطينية أيضًا، كم أنا محظوظ في العمل مع سليم في هذا العرض الرائع».
 
«أنا أيضًا محظوظ جدًا للعمل مع حبيب معه» يعود سليم إلى الحوار «لا توجد موسيقى أخرى ملائمة للعرض غير التي قدمها حبيب، أنا أعشق الموسيقى وكنت في ورطة حقيقية لإيجاد الموسيقى الملائمة، حبيب أنقذني، أشعر على المسرح أننا شخص واحد، وأنّه معي في قلب الحدث».
 
 
«ساغ سليم» عمل لا يخضع لنوع أدائي عينيّ، فيها الحكواتي، والمونودراما، والأقنعة؟ وحتى الغناء؟ فيها الكوميديا الساخرة والحزن الصادق، 
هل هذا صنف جديد متعدّد التعبيرات الأدائية؟ 
يوافق سليم على التصنيف، ويرفض أن يسمي العرض «أمسية مسرحية»، ممكن أن يكون شيئًا جديدًا، «فهناك السيرة الذاتية والكوميديا والحزن والدراما والمأساة والتشرد».
 
وحول تسميته يقول «تخبطت كثيرًا في اختيار اسمه وتعريفه، في النهاية زوجتي اقترحت الاسم «ساغ سليم»، وهو يلائم النص جدًا، خصوصًا أنّني كنت قد مرضت في السابق وعدت لأهلي ساغ سليم وأبدأ بالحديث عن تلك الفترة».
 
كيف شعرت في العرض الأول لـ»ساغ سليم»؟ 
«طرت، أنا راضٍ جدًا، وفي نفس الوقت متوثّر (متوتر ومتأثر) من العرض القادم، هنالك أشخاص حضروا العرض الأول وستشاهد العرض الثاني أيضًا. أنا مسرور جدًا من النتيجة، العمل بسيط جدًا «فش لف ودوران»، وأهم شيء أنه صادق، الناس في العرض الأول بقيت جالسة، كبارًا وصغارًا لساعتين ونصف تشاهد العرض دون أن تتحرك، تفاعلوا مع العرض» وأضاف مازحًا «ما رحش حدا ع الحمام»!
ديكور العمل هو حقائب السفر لكنك في حركتك تتمسّك أكثر بالبقاء، بل تقفز في الفضاء المسرحيّ،
 
 
 
هل التنقل هو مكانك؟ وهل تفضّل التنّقل في الفضاءات القريبة؟
«الحدث هو مكاني، أرجع إلى بيتي في البعنة مع حقيبتي، اتنقل في قلب مكاني، هذه متعتي.. كأني أنا ومكاني في أماكن متغيرة. وأنا مكان هاجس بقائي في بلدي. في فرنسا «كنت مزبط حالي» وعملت في أكبر المسارح وأهمها، لكني عدت كي أكون وأعمل هنا، مع ناسي، وأفتح مقهى «تموز»، وكي «أنق وألعن» هذه العيشة.. لهذا عُدت».
 
«أريد أن أسافر، لكني لا أستطيع، حتى لو حصلت حرب...لا أريد أن أغادر، لي هنا أقارب وأصدقاء وأحباء لا أستطيع أن أتركهم».
 
 
ماذا تخطّط للعرض؟ أين ستذهب معه؟
«بعد نجاح العرض الأول، سوف تقام عروض في لندن والأردن والضفة الغربية وبلجيكا وفرنسا (باللغة الفرنسية) وكندا والوليات المتحدة واستراليا، وعرض في اللغة العبرية في البلاد، يهمني أن يسمع اليهودي عرض ساغ سليم وله كي يعرف عن سلب الأراضي والحكم العسكري وملاحقة الشاباك...».
 
«سوف يكون طبعًا عروض في الداخل سيعلن عنها قريبًا، العرض المحدّد حاليًا هو في 10.12 في «أودوتوريوم معالوت».

التعليقات