التواصل الاجتماعي يحمي الشباب من المخدرات

العلاقات الانسانية والحميمية البشرية ضرورية لسلامة الصحة العقلية والنفسية والسلوكية للإنسان، ونشأته بشكل سوي غير مضطرب، وبدونها قد يكون الإنسان عرضة لغزو الأمراض والاضطرابات المختلفة، والسلوكيات المضرة

التواصل الاجتماعي يحمي الشباب من المخدرات

تعتبر الوحدة أحد العوامل التي غالبا ما تصاحب الداء المشخص بأنه اضطراب عقلي أو نفسي، سواء كانت سببا أو أحد أعراضه، وعلى الرغم من أن الارتباط لا يعني السببية، إلا أن الوحدة تبدو وكأنها قد تكون سببا في بعض مشاكل الصحة العقلية والسلوكيات المضطربة أكثر من كونها عَرَضا لها، هذا إلى جانب دورها في الارتباط بالمخدرات والإدمان.

العلاقات الانسانية والحميمية البشرية ضرورية لسلامة الصحة العقلية والنفسية والسلوكية للإنسان، ونشأته بشكل سوي غير مضطرب، وبدونها قد يكون الإنسان عرضة لغزو الأمراض والاضطرابات المختلفة، والسلوكيات المضرة، حيث تؤدي الوحدة النفسية التي تنبع من فقدان الحميمية البشرية إلى عدة مشاكل نفسية مزمنة، في مقدمتها فقدان الثقة في النفس والآخرين ورفض المجتمع والانحراف السلوكي والاكتئاب، ما يتطور تدريجيا إلى أمراض عضوية خطيرة.

ومن أبرز الاضطرابات العقلية والنفسية التي تنبع من الوحدة أو تتفاقم بسببها الاكتئاب، فطالما ما صاحب الوحدة والاكتئاب بعضهما البعض، فعدم وجود الأصدقاء والأقارب بجوار الشخص يجعله يشعر بالضيق، وإذا لم يكن لدى شخص ما صداقات قريبة في حياته، فليس من المبالغة افتراض أنه يشعر بوعكة قوية نتيجة لذلك، ويتحول الأمر إلى اكتئاب يتدرج في مراحله، إلى أن يصل إلى إدمان المخدرات لتغير حالته الحالية، مع تراجع كامل للصحة العقلية بل والجسدية.

وقد أُجريت دراسة بجامعة شيكاغو في الولايات المتحدة، شملت عشرة أشخاص، تم متابعتهم على مدار خمس سنوات، حيث وجد أن الوحدة المبكرة في بداية السنوات الخمس كانت مؤشرا على ظهور الاكتئاب والسلوكيات المضطربة لاحقا خلال السنوات الخمسة، وهو ما يشير إلى أن الوحدة ربما تكون سابقة ومسببة للاكتئاب وللاضطرابات النفسية الأخرى والانحرافات السلوكية، والتي قد تصل إلى إدمان المخدرات.

ويعقب د. محمود غلاب، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، على ما توصلت إليه تلك الدراسة، قائلا: الوحدة قد تكون سببا أو عرضا للأمراض النفسية، ففي مرحلة الطفولة يعتبر تربية الطفل في عزلة عن المجتمع، سببا في نشأته شخصية انطوائية غير قادرة على التعامل مع المجتمع، أما في حالة إصابة الشخص بأحد الأمراض النفسية كالاكتئاب، هنا تصبح الوحدة عرضا ناتجا عن هذا الاضطراب النفسي ورفض الشخص للاختلاط مع محيطه المجتمعي سواء من أصدقاء أو أقارب، موضحا أن السبب في الوحدة قد يكون مرتبطا بالتربية أو حادثة أو موقفا اجتماعيا خلق عند الفرد حالة من الرفض المجتمعي، لافتا إلى أن معالجة الوحدة ضرورة لإطلاق العنان للصحة العقلية والنفسية، والوقاية من الاضطرابات والانحراف السلوكي، والذي قد يتطور إلى إدمان المخدرات والعادات السيئة.

وأضاف غلاب: التعرف على مشكلة خاصة بالصحة العقلية والنفسية وتشخيصها ليس عملية سهلة أبدا، حيث لا تكون معظم الصراعات الخاصة بالصحة العقلية منعزلة، ويعاني الكثير من أفكار أو ميول مزاجية سلبية لا تعد اضطرابات رغم أنها تشكل تحديا واختلافا في السلوك.

وذكر جوان هاري في كتابه ” The First and Last Days of the War”، أن إدمان المخدرات قد يكون أكثر من مجرد خطافات كيميائية في المخ، حيث يفترض أن الإنسان عندما يعيش حياة مليئة بالحميمية مع الآخرين لا يصبحون مدمنين للمخدرات حتى عندما يتناولون مسكنات قوية للغاية بعد التعرض لحادثة على سبيل المثال، في المقابل نجد أن العكس صحيح، فأولئك الذين يشعرون بالوحدة قبل تناول أي مخدر أكثر عرضة بكثير للإدمان، وهذا ما يؤكده البروفيسور بيتر كوهين الذي يقول: إذا لم نستطع التواصل مع بعضنا البعض، سنتواصل مع أي شيء نجده، سواء كان طنين عجلة الروليت أو وخزة حقنة المخدرات، فمدمن الهيروين قد عقد رابطة مع الهيروين لأنه لم يستطع الارتباط بصورة كاملة بأي شيء آخر، إذن فمقابل الإدمان ليس الاعتدال، وإنما التواصل البشري والصحة الاجتماعية.

هذا وتعد الوحدة من العوامل المساعدة التي تسبب حدوث “الاكتناز″، الذي يعرف بصفة عامة على أنه اضطراب وسواسي قهري، حيث يعوض المرء عنصر الفقد والألم في ملء حياته بالأشياء، عندما لا يكون قادرا على ملئها بالأصدقاء المقربين والأسرة، فيتجه إلى جمع الأشياء المريحة لملء هذا الفراغ، فكلما نما الفراغ قد ينمو معه جبل الأشياء.

إذا لم يكن سبب الوحدة العزلة الجسدية مثل الإقامة في مكان نائي، فمن المنطقي الاعتقاد بأن الوحدة قد يتسبب فيها الانزعاج والخوف من التعرف والاختلاط بالآخرين، ورفض المجتمع وهو ما يطلق عليه اسم القلق الاجتماعي، وهناك أشكال متطرّفة من هذا الاضطراب، مثل عدم القدرة على مغادرة المنزل، ورفض التحدث مع الآخرين، وربما مع الأهل أيضا، وقد يكون الشعور بالوحدة هو السبب وراء الأعراض الأقل حدة للقلق الاجتماعي، حيث يشعر المرء بأنه غير محبوب أو لا يستحق العلاقات الجيدة، مما يسبب الخوف والقلق بشأن عملية تكوين تلك العلاقات والاختلاط بالمجتمع.

وقد أشار بحث أجرته شبكة “NPR” الأمريكية، إلى أن الأشخاص المنعزلين يتمتعون في الحقيقة بمهارات اجتماعية تفوق مهارات من ليسوا وحيدين، وهو ما يعني أن الذين يعانون من الوحدة ليسوا وحيدين لأنهم لا يعرفون كيف يتحدثون مع الآخرين، ولكن توضح النتائج أنهم يعانون من صعوبات في تكوين العلاقات لأنهم يخشون إفسادها، فهم يخافون قول الأمور الخاطئة في المواقف الاجتماعية، ما يؤكد أن الوحدة والقلق الاجتماعي قد يكونا متداخلين، مما يصنع دائرة من العزلة والخوف من المجتمع.

اقرأ/ي أيضًا| ماذا يحدث لو اختفت مواقع التواصل الاجتماعي؟

التعليقات