أظهرت دراسة جديدة أن اتباع نمط حياة صحي ومتوازن يمكن أن يُحدث فرقًا حقيقيًا في حالات الخرف المبكر، بل وربما يعكس بعض مظاهره.
الدراسة، التي عُرضت نتائجها مؤخرًا في مؤتمر طبي مرموق ونشرتها صحيفة وول ستريت جورنال، ركّزت على تأثير تغييرات حياتية دقيقة مثل النظام الغذائي النباتي، ممارسة التأمل، النشاط البدني المنتظم، وتفعيل الدعم الاجتماعي، على الأداء المعرفي لمصابين في المراحل الأولى من مرض الزهايمر أو ضعف الإدراك البسيط.
البحث شمل 51 مشاركًا تم تشخيصهم بخرف مبكر، خضع نصفهم لتعديلات نمط حياة مكثفة، بينما استُخدم النصف الآخر كمجموعة ضابطة لم تتلق أي تدخل خاص. خلال فترة الدراسة التي استمرت 20 أسبوعًا، خضع المشاركون لفحوص معرفية وتصوير بالرنين المغناطيسي، إضافة إلى تحاليل جينية متقدمة وتقنيات تقييم "عمر الدماغ" باستخدام الذكاء الاصطناعي.
71٪ من المشاركين الذين التزموا بنمط الحياة الصحي لم يظهروا أي تدهور إضافي، بل سجلوا في بعض الحالات تحسنًا طفيفًا في الذاكرة وسرعة المعالجة والانتباه، مقارنة بالمجموعة الضابطة التي سجلت انخفاضًا معرفيًا متوقعًا خلال نفس الفترة.
وقال القائمون على الدراسة إن هذه النتائج تدعم الرؤية المتزايدة بأن الخرف ليس حتمية لا يمكن تجنبها، بل هو اضطراب يمكن التخفيف من وطأته وربما إبطاء تقدّمه.
أحد أبرز حالات النجاح كان دان جونز (56 عامًا)، موسيقي سابق من ولاية أوريغون، تم تشخيصه بالخرف العام الماضي. بعد انضمامه إلى الدراسة وتطبيق برنامج التدخل، استعاد القدرة على عزف آلة الكمان والاحتفاظ بمقاطع طويلة من المقطوعات الموسيقية، وهي مهارات كان قد فقدها جزئيًا.
"أشعر وكأن الضباب بدأ ينقشع"، قال دان للصحفيين، مضيفًا أن الأمر لم يكن معجزة، بل نتيجة التزام صارم بتعليمات الدراسة.
ويعتمد مفهوم "عمر الدماغ" المستخدم في الدراسة على مبدأ أن الدماغ، مثل أي عضو آخر، يتأثر بالعادات اليومية ومستويات الالتهاب المزمن والجهد التأكسدي والتغذية.
وعبر جمع بيانات من التصوير بالرنين المغناطيسي وتحليل الجينات، يستطيع العلماء الآن تقدير الفارق بين العمر البيولوجي للدماغ والعمر الزمني الفعلي، ما يتيح للمرضى تقييم مدى تقدم التدهور ومعرفة ما إذا كان نمط حياتهم يسهم في تسريعه أو إبطائه.
الدراسة أشرف عليها الدكتور دين أورنيش، أحد أبرز الباحثين في الطب الوقائي في الولايات المتحدة، والذي سبق أن أجرى دراسات مشابهة على تأثير نمط الحياة في أمراض القلب والسرطان.
وفي حديثه للصحافة، قال أورنيش: "كنا نعلم من قبل أن الغذاء والنشاط والتأمل يمكن أن يساعدوا في تقليل مخاطر الأمراض، لكن أن نرى تأثيرًا على الدماغ بهذا الوضوح، فهذه سابقة علمية مثيرة."
ومع تصاعد أعداد المصابين بالخرف عالميًا، تتجه الأنظار الآن إلى مقاربات شاملة لا تكتفي بالعلاج الدوائي، بل تدمج السلوكيات اليومية كعناصر فاعلة في العلاج والوقاية. منظمة الصحة العالمية كانت قد أشارت سابقًا إلى أن نحو 40٪ من حالات الخرف قد تكون قابلة للتأخير أو المنع عبر تعديل نمط الحياة.
التعليقات