تاريخ الشك بالمواطنين العرب من جانب الدولة، هو كتاريخ التمييز والتنكّر تجاههم منذ قيامها. وذلك بدءا من أيام الحكم العسكري الذي تمّ اعتماده في البلدات العربية منذ قيام الدولة وحتى العام 1966، والذي حصلت أثناءه مجزرة كفر قاسم (1956) التي نفذها جنود حرس الحدود. في تلك الأعوام كانت للحكام العسكريين صلاحيات غير محدودة لتقييد الحريات بكل أشكالها تجاه العرب. ولقد كانوا حتى الأمس جزءا من أعدائنا، فتحولوا فجأة إلى مواطنين مشبوهين وخطرين.
حتى بعد إلغاء الحكم العسكري، فقد سادت العادة أن نختبرهم بالأساس من خلال نظارات أمنية. فإلى ما قبل سنوات معدودة، قعد مفتش من قبل الشاباك في لجنة المناقصات في وزارة التربية والتعليم، فصادق أو شطب مرشحين عربا لوظائف إدارية أو تعليمية في المدارس. وحتى اليوم هنالك وظائف كثيرة في شركات حكومية ومصانع مختلفة مغلقة أمام العربي لأسباب أمنية، وباختصار – ألعرب مشبوهون طالما لم يثبت العكس.
إن هذا الشك، على ما يبدو، هو نتيجة للخوف، والخوف، هنالك من يقول إنه نبع من الشعور بالذنب. مهما يكن من أمر، فإن الشك يؤثر على المشكوك فيه وربما أكثر من ذلك على سلوك من يشكّ.
ولقد زودت عملية "الرصاص المصبوب" فرصة أخرى لتكريس الشك والخوف من "ما يمكن للعرب أن يفعلوه"، أي: هنا في قلب الجليل، توجد بلدة يخضع الدخول إليها للإعتبارات الأمنية، كأنها بلدة في جنوب لبنان أو مخيم لاجئين في مشارف جنين.
هنالك أمر آخر يجري فحصه في هذه الأيام حول التعليمات التي أصدرتها الشرطة وقوات الأمن بـ "الإمتناع عن السفر في مدينة سخنين، وعرابة ودير حنا أثناء مهرجان ذكرى أحداث أوكتوبر 2000، يوم السبت، الرابع من أوكتوبر 2008".
يؤدي ألتوجه إلى "الجهات الأمنية" ذاتها، ولشركة الكهرباء والشرطة، بطبيعة الحال، إلى ألاعيب الإخلاص على نمط "لم نقل، قلنا لكن ليس هكذا بالضبط، هو من قال، هي لم تفهم"، وهكذا دواليك. لكن، للحقيقة هذا ليس مهما إلى هذا الحد من الذي قال ومن أعلن. ألمهم هي الحقيقة المقلقة أنه بعد 60 عاما على قيام الدولة ما زال الخوف الذي يستند إلى الشكوك قائما، وتنمو هذه (الشكوك) في الساحة المرويّة بمياه مجاري الشعور بالغربة والإلغاء وعدم التفهّم المتبادل وقلة المعرفة بالـ "آخر" وكل هذا في منطقة فيها خمس دقائق من السفر، وكرما زيتون – هو كل ما يفصل بين مشبوهين طبيعيين ودائمين وبين جيرانهم الحذرين.
تمتنع شركة الكهرباء، التي لا تشغّل عربا تقريبا، عن الدخول إلى القرى العربية في الجليل اثناء الحرب في غزة، إلا في الحالات الطارئة، وهي ببساطة تثبّت التشخيص الخطر الذي يتحول إلى نوع من البديهيات الثابتة لدى اليهود.
تتبع التحذيرات من الدخول إلى البلدات العربية إلى ذات العائلة – يذكروننا دائما، نحن الأولاد الأبرياء، أن نمتنع عن التجول في الأحراش، حيث يكمن الذئب هناك دائما. هنالك خرافات وراء هذه التحذيرات، ومخاوف وتوصيفات لا علاقة لها بما نتحدث عنه. فإذا كان خطرا التجول في سخنين أثناء إحياء يوم الذكرى، فمن الواضح أنها ليست حكمة كبيرة أن ندخل إلى المدينة في أيام أخرى. من يدري...
يقف استعراض باروخ مارزل البطولي في الجانب الآخر من شبكة المخاوف، وكذلك إيتامار بن جفير ومؤيديهما ورثة كهانا الذين جاؤوا إلى أم الفحم لإظهار تقديرهم للديمقراطية " ولتعليم العرب ماذا يعني الإخلاص للدولة".
مارزل، وهو ناشط في اليمين المتطرف، يعشق (أحيانا، فقط أحيانا) الديمقراطية والتربية. لذا فقد قال عن المظاهرة المبرمجة: "سنلقن عرب أم الفحم ما هي الديمقراطية". كل شيء سار كما هو مبرمج يوم المسيرة: فقد قابل صحافيون رجالات "كاخ" الذين حظوا بتسليط الأضواء عليهم، فيما ثار المواطنون إزاء الإستفزاز (يبدو أنهم بشر أيضا)، ورفعت الأعلام الفلسطينية، وألقيت حجارة ونزفت الدماء من راس ضابط شرطة تماما كما السيناريو. ولقد أثبت مرة أخرى كم هم خطرون العرب، ورأينا مرة أخرى الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه تعرض شكل التفاهم فيما بين المواطنين اليهود والمواطنين العرب.
ولقد قيل في هذا، إن أحمق ألقى حجرا إلى البحر، لم يستطع مائة عاقل أن يخرجوه.
31/10/2010 - 11:02
"ألعرب مشبوهون دائما"..
-

التعليقات