"كلاكيت فلسطين"... هذه الإضاءة

ينجح برنامج "كلاكيت فلسطين" الأسبوعي (25 دقيقة) في تلفزيون "العربي"، في تحقيق إمتاعٍ ومؤانسةٍ بين مشاهديه وضيوفه من صنّاع السينما الفلسطينية الراهنة، أو الجديدة التي صارت تنجز تراكماً نوعياً ملحوظاً منذ أزيد من عشر سنوات.

ينجح برنامج "كلاكيت فلسطين" الأسبوعي (25 دقيقة) في تلفزيون "العربي"، في تحقيق إمتاعٍ ومؤانسةٍ بين مشاهديه وضيوفه من صنّاع السينما الفلسطينية الراهنة، أو الجديدة التي صارت تنجز تراكماً نوعياً ملحوظاً منذ أزيد من عشر سنوات، ويجوز الزعم أن مبدعيها، من مخرجين ومخرجات، وممثلين وممثلات، وكاتبي سيناريو وكاتبات، ومصورين وفنيين، باتوا يمثلون حالة إبداعيةً فلسطينية حاضرةً، يحسن الانتباه إلى منجزها باهتمام نقديٍّ واجب، وبالتفاتٍ إلى ما يلزمها من إسناد. و"كلاكيت فلسطين"، في إيقاعه وبساطته، لا يعرّف بتجارب هؤلاء الفنانين فقط، بالحديث معهم عنها، وعن جديدها، وعن ذكرياتهم الأولى، وإنما يُضيء أيضاً على علاقتهم الخاصة بفلسطين، لا بالمعنى الوطني العام فحسب، وإنما بالمعنى الشخصي، حين يتجوّل مقدّم البرنامج، المذيع المثقف، صالح ذبّاح، مع ضيوفه الفنانين في مدنهم وبلداتهم، في أسواقها وحواريها وزقاقها، وحين تطلّ الكاميرا على جبالٍ وموانئ ووديانٍ وحقولٍ وسهولٍ، اختبروا صلةً دافئةً وحميمةً معها.

وللبرنامج الذي صحّ وصف الصديق بشار إبراهيم له، في مقالةٍ في صحيفةٍ زميلة، إنه من أفضل ما تحقّق من نوعيته على الشاشات العربية شكلاً ومضموناً، قيمةٌ مضافةٌ أخرى، هي أن عينيك تجولان، في أثنائه، في فلسطين التي احتلت في 1948، وينتسب إلى مدنها وبلداتها المبدعون الذين يستضيفهم فيها. وهكذا، أنت تطوف في ترشيحا، في بعض شوارعها الوديعة، مع الممثلة والمخرجة المسرحية، نسرين فاعور، عندما تتحدّث عن أدوارها في غير فيلم ومسرحية، وعن شغفها الفني الأول، وعن الاحتلال، وعن فلسطين عموماً. كما الممثلة الشابة ميساء عبد الهادي في سوق الناصرة ومعالمها. كما المخرج توفيق أبو وائل، صاحب فيلم "عطش"، في أم الفحم. كما السيناريست والمخرجة سهى عرّاف، في حيفا ووادي النسناس فيها، وهي تحكي بحبّ عن عروبة هذه المدنية وناسها سكان البلد الأصليين. كما المخرج هاني أبو أسعد في الناصرة، وهو يحكي عن سينما ناديا فيها، وعن "المحافظة على عروبتها"، وأبو أسعد صاحب أفلام تميّزت عربياً، وحازت جوائز مقدّرة في مهرجاناتٍ عالمية. واستضيف، أيضاً، في "كلاكيت فلسطين" النجم المخضرم، محمد بكري، وجالت الكاميرا معه في زقاق عكا وفضاءاتها. ومن جيلٍ جديد، أطلت ممثلة السينما والمسرح الشابة، ربى بلال، في يافا، حيث الميناء ومسرح السرايا العربي.

وثمّة الممثل أشرف فرح في حيفا أيضاً، وكذا زميله علي سليمان في صفورية، وهو من مواليد الناصرة، والذي تألق في فيلمي "الجنة الآن" و"المر والرمان" الذي تحسّست مخرجتُه، نجوى نجار، حجارة القدس، في أحدث حلقات البرنامج، الاثنين الماضي، وحكت فيه عن فيلمها الآخر "عيون الحرامية"، وعن حرصها على مشاركة نجميْن عربيين فيه، وكانا بطليْه في فلسطين، المصري خالد أبو النجا والجزائرية سعاد ماسي. وكانت فرصةً طيبةً لصاحب هذه الكلمات أن يشاهده، بحضور مخرجته، في مهرجان وهران للفيلم العربي، وكان قد شاهد "المر والرمان" في مهرجان دبي السينمائي. واستضاف "كلاكيت فلسطين" المخرجة آن ماري جاسر في بيت لحم، وكانتا مناسبتين طيبتين لصاحب هذه السطور أن يشاهد فيلميها، "لمّا شفتك" و"ملح هذا البحر" في عمّان ودبي، ويمكن القول إن جاسر ونجار تُحقّقان منتجاً سينمائياً شجاعاً، وبحساسيةٍ فلسطينية جديدة، من سينما جيل ما بعد ميشيل خليفي ومي المصري ورفاقهما.

ولمّا كنا، في هذه الأيام، في موسم استحضار نكبة احتلال فلسطين، ربما يكون من الوفاء البديع، في استذكار ذلك النهب الأول لفلسطين قبل 68 عاماً، أن نعرف هذه البلاد وناسها وفضاءاتها، ومبدعيها في السينما، الجنس الفني البالغ الأهمية في حماية مرويّات الفلسطينيين عن أنفسهم وعن أمكنتهم، أشخاصاً وأفراداً، في مجموعٍ وطنيٍّ وعضويٍّ كبير. وبرنامج تلفزيون العربي "كلاكيت فلسطين" مساهمةٌ جوهريةُ، وثمينةٌ، في هذا كله.. لذلك، لا يستحق المشاهدة والمتابعة فقط، بل والاحتفاء الواجب بمن أنتجَه وأنجزَه، وبمن يقدمه صالح ذبّاح.

اقرأ/ي أيضًا لـمعن البياري

(العربي الجديد)

التعليقات