قلعة برقوق ... شموخ التاريخ يقاوم الزمن

تبعد قلعة برقوق عن الحدود بين مصر وفلسطين 20 كيلومترا، وتربط بين القاهرة ودمشق وقطاع غزة وكان هذا هو الهدف من إنشائها، أن تكون حماية للمدينة ومنطقة لقاء بين التجار والمسافرين الذين يقصدون أكبر عاصمتين في دولة المماليك قديما

قلعة برقوق ... شموخ التاريخ يقاوم الزمن

بنيت قلعة 'برقوق' في مدينة خان يونس بوسط قطاع غزة، عام 1387، بتكليف من السلطان برقوق، أحد سلاطين الحقبة المملوكية ومؤسس دولة المماليك البرجية، وأسند المهمة إلى الأمير يونس بن عبدالله النورزي الداودار، وسميت مدينة خان يونس على اسمه، وتعد القلعة من أهم الأماكن التاريخية والأثرية الموجودة في فلسطين، ويطلق عليها البعض القلعة البرجية نظراً لارتفاع أبراجها، حيث تعني كلمة خان “القلعة أو السوق”، ثم تغير اسمها في العصر العثماني وأطلق عليها الجنود قلعة برقوق نسبة إلى السلطان برقوق.

وتبعد قلعة برقوق عن الحدود بين مصر وفلسطين 20 كيلومتراً، وتربط بين القاهرة ودمشق وقطاع غزة وكان هذا هو الهدف من إنشائها، أن تكون حماية للمدينة ومنطقة لقاء بين التجار والمسافرين الذين يقصدون أكبر عاصمتين في دولة المماليك قديماً، فضلا عن استخدامها ملجأ لهم من الجماعات التي كانت تقصد طرق التجار لسرقتهم لأنها كانت منتشرة خلال هذه الحقبة الزمنية.

وشيدت القلعة بشكل هندسي مربع، وتوجد بكل زاوية نقطة بناء أساسية أبراج دائرية ضخمة بنيت من الحجر، وتهدف لحماية القلعة من اللصوص والمعتدين، وتتكون القلعة من طابقين، الأول يضم مجموعة من المخازن التي تستخدم لحفظ البضائع، ومجموعة أخرى من الإسطبلات المخصصة لمبيت الدواب، أما الطابق الثاني يحتوي على غرف متعددة تستخدم لراحة ساكني القلعة، بالإضافة إلى مسجد يقع على يسار البوابة الرئيسية للقلعة، ويتكون من طابقين أيضا يصل بينهما درج خشبي قديم، يضم الطابق الأول بيت الصلاة الذي يتوسطه منبر من الرخام، مزود ببعض النقوش القديمة التي تعود لعصر المماليك، وأمام بيت الصلاة توجد قبة صغيرة من الزجاج الملون.

وتوجد المئذنة على الجانب الآخر من القبة، وتتكون من 3 أجزاء يصل بينهم سلم من الخشب يمتد ليؤدي إلى أعلاها، تتخلل جدرانها فتحات كان يستخدمها الجيش المملوكي في إطلاق القذائف، أما الطابق الثاني يضم مجموعة من الغرف التي يعلوها قبة بيضاوية الشكل شيدت من الرخام.

وتتميز مئذنة مسجد القلعة بقاعدة خرسانية مربعة، يرتكز عليها الجزء الرئيسي من الأجزاء الثلاثة، الذي صمم بشكل هندسي مثمن الأضلاع، يعلوه الجزء الثاني، وهو مبني بشكل دائري يحتوي على زخارف متعددة، وتوجد بنهاية هذا الجزء فتحات صغيرة، منها ما هو صمم على هيئة رأس دائرية صغيرة زودت بزخارف ونقوش مرسومة، وتقع أسفلها فتحات أخرى على شكل قواقع، أما الجزء الأخير يسمى رأس المئذنة، وهو عبارة عن جدران مستديرة تحيط بالرأس، زخرفت بأشكال هندسية مختلفة تتخللها بعض الكلمات مثل رمز الجلالة، واسم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الجزء تم تدميره في الحرب العالمية الأولى من قبل بريطانيا، التي احتمت داخله واستخدمت نوافذه في قذف أعدائها.

ويقع بجوار مسجد القلعة ديوان خصص لاجتماعات أهل سلطة الحكم لمناقشة أمور البلاد، كما يحدّ القلعة من الخارج سور ضخم يحميها من الهجمات، حيث يحتوي على الكثير من النوافذ الوهمية، التي تظهر وكأنها رسومات وتصميمات جمالية ذات أشكال حيوانية، كما يحتوي في جوانبه المختلفة غرف صغيرة محمولة على أعمدة خرسانية، ترتفع إلى ما بعد نهاية السور، تتخلل جدرانها الأربعة فتحات مغطاة ببعض الأسلاك الحديدية، تستخدم للدفاع عن المدخل ولرد هجمات المعتدين على القلعة.

ويقع في نهاية السور البوابة الرئيسية لقلعة برقوق، التي يتصدرها تمثالان يبرزان من السور على جانبي مدخل البوابة، الذي يحتوي على باب أجوف يبلغ قطره 70 سم، تعلوه فتحات ضخمة تحملها أعتاب من الرخام، يوجد على جانبيها يميناً ويساراً نصان محفوران في الحجر، تحيط بهما بعض النقوش العثمانية التي وضعها الجنود بعد تحويل القلعة لمقر خاص بهم لتوسيع تمدد الجيش التركي وفرض الهيمنة العثمانية على الدول، لا سيما بعد امتناع التجار من استخدام طريق القلعة الواصل بين غزة والقاهرة.

ويقول د. خليل عبد الرحمن الخبير الأثري: قلعة برقوق تقف شامخة وشاهدة على تاريخ مدينة خان يونس عبر العصور، لا سيما وأن أجزاء كبيرة من القلعة تعرضت للانهيار خلال الحرب العالمية الأولى، وما تبقى منها شاهد على عظمة الحضارة المملوكية.

ويوضح أن القلعة بها نصوص ورسومات وزخارف قديمة محفورة في رخام الجدران، فضلاً عن بعض التماثيل التي صممت على شكل أسد، له وجه يبرز قليلاً عن الجدار رافعاً مخالبه إلى أعلى، وتعلو هذه التماثيل فتحة ضيقة من الخارج ومتسعة من الداخل، كانت تستخدم من قبل الجند لرمي القذائف على الأعداء.

وتابع: تحتوي القلعة أيضاً على برج ضخم يتكون من طابقين، يضم الطابق الأول غرفة صغيرة ذات سقف خشبي، وبها عدة نوافذ في جوانبها الثلاثة تستخدم في الحروب، فضلا عن مدخل له باب حديدي تعلوه نقوش متعددة ورسومات بأشكال هندسية، كما يضم الطابق الثاني لبرج القلعة مزاغل مدفعية ضيقة من الخارج ومتسعة من الداخل تستخدم لفوهة المدفع لسهولة مهاجمة الأعداء.

اقرأ/ي أيضًا| البتراء: اكتشاف مسرح أثري ضخم يحاكي الحضارات القديمة

التعليقات