حذّرت دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة "ساينس أدفانسز" من أن تغيّر المناخ يدفع السلاحف البحرية بعيدًا عن موائلها الطبيعية المحمية إلى مناطق بحرية مزدحمة بحركة السفن، مما يزيد من خطر نفوقها نتيجة الاصطدامات، ويطرح تساؤلات جدية حول فاعلية المناطق البحرية المحمية في مواجهة التغيرات البيئية المتسارعة.
وأظهرت الدراسة، التي أعدّها العالمان "إدوارد دوكين" و"دينيس فورنييه" من جامعة بروكسل الحرة، أن نحو 77% من بؤر السلاحف البحرية في العالم تقع حاليًا خارج المناطق البحرية المحمية، رغم الالتزام العالمي بما يعرف بـ"هدف 30×30"، الهادف إلى حماية 30% من المساحات البحرية بحلول عام 2030 ضمن إطار كونمينغ – مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي.
ورصد الباحثان أكثر من 27 ألف حالة لسلاحف بحرية، وقارنا تحركاتها مع أكثر من مليار موقع لسفن حول العالم، ليكشفا أن التغير المناخي يدفع السلاحف إلى مياه أكثر برودة، لكنها في الغالب مناطق مزدحمة بخطوط الملاحة البحرية، مثل بحر الشمال، والبحر الأبيض المتوسط، وبحر الصين الشرقي، وحتى محيط جزر غالاباغوس.
ويشكّل ازدياد حركة الشحن البحري تهديدًا مباشرًا على السلاحف البحرية، إذ يُتوقع أن يرتفع النشاط التجاري البحري بنسبة 1200% بحلول عام 2050، وهو ما يضاعف خطر الاصطدامات، خاصة في ظل انتقال السلاحف إلى مناطق لا تشملها التغطية البيئية المحمية.
وتُعد الدراسة من بين أكثر التحليلات شمولًا لحركة السلاحف البحرية عالميًا، وشملت الأنواع السبعة المعروفة، وأظهرت أنه حتى في السيناريوهات المناخية المتفائلة، فإن أكثر من نصف مناطق تجمع السلاحف الحالية قد تختفي بحلول منتصف القرن.
وفي سيناريوهات أكثر تشاؤمًا، قد تفقد أنواع مثل "كاريتا كاريتا" و"ديرموشيليس كورياسيا" ما يصل إلى 67% من مواطنها، بينما قد توسّع أنواع أخرى مثل "شيلونيا ميداس" نطاق انتشارها إلى المياه الباردة.
وأوصت الدراسة بضرورة تبنّي استراتيجيات مرنة للحفاظ على البيئة البحرية، تتجاوز نموذج "المناطق المحمية الثابتة"، نحو نموذج أكثر ديناميكية، يستند إلى بيانات آنية حول تحركات الأنواع وتغير الظروف المناخية.
واقترحت إنشاء محميات بحرية ذكية قادرة على التغير المكاني والزماني، ترتبط بتنظيمات مباشرة لحركة الشحن، مثل فرض قيود على السرعة في المناطق التي تشهد تداخلاً كبيرًا مع وجود السلاحف.
كما شدّدت الدراسة على أهمية توسيع الحماية داخل "المناطق الاقتصادية الخالصة" للدول، حيث تتواجد العديد من الموائل الجديدة للسلاحف، داعية إلى إدماج تلك الجهود ضمن الاتفاقيات الدولية المنتظرة، مثل اتفاقية حماية أعالي البحار، التي لم تدخل حيّز التنفيذ بعد.
وتُعد هذه النتائج دعمًا علميًا قويًا لدعوات أُطلقت في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات في حزيران 2025، والتي نادت باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية التنوع البيولوجي البحري، لا سيّما في ظل تسارع آثار تغير المناخ.
وتسلّط الدراسة الضوء على واقع صعب تواجهه الكائنات البحرية، وعلى رأسها السلاحف، التي تجد نفسها مرغمة على مغادرة مناطقها التقليدية لتدخل في سباق خطير مع النشاط البشري في عرض المحيطات. وفي ظل هذا المشهد المتغير، تُصبح "الحماية المتنقلة" ضرورة بيئية، لا خيارًا مؤجّلاً.
التعليقات