07/05/2025 - 13:26

أزمة تمويل منظمة الصحة العالمية: هل يتراجع العالم أمام معاركه الصحية؟

يثير هذا الوضع قلقًا واسعًا بين خبراء الصحة العامة، الذين يؤكدون أنّ منظمة الصحة العالمية ليست مجرّد هيئة بيروقراطية، بل هي العمود الفقري للاستجابة العالمية للأزمات الصحية...

أزمة تمويل منظمة الصحة العالمية: هل يتراجع العالم أمام معاركه الصحية؟

(Getty)

في واحدة من أكبر الأزمات التي شهدتها الصحة العالمية في العقود الأخيرة، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن مواجهتها "أكبر اضطراب في تمويل الصحة العالمية في الذاكرة الحديثة"، وذلك إثر انسحاب الولايات المتحدة من تمويل المنظمة، مما تسبب في فجوة مالية تقترب من 600 مليون دولار خلال هذا العام وحده.

هذا الانسحاب جاء في وقت حساس يشهد العالم فيه أزمات صحية متداخلة، من تفشي الأمراض المعدية، إلى تداعيات تغير المناخ، وحتى آثار النزاعات المسلحة التي تعصف بعدة مناطق.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إنّ التخفيضات المتوقعة ستكون لها عواقب وخيمة، محذرًا من أن الانسحاب الأميركي يمثل "أكبر اضطراب في تمويل الصحة العالمية في الذاكرة الحديثة".

وأضاف غيبريسوس أنّ هذه الفجوة المالية ستؤثر على قدرة المنظمة في الاستجابة للأزمات الصحية الحالية والمستقبلية، فضلًا عن إضعاف البرامج طويلة المدى لمكافحة الأمراض المزمنة والمعدية.

ومن أجل التعامل مع هذه الأزمة، اقترحت المنظمة خفض ميزانيتها للفترة 2026-2027 بنسبة 21%، من 5.3 مليار دولار إلى 4.2 مليار دولار، بالإضافة إلى تقليص عدد الموظفين.

ومع أنّ المنظمة تعمل حاليًا على وضع أولويات جديدة، فإنّ تقليص الميزانية بهذا الحجم يعني عمليًا التراجع عن التزامات قائمة بالفعل في مكافحة الأمراض، مثل السل والملاريا وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، إلى جانب أزمات أخرى مثل مقاومة المضادات الحيوية وسوء تغذية الأطفال.

ويثير هذا الوضع قلقًا واسعًا بين خبراء الصحة العامة، الذين يؤكدون أنّ منظمة الصحة العالمية ليست مجرّد هيئة بيروقراطية، بل هي العمود الفقري للاستجابة العالمية للأزمات الصحية، ولها دور محوري في تنسيق جهود الدول لمكافحة الجوائح مثل كوفيد-19، والوقاية من الأمراض المعدية، وتقديم المساعدة الفنية واللوجستية للبلدان الفقيرة التي تفتقر إلى بنى تحتية صحية متقدمة.

ويقول الدكتور بيتر ساندز، المدير التنفيذي للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، إنّ "هذه الأزمة ليست مجرّد أزمة حسابات مالية، بل هي أزمة ستقاس بتأثيرها على الأرواح"، محذرًا من أنّ التخفيضات ستدفع بالعديد من الدول إلى التخلي عن برامج صحية حيوية، وستُعرّض حياة الملايين للخطر.

وفي ظل هذا المشهد القاتم، تدعو منظمة الصحة العالمية إلى إعادة النظر في آلية التمويل الحالية، التي تعتمد بدرجة كبيرة على مساهمات طوعية من الدول، وهو نموذج يجعل المنظمة عرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية.

كما دعت إلى وضع نظام تمويل مستدام قائم على مساهمات إلزامية تضمن استقلالية القرار وقدرة المنظمة على وضع أولوياتها بعيدًا عن الضغوط السياسية.

ويؤكد الخبراء أنّ مستقبل الصحة العالمية يتوقف على قدرة المجتمع الدولي على التعاون وضمان استمرار عمل المنظمات متعددة الأطراف، بدلًا من الانكفاء نحو الانعزالية والسياسات الوطنية الضيقة.

وفي هذا السياق، ترى الدكتورة جولييت إيبستين، الخبيرة في الشؤون الصحية الدولية بجامعة كولومبيا، أنّ "العالم بات اليوم في مفترق طرق: إمّا أن نستثمر في الصحة العالمية كمنفعة عامة تعود بالنفع على الجميع، أو نُجازف بمستقبل صحّي هشّ لن يُفرّق بين حدود الدول".

ومع استمرار التوترات السياسية عالميًا، يبقى السؤال الملحّ: هل تستطيع منظمة الصحة العالمية تجاوز هذه الأزمة وإعادة بناء ثقة الدول المانحة؟ أم أنّ الانسحاب الأميركي سيكون بداية سلسلة انهيارات في النظام الصحي العالمي، قد تعيدنا إلى ما قبل عصر الصحة العالمية المنسقة؟

التعليقات